بقلم: أحمد محمد حسين العلي
«قرة عيني.. حبيبي ولدي..» هذا ما كنت تبدأ به رسائلك النصية لي، «ولدي.. أحمد» كيف لي أن أقنع نفسي بأنني لن أسمعها منك الآن وصاعدا؟، عانيت يا حبيبي وناضلت وكافحت المرض سنوات طويلة، وكنت القادر بإذن الله على تخطي العقبات والمضاعفات بكل بسالة، قنوعا بما كتب الله، مرددا «رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه»، منذ أن وعيت على هذه الدنيا وأنا أخشى هذه اللحظة، لحظة الفقد ولوعة الفراق، كلما تمسك القرآن فوق رأسي قبل أن أعانقك عناق المشتاق من الابن لأبيه في رحلات الغربة، فلا أعلم إن كان ذاك العناق الأخير أم لا، فأبكيك في خلواتي سنوات قبل رحيلك، بكاء الحب والدعاء بأن يجزل الله في عطائه لك بالصحة ويمدك بالشفاء.
ذكرياتي كلها - وأعنيها - كانت معك أجمل الذكريات، لم أر منك إلا خيرا، كنت نعم الأب المؤمن الحاني المربي المعطاء الصديق القريب إلى القلب والقدوة، فلم تخطئ بحقي يوما، ولم تضربني توبيخا وحتى مزاحا، لم تجعلني أشعر لحظة واحدة بالضيق أو الكدر وحتى الزعل، كنت البلسم على الروح وكنت الجابر للجروح، مشجعا فخورا داعما دائما، كما صديقتك وشريكتك وحبيبتك أمي الحبيبة - أطال الله في عمرها-، فرحيلك يا حبيبي بإذن الله رحيل الأولياء ممن خصهم الله سبحانه بـ «لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، فقد تركت لنا إرثا عظيما من دماثة الخلق، والذكر الحسن، والحب الخالص لله، رسخ ذلك في ذهن كل من عرفك من قريب وبعيد، فرب اجعله ممن قلت فيهم: (وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة) في أعلى عليين بجوار نبيك وآله والأنبياء والصالحين، رحيلك يا حبيبي ليس برحيل، فقد دام وجودك بذكراك وجودك، فكم من إنسان ينسى بعد فقده، لكن صورتك عند الصلاة والأذان والدعاء غير منسية، فكل صلاة لك فيها ذكرى، وكل دعاء لك فيه نصيب، في أواخر أيامنا المباركة بمعيتك، صعب نطقك من شدة المرض العضال، ولكن بمشيئته لم تصعب على نطقك الصلاة والأذان والدعاء حتى في أحلك الظروف وأصعبها، قبل رحيلك يا حبيبي أمسكت القرآن وتصفحت سوره وآياته، فصعدت روحك الطاهرة إلى دار البقاء، فـ «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار»، فنم قرير العين يا حبيبي باسما واثقا مطمئنا، فأنت بين يدي أرحم الراحمين، دخلت الكعبة يوما بثوبك وصليت بجوفها متوجها إليه جل وعلا، ودفنت بذات الثوب الذي أوصيت بأن تدفن فيه متوجها لها، فرب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأجل الأكرم.
لست وحدي وأمي وأخواتي وأهلي من ينعاك ويرثيك.. بل تنعاك الصلاة وترثيك، في رحاب الله وجنانه ونعيمه ألقاك، وجعلني اللهم في مسلكك وخطاك يا «قرة عيني.. حبيبي أبي..».