- أكثر من ١٠٠ إعلامي من نحو ٥٥ بلداً ناقشوا دور الصحافة في صناعة السلام العالمي
كوريا الجنوبية - أحمد شعبان
تعتبر منطقة شرق آسيا عموما وشبه الجزيرة الكورية خصوصا، واحدة من اكثر مناطق العالم توترا. وإلى جانب التطورات التي رافقت برنامج كوريا الشمالية النووي وتجاربها الصاروخية الباليستية الجديدة، ثم قيام الولايات المتحدة بتسريع عملية نشر منظومة صواريخ «ثاد» في كوريا الجنوبية، وإرسالها حاملة الطائرات «كارل فينسون والأسطول المرافق لها الى المنطقة، ثم الحرب الكلامية بين واشنطن وبيونغ يانغ التي بلغت مستويات غير مسبوقة من التصعيد، تصاعدت مخاوف من أنها قد تتحول الى مواجهة عسكرية في أي لحظة ما لم تنجح جهود الوساطة.
وفي هذا الخضم من الأخطار، تعيش جمهورية كوريا الجنوبية تلك الأمة الباحثة عن السلام.
نظرا لما يلعبه الإعلام من دور في ظل المتغيرات الدولية والأخطار التي تعيشها تلك المنطقة، استضاف اتحاد الصحافيين الكوريين مؤتمرا عالميا تحت عنوان عريض هو «دور الإعلام في إرساء السلام» حضره قبل أيام نحو 100 صحافي من أكثر من 55 دولة فكان مؤتمرا اعلاميا - سياسيا بنكهة سياحية، مكن الإعلاميين من مختلف المشارب والأعراق وعلى مدى اسبوع من التعرف على أوجه متعددة لم تكن معروفة لدى كثيرين عن كوريا الجنوبية.
وكان فرصة لتبادل الخبرات والآراء حول دور الإعلام في السلام المنشود. و بدأ «مؤتمر الصحافيين العالمي 2017» بندوة سياسية توزعت على جلستين.
وقد افتتحه نائب وزير الخارجية الكوري ان شون-غي. واستعرض شــــــون غي الأوضاع السياسية والتحديات التي تواجهها السياسة الخارجية لسيؤول في هذا الخضم المتلاطم من الأخطار والتوترات.
ومما قاله: «ان الفصل الآن في كوريا هو فصل الربيع.. لكن الجو العام المحيط بنا لا يبدو ربيعا أبدا حيث تخيم على منطقة شمال شرق آسيا عموما وشبه الجزيرة الكورية خصوصا، غيوم انعدام الثقة».
وعدد شون غي هذه التحديات وأكد ان على رأسها التجارب النووية لـ«الشقيقة الشمالية» ومساعيها الدؤوبة للحصول على سلاح الدمار الشامل.
مشيرا الى انه ومنذ تسلم الزعيم الجديد كيم يونغ اون، رفضت بيونغ يانغ أي محادثات حول نزع السلاح النووي.
وإلى الشرق تطرق الى التوتر المتصاعد مع الجارة الكبرى الصين حول نشر منظومة صواريخ «ثاد» والذي جاء ردا على التجارب الصاروخية الشمالية، باعتبار أن حق الدفاع عن النفس غير قابل للنقاش.
وعرج المسؤول الكوري على التوتر المتزايد مع الصين وعلى معاقبة الشركات الكورية الجنوبية وإلغاء العديد من الفعاليات المشتركة بين الجانبين.
وختم بحديث مقتضب عن التحديات التي تواجهها كوريا متأثرة بتداعيات حرية التجارة العالمية وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذا انسحاب أميركا من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادي والحمائية وغيرها من التطورات التي تؤثر على الاقتصاديات العالمية.
ثم دور الإعلام في اطلاع وتوعية الجمهور بالتحديات التي تواجهها بلاده.
وفي الجلسة الرئيسية للمؤتمر التي كانت بإدارة شونغ رول، بارك المحرر في محطة «CBS» الكورية، ثم اعطى الحديث لهونغ دوكرول، رئيس جامعة داغو الكورية الذي تمحورت كلمته حول الأخطار التي تواجه العالم بأسره.
والأولويات التي ينشدها لعالم المتحضر في القرن الحادي والعشرين، لاسيما السلام والأمان والاستدامة.
ودور الإعلام والصحافة في مساعدة العالم لتحقيق هذه الطموحات.
عقب ذلك، تحدث يونغ زانغ نائب رئيس قسم العلاقات الدولية في صحيفة الشعب الصينية. وحملت مداخلته عنوان «مسؤولية الإعلام في حقبة ما بعد الحقيقة».
وطبعا كانت قضية البرنامج النووي الكوري الشمالي في صلبها.
وأكد يونغ أن الحوار والمفاوضات وحدها الكفيلة بنزع فتيل الأزمة.
وحذر من أنه لا يمكن لأحد إغفال المصالح الصينية وقدراتها ورغبتها في الدفاع عن امنها القومي، مشيرا الى نشر منظومة «ثاد» والتي اصبحت بموجبها نصف الأراضي الصينية تحت مراقبة الرادارات الاميركية.
وبالحديث عن دور الصحافة في هذا المجال، دعا زانغ الإعلام الى التحلي بالعقلانية والتوازن.
من ناحيتها، الإعلامية لين وولش، المنتجة المنفذة في قسم التحقيقات بمحطة «ان بي سي» سان دييغو، الاميركية، لخصت دور الإعلام في ثلاث نقاط تتمحور حول تقديم المعلومة وعرض الحقائق، وإتاحة الفرصة لمن لا صوت لهم.
بدوره، كينيث شوي ووسوك، نائب رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي في صحيفة تشوسان اليومية، طرح عدة تساؤلات مهمة حول واجب الإعلامي وفيما اذا كان يتعلق بـ: نشر الحقائق، الوقوف بوجه الأقوياء، مراقبة الاداء الحكومي، تشكيل الرأي العام، البحث عن القضايا الجيدة، أو نشر الأخبار.
وخلص الى الدعوة للالتزام بنشر الحقيقة والحقيقة فقط.
سياسة في كل مكان
انتهت الندوة الرئيسية للمؤتمر بجلستيها، لكن السياسة لم تنته ولم تتوقف في الأيام السبعة التي امتد عليها المؤتمر.
فقد كانت حاضرة في كل غداء عمل أو عشاء تكريم اقامه محافظ أو حاكم مقاطعة في جميع المدن التي زارها الوفد الاعلامي الكبير.
وأكثر من ذلك كانت السياسة حاضرة في معظم الأحاديث الجانبية التي خاضها الصحافيون مع زملائهم الكوريين أو مع القائمين والمنظمين وحتى الأدلاء السياحيين.
ويلاحظ المتابع ان شقين اساسيين يهيمنان على فكر الكوريين السياسي، الشق الاول والطارئ هو الأزمة الرئاسية التي تعيشها البلاد بعد تنحية الرئيسة وإيداعها السجن وبالتالي التوقعات والتكهنات لمآل الانتخابات المقبلة.
وهنا لا يخلو حديث الكوريين بين بعضهم البعض من قليل من التهكم والسخرية التي يمكن للمرء أن يلاحظها حتى ولو لم يفهم اللغة الكورية.
أما الشق السياسي الآخر فهو العلاقة مع الشمال والتوتر الذي سببه التصعيد الأخير من الجارة الشمالية.
ويلاحظ هنا ان السياسيين وحتى الناس العاديين يتحدثون عن القضية بشيء من العاطفة، فالكوريون الشماليون ما زالوا اشقاء بنظر الكثيرين.
وكوريا الشمالية ما زالت الشقيقة الخارجة عن الطوق.
ويحز في نفوس الجميع أن الأمة الكورية هي الأمة الوحيدة التي ما زالت منقسمة على نفسها بين شمال وجنوب.
أو هكذا يظنون، فماذا يقول العرب إذن؟!
قصر غون بوكونغ
ولما كانت السياسة عماد المؤتمر، كانت أولى المحطات السياحية بعد انتهائه، في قصر «غونغ بوكونغ» وربما الأشهر في التاريخ الكوري ويعني الاسم بحسب ترجمته الانجليزية «القصر المبارك من السماء».
ويقع في قلب القسم القديم من العاصمة سيؤول، وجبل «بوغاكسان» يحميه من الخلف.
ويعود لسلالة جوسون الحاكمة، أما تاريخ اكتمال بنائه فهو عام 1395.
وكما في معظم التاريخ الآسيوي تختلط الأسطورة مع الواقع.
وفي كل زاوية من القصر هناك حكاية ولكل حجر قصة يرويها. فطريقة البناء لها قصة، والبوابات وعددها وتموضعها لها هدف.
والحجارة التي رصفت بها أروقه القصر وطرقه لها غاية.
وكل ذلك لأجل راحة ورفاهية الملك التي قد تصل الى درجة التقديس.
ولم يخل تاريخ هذا القصر التحفة من الدراما حيث ظل مهجورا لنحو 270 عاما اثر الغزو الياباني، فأقام ملوك سلالة جوسون قصر «تشانغ ديو غانغ» ليكون مقرا جديدا للحكم.
وبقي كذلك حتى عام 1867 حيث اعاد الأمير ريغنت بناء القصر الأساسي لكنه كان مختلفا عن النسخة الأولى التي تعرضت لدمار هائل حيث تحولت اجزاء منه الى مقر للحكومة الاحتلال الياباني وتمت ازالة بوابته الرئيسية.
واستغرق الأمر حتى عام 1990 ليستعيد قصر «غونغ بوكونغ» صورته الأصلية التي بني عليها اول مرة.
ويحكى ان آخر ملوك سلالة جوسون قد شهد اياما عصيبة خلال اقامته في القصر وكانت الكوابيس لا تفارقه والخوف من الاغتيال رفيق لياليه.
فهجره مرة أخرى وأخيرة وأقام في قصر آخر.
وفي الطريق الى هذا القصر يمر الزائر بما يعرف بـ«البيت الأزرق» وهو المقر الرئاسي.
وبحسب الأدلاء السياحيين فإن التسمية لا علاقة لها بالبيت الأبيض الأميركي. فقد صودف ان لون البيت ازرق. ولمن يمتلك وقتا، تضم العاصمة الكورية الكثير من المعالم والمقاصد من مولات ومتاحف واسواق شعبية ونواد ليلية، حتى يقال انها المدينة التي لا تنام.
صخب الديموقراطية
في دردشة صحافية على هامش المؤتمر، تحدث احد الزملاء الصحافيين من جمهوريات آسيا الوسطى التي يقبض رئيسها على الحكم منذ أكثر من 20 عاما، عن الاستقرار الذي تتمتع بهد هذه الدول في ظل عالم مليء بالفوضى والحروب، فرد عليه زميل من اتحاد الصحافيين الكوريين قائلا: ليست غاية الديموقراطية هي الاستقرار.
فللديموقراطية صخب قلما يستمتع به من يعيشون في مثل تلك الدول.
وضرب زميلنا الكوري مثالا عن التحولات الكبرى التي تشهدها كوريا الجنوبية وأودت برئيستها الى السجن. وتحدث بشيء من الزهو عن نضج الشعب الكوري وفهمه لحقيقة الديموقراطية وممارستها.
مناوشات صينية - كورية
قبل أن يبلغ التوتر في شبه الجزيرة الكورية المستوى الذي وصله هذه الأيام، لم يخل المؤتمر من «مناوشات سياسية» خفيفة على خلفية دعوة المسؤولين الكوريين ومنهم نائب وزير الخارجية بكين الى ممارسة نفوذها على كوريا الشمالية لنزع فتيل التوتر، باعتبار أن بكين هي الراعي الرسمي لبيونغ يانغ وتمتلك من التأثير ما يمكن أن يحملها على خفض سقف المخاوف من نشوب حرب قد يدفع ثمنها الجميع.
وهذا بالطبع ما رفضه الصحافيون الصينيون. وقال الإعلامي زانغ ممثل صحيفة الشعب الصينية إن الأمر ليس بيد الصين وحدها. وقلل من إمكانية تأثيرها على بيونغ يانغ، وشدد على أن الحوار والمفاوضات هي وحدها يمكنها نزع فتيل الأزمة.