في يوم الجمعة (أفضل الأيام)، والسابع (خير الأرقام) من يناير الجاري، والثالث من شهر صفر.. فالجمعة نهاية الأسبوع، وبالنسبة له كانت نهاية العمر، كانت تلك الجمعة لبعض الناس راحة واستجماما، لكنها كانت لنا بداية حزن وعزاء.. فقد نزل خبر وفاة العم خالد وقع الصاعقة علينا، وكأن روحه فاضت وهو بين أيدينا، «إنا لله وإنا إليه راجعون».. لله ما أعطى، ولله ما أخذ.. و(ألا بذكر الله تطمئن القلوب).. هدأت روعتنا، وخف هول الخبر، فبدأنا نتساءل: كيف؟ ومتى؟ وأين؟.. وإذا بآيات الله تتلى علينا:
(إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت إن الله عليم خبير) صدق الله العظيم، وبعباده رءوف رحيم.
كانت أول نسمة هواء تدخل رئته، يرحمه الله، بالكويت، وآخر نفس يخرجه بمصر، إنها إرادة الله، يولد بالكويت ويموت بمصر.. يرحمك الله، حتى بمماتك وفي محبتك كنت عادلا.
اشتقت لتراب الوطن، مثلما اشتاق تراب الكويت لك، ومن شوقه وحبه له احتضنه وضمه، وعنّا أبعده. هز موته قلوب الكويتيين والعرب.. لم يكن فنانا، أو نجما رياضيا، ولا ذا منصب سياسي، حيث اعتذر عن كل المناصب التي عرضت عليه، لقناعته بأنها قيود وهو حر يعشق الحرية، يصدر قراراته بما يقتنع به. يفكر، ثم يقترح، ثم يدرس، ثم ينفذ ـ بيده الفكرة وبيده التنفيذ ـ يكره التعقيد وسوء الظن والحسد، يطرق كل الأبواب، يتواصل مع جميع من يتعرف عليهم، يترك أثرا طيبا، ويزرع حبه في قلوبهم. أحبه الملوك والأمراء، وعشقه الفقراء والبسطاء، يملك من الفراسة ما يستطيع به أن يتحسس حاجة الفقير فيساعده، وإحباط المجتهد فيدعمه، ونجدة المضطر فيسنده، ونخوة القريب فيفزع له. كان يحترم الصداقة فلا يحرجها بطلب، عفيفا بطبعه، ذلك هو العم الراحل خالد اليوسف المرزوق، حن إلى مصر فركب الطائرة مع الركاب وقلبه ينبض بحب الحياة، وهو ممنوع من ركوب الطائرة، ولكنه الشوق لمصر. وعاد بالطائرة الأميرية الخاصة، التي أمر بها صاحب السمو، وكان استقباله رسميا بالفطرة، استقبلته القلوب قبل الألقاب، كان تشييعه من أهل الكويت وفاء. وفي صلاتهم عليه أكثروا الدعاء. وعند دفنه كانت عبرة وبكاء، احتضنت الحبيبة حبيبها، والتحف الاثنان بتراب الوطن، وسالت دموع السحاب بمطر رطّب ذلك اللحد، وكأن السماء تشاركنا الأحزان، إنه يوم لا ينسى لإنسان لن ينسى.
سالم إبراهيم صالح السبيعي