- «كورونا» غيرت سلوك الإنسان ولابد من التكيّف مع الوضع حتى تعود الحياة إلى طبيعتها وهي تحدّ فإما تجعلك تستسلم أو تستثمر وقتك بشكل أفضل
- ألبومي «The Untaken Road» عمل فني متميز وهو أول ألبوم خاص لعازف كلارنيت عربي وأفخر بتمثيل الكويت في الوصول إلى العالمية
- أحضّر لبرنامج موسيقي على «اليوتيوب» أستضيف فيه كبار الفنانين العرب وعلى الصعيد الأكاديمي ستكون هناك مفاجآت كثيرة وجميلة مستقبلاً
- أهديت مقطوعة Bhutan إلى ملكة بوتان بعيد ميلادها وانتشرت على نطاق واسع والملك كتب عن إنجازاتي في حسابه الخاص
- التعليم في بلداننا العربية تلقين للمناهج ونفتقد في مناهجنا خصوصاً وفي الأسلوب التعليمي عموماً أهمية إرساء منهجية التفكير النقدي
وليد جمعة
حين تلامس أنامله آلة الكلارنيت ويضمها إليه بحنان ومع دفء أنفاسه الذي يحييها تتحرر ارواحنا وتدق القلوب على وقع انغامه العذبة ورقي احساسه الذي يخطف الوجدان وموسيقاه التي تسحر الألباب، وما أن يتنهد إلا وتتبعه الروح مع كل تنهيدة، ففي حضرة الموسيقى والشجن لا يسعنا إلا الصمت، ولا تقوى الجفون إلا على الإغماض والانصات بشغف لعزف البصيرة من القلب لترتقي المسامع بما يناجي الفؤاد ويسحر العقل.
نغماته تمسّ وترا بداخل كل إنسان فتختلجه المشاعر والأحاسيس، يدمع حينا معها وفي بعض الأحايين يفرح ويبتهج لهذا العزف الراقي الذي ينساب بإيقاع داخل شرايينه.
في لقاء مميز لـ«الأنباء» مع موهبة فريدة تلمست بالفطرة ونور البصيرة طريقها فترجم المشاعر للغة يفهما جميع البشر، نعم كان لقاؤنا مع عازف الكلارنيت الكفيف عبداللطيف غازي الموهبة الكويتية الذي أبهر العالم بموسيقاه ونغماته العذبة، تحدى غازي بإصرار الإعاقة البصرية وأنعم عليه القدير بنعمة شفافية البصيرة، رفضت روحه المتمردة ان يكون كباقي البشر فانطلق متجاوزا كل المحن والصعاب ليحطم كل ما هو تقليدي، كاسرا كل الحواجز حتى يعي الجميع أنه لا يوجد مستحيل، مؤمنا بأن كل انسان خلق لتحقيق هدف وله رسالة في الحياه لابد من إتمامها.
نحن نراه قدوة ومثلا يحتذى، ويشرفنا انضمامه اليوم معنا عبر «انستغرام الأنباء» وكم نتمنى لقاءه وجها لوجه، فإلى التفاصيل:
بدأ غازي حديثه بتوجيه الشكر لجميع وسائل الإعلام الكويتية وللصحافة الكويتية وعلى وجه التحديد «الأنباء» موضحا أن «الأنباء» اجتازت معه مشواره الفني خطوة بخطوة بدءا من «أراب غوت تالانت» وحتى اللحظة، معربا عن بالغ سعادته لما تقدمه الصحافة الكويتية والعربية له من الدعم.
دافع قوي
وأضاف عبداللطيف غازي: انها فرصة ليتحدث فيها بطلاقة واستفاضة عن تفاصيل في حياته مثل تنقله بحرية في بريطانيا أزحم وأخطر عواصم العالم، فضلا عن ممارسته للأنشطة الرياضية، بالإضافة للعزف وإكماله دراسته، مؤكدا ان اعاقته البصرية كانت دافعا قويا لتفوقه وابداعه الفني وأنها لم توقفه أبدا عن مواصلة تقدمه في مختلف المجالات.
وأوضح أن حفظه لمعظم الاماكن التي يرتادها بذاكرته بمثابة خارطة طريق ومن خلالها يستطيع التنقل بمنتهى الحرية، ودلل على كلامه بقوله إذا طلبت منك أن تغلق عينيك وتصف لي كيف تذهب لمكان ما تلقائيا ستقوم بشرح كيفية الوصول لوجهتك، مبينا ان عصاه التي بيده تمكنه من معرفة إذا ما كان في طريقه اي عائق وكم يبعد عنه وذلك من خلال صدى الصوت لذي تحدثه العصا، مضيفا انه عن طريق صدى الصوت يحدد احداثيات المكان الذي يتواجد فيه وابعاده وما اذا كان المكان مزدحما ام لا، وقال: «حين تحفظ ذاكرتي المكان فلا حاجة للعصا، اما في حال ذهابي لمكان للمرة الاولى استخدم (غوغل ماب) وأتبع الإرشادات الى ان اصل إلى وجهتي».
الاعتماد على النفس
وأكد الفنان عبداللطيف خطأ ما يعتقده الناس من ان العيون هي وسيلة البصر الوحيدة، وانا اعني ما اقوله وأؤمن بأنها ليست الوحيدة وهذه ليست بفلسفة ولعل حياتي مثال يثبت ذلك فأنا أعيش ما يقرب من الخمس سنوات في بريطانيا معتمدا على نفسي اعتمادا كليا.
وعن تفوقه في ممارسته رياضة الكرة للمكفوفين، أكد عبداللطيف الذي لم يولد كفيفا بل فقد حاسة البصر تدريجيا وانه ما زال يذكر الطريق التي كان يلعب فيه منذ صغره وتدريباته التي تلقاها ويعتمد على ذاكرته في طريقة اللعب في لمس الكرة واحساسه بها، مؤكدا عدم حاجته للمساعدة في تحقيق الاهداف، وعرفنا برياضة «Goalball» وهي رياضة تم ابتكارها من اجل المكفوفين حيث ان بعض المكفوفين غير فاقدي البصر بنفس الدرجة ويرتدي فيها جميع اللاعبين نظارات لحجب النظر كليا، وبذلك تكون لعبة عادلة معتمدين كليا على حاسة السمع، موضحا ان الكرة مصممة وبداخلها جرس، اما عن تصويب الاهداف فأكمل يوجد شخصان على ارض الملعب، المدرب ويتجول في الملعب وسط اللاعبين معطيا التعليمات الى ان يقترب اللاعب من المرمى فيبدأ الشخص الثاني الذي يقف خلف المرمى بإرشاد اللاعبين بالتحرك بالاتجاه الذي يمكنهم من تحقيق الهدف.
مواكبة التطور
ان ما يزيد الإعجاب بالفنان عبد اللطيف مواكبته للتطور التكنولوجي الهائل، معتمدا كليا على ذاته في تطوير امكانياته، مؤكدا انه لا يحب ان يكون شبيها لأحد بل متفردا ومتميزا بما يقدمه، بالإضافة الى اصراره الشديد على كسر أي حاجز ممكن ان يراه الآخرون مستحيلا، قائلا: إن العالم في تطور سريع ومستمر وبدأ يشرح كيفية ضبط جهاز الموبايل لفاقدي البصر حتى يتمكنوا من الاستماع لكل الرسائل عوضا عن القراءة، مضيفا بإمكان هذه التكنولوجيا ان تقرأ الصور على وسائل التواصـل الاجتماعــــي، ويتعجب عبداللطيف، فالبرغم من هذا التطور الا ان الكثير من الناس خارج اطار الزمن لا يودون مجاراة التكنولوجيا ربما بسبب وعيهم المحدود أو عدم اهتمامهم، مشيرا الى ان احد اهم الاسباب في محدودية الفكر لدى البشر هي طريقة التعليم، معللا بأن التعليم في بلداننا العربية ما هو الا تلقين للمناهج للطلبة ونفتقد في مناهجنا بشكل خاص وفي الأسلوب التعليمي عامة أهمية إرساء منهجية التفكير النقدي، وذلك مقارنة ببريطانيا، فطريقة التعليم تحاكي الفكر في عقول النشء منذ الصغر وقدرتهم على النقد الايجابي البناء الذي ينصب على موضوع النقاش دون التطرق لذات الشخص وتجريحه، وهذا ما جذبني لإكمال دراستي في بريطانيا لتنمية هذا الجانب التعليمي.
لا إعاقة ولا مستحيل
وما لفت نظرنا إصرار عبداللطيف بشدة وتكراره مرارا رفضه وجود بعض المصطلحات مثل اعاقة، حاجز، ومستحيل، حتى وان كان الشخص فاقد البصر او من ذوي القدرات الخاصة، مؤكدا ان الله خلق الانسان بقدرة جبارة ومن اجل رسالة وهدف لابد له من تأديتها، مضيفا: انا لست بخارق كما يصفني البعض بل حددت هدفي وعرفت رسالتي التي خلقت من اجلها وآمنت بها.
وبالحديث عن «كورونا» والمعاناة العالمية التي رافقت تلك الجائحة، ومعاناته شخصيا، أكد عبداللطيف في حديثه ان هذا الوباء غير سلوك وسيكولوجية الانسان، ولابد لنا من التكيف مع الوضع الى ان تعود الحياة لطبيعتها، واصفا بأنها تحد، فإما ان تجعلك تستسلم او تجعلك تستثمر وقتك بشكل افضل، وقد عزمت على تطوير جانب القراءة حيث أنهي قراءة كتاب اسبوعيا.
لغة الجميع
وبسؤاله عن معنى الموسيقى وما تمثله لعبداللطيف، انتابني شعور للحظات انه لا يقوى على اعطاء وصف محدد، غير أنه تنهد قائلا«هي لغة الروح هي شيء روحي عميق، فكيف تصف ما هو غير محدود ويعبر عنك بكل دقة في جميع حالاتك، مضيفا هي لغة يفهمها ويتفاعل معها الجميع بالدمع حينا والفرح احيانا ومرآة عكست ثقافات الشعوب على مر العصور، مضيفا انها رحلة يختزل فيها الزمن فضلا عن كونها علما.