- المرأة الكويتية خاضت مسيرة طويلة من الكفاح لنيل حقوقها والنضج السياسي يحتاج إلى وقت
- الأسرة فيها شباب كثر من أصحاب العلم والخبرة والكفاءة والرغبة في العمل ولكنهم مهمشون
- التنمية ليست 37 ملياراً فقط والاستثمار الحقيقي يكون في بناء الإنسان والمجتمع من خلال التعليم وترسيخ قيم المواطنة
- المواطن يعاني كل يوم من ضغوط تتراكم بسبب قصور الخدمات وتفشي الواسطة.. واستمرار الضغط يولد الانفجار
- الدخان الأسود يلوث سماء الكويت مع أننا لسنا دولة صناعية ورغم وجود هيئة لحماية البيئة
- الدستور وضع لزمان غير زماننا وآن الأوان لتنقيحه ولا حل إلا بالعمل وفقاً لنظام الأحزاب السياسية
- الكويت دولة نفطية غنية ومواطنوها مرفهون فكيف تتهم بالاتجار بالبشر؟
- يحزنني ما يحصل لبلدي من تراجع ويؤلمني الخطاب القاسي ضد أبناء الأسرة الحاكمة من أجل مصالح خاصة
- نعم لدينا مشكلة والاعتراف بها أول خطوة في الطريق الصحيح لإعادة الأمور إلى مسارها
- الأسرة الحاكمة تتقبل التغيير ولكن العملية السياسية المتأزمة أثرت سلباً على المجتمع ككل
- العالم يتغير وعلينا أن نواكب هذا التغير قبل فوات الأوان
حوار: محمد هلال الخالدي
في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2008، كانت حظوظ المرشح الجمهوري جون ماكين هي الأكبر على ما يبدو، فالرجل له تاريخ عريق من العمل والانجازات في خدمة وطنه، حتى انه شارك في فيتنام كطيار وكان «بطل حرب»، ومع هذا لم يغفر له تاريخه المشرف ومكانته المرموقة ومؤهلاته العالية خطأه في اختيار سارة بالين لتكون نائب الرئيس، فقد كانت شخصية فاشلة، جرت الفشل إليه أيضا. فكما ان «من جاور السعيد يسعد» كذلك «من جاور المتعوس.. يتعس».
لم يعد الوضع السياسي المتردي في الكويت غريبا على أحد فقد أصبحت الكويت مع الأسف الشديد مادة للاستهلاك الإعلامي هي الأخرى، لا جديد فيها سوى تغيير بعض الأسماء أو تبديل بعض المراكز، أزمة تلد أخرى وفضيحة «تنطح» فضيحة، حكومة جديدة تتفكك في أقل من عام واحد حتى تندر علينا بعضهم وسخر بالقول: «معالي الشعب الكويتي»، ولا نلومهم فعدد الوزراء الجدد خلال السنوات الخمس الماضية يفوق عددهم منذ تشكيل أول وزارة في تاريخ الكويت.الغريب ان تشكيل كل هذه الحكومات المتعاقبة قد تم بناء على مختلف أنواع المحاصصة والمعايير الاجتماعية، لكنه أبدا لم يتم وفقا لمعيار الكفاءة، فهل يعني هذا أن الكويت لم تعد تنجب الصالحين من أبناء الوطن القادرين على بنائها؟ كلا بالتأكيد، فالكويت مليئة بأهل العلم والكفاءة والإخلاص ولكنهم على ما يبدو مهمشون وفي انتظار فرصة الاستفادة منهم، وبالتالي علينا ألا نستغرب ان نحن لم نحصد سوى الفشل تلو الفشل، والأزمة تلو الأزمة، ولا غرابة أن تتوقف عجلة التنمية ونغرق في النواح وجلد الذات وتبادل التهم والتخوين في الوقت الذي يحقق العالم من حولنا قفزات هائلة في عالم النجاح والتقدم، ما دام ان نموذج سارة بالين ينخر في أعمدة بلادنا.
أين هم أصحاب الكفاءة؟ سؤال يطرحه الجميع يعبر عن حالة من الغضب والاستياء والمرارة لما آلت إليه الأمور من تراجع في بلد كانت له ـ دوما ـ الريادة في كل مناحي الحياة، وهو سؤال مستحق حاولنا الإجابة عنه مع أحد شباب الأسرة الحاكمة من ذوي العلم والاختصاص وهو الشيخ د.مشعل عبدالله الجابر الصباح فكان هذا اللقاء:
بداية.. كيف ترى الأوضاع في الكويت حاليا؟
٭ أراها بانحدار متواصل منذ سنوات مع الأسف الشديد، وأحسب أن هذا ما يراه الجميع فالكويت كانت دولة متقدمة كثيرا على مستوى المنطقة في شتى المجالات وقد بدأت فيها حركة النهضة والتطور منذ فترة طويلة واستمرت في الصعود وقدمت الكويت طوال السنوات الماضية نموذجا رائعا للمجتمع المتجانس والمسالم والمحب للخير، إلا أننا توقفنا بشكل خاص بعد تجربة الاحتلال العراقي عام 1990، ثم بدأ التراجع والانحدار منذ ذلك التاريخ، والتراجع شمل كل شيء مع الأسف الشديد بل انه أصاب مؤسسات ومشاريع كانت ناجحة ووصمتها بالفشل مثل التعليم الذي نعيش هذه الأيام ذكرى مرور قرن كامل على تأسيسه بصورة نظامية، الوضع في الكويت محزن جدا وأنا أشعر فعلا بالحزن العميق لما وصلت إليه أمور البلد، وأتحسر كثيرا على تراجع السمعة الطيبة لبلدنا في الخارج بعد كل هذه المسيرة الحافلة بالانجازات التي صنعها أهل الكويت بتعاونهم وتكاتفهم والتفاتهم حول قيادتهم، فما يجري اليوم فيه خيانة لكل هذا الماضي الجميل ولكل تلك الجهود المخلصة والتضحيات الكبيرة من أبناء الكويت.
ولماذا تعتقد أن سمعة الكويت قد تأثرت في الخارج؟
٭ لأنها تأثرت بالفعل وهذا أمر محزن وغريب، علينا أن نتوقف ونتأمل فيما يجري، انظر إلى كمية التلوث وفساد البيئة، كيف يحدث هذا والكويت ليست دولة صناعية كبرى، انظر إلى المباني المدرسية المتهالكة، وإلى المؤسسات الحكومية التي معظمها في مبان مؤقتة وقديمة وآيلة للسقوط، كيف يحدث هذا في الكويت الدولة النفطية الغنية؟!
وما تفسيرك لهذا؟
٭ التفسير واضح، هناك خلل كبير في إدارة مؤسسات الدولة وفي توفير الخدمات المناسبة للمواطنين الكرام والسبب في ذلك التجاوزات الإدارية في تعيينات القياديين وغياب استراتيجيات التخطيط الناجحة وعدم تنفيذها وعدم متابعتها، الكويت تستحق أفضل من هذا وأهل الكويت يستحقون أفضل من هذه الخدمات السيئة، فالخير كثير ولله الحمد ولو خلصت النوايا وتوافرت الرغبة الصادقة لصنعنا المعجزات وتمكنا من تحقيق رؤية صاحب السمو الأمير في تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري وواحة يقصدها السياح من كل دول العالم.
أين المشكلة إذن.. إذا كنت وأنت أحد أفراد الأسرة الحاكمة تقول هذا، فماذا يقول المواطن العادي؟
٭ أولا، لا فرق بين أبناء الأسرة الحاكمة وبقية المواطنين، كلنا أبناء الكويت وكلنا أهل وأسرة واحدة، وأنا أتفق معك وأتصور أن هذا السؤال يشكل هاجسا لدى أغلب الناس، وأنا أسمع كثيرا مثل هذا التساؤل: أين أنتم، أين أبناء الأسرة الحاكمة، لماذا لا تشاركون في الحياة السياسية؟ وبكل أمانة وصراحة أقول العديد من أبناء الأسرة غير راضين عما يحدث في الكويت، فما يحدث من تراجع وانحدار لا يمكن أن يقبل به أي كويتي يحب وطنه، أبناء الأسرة الحاكمة والشباب المتعلم والمؤهل وأصحاب الكفاءات منهم بشكل خاص يشعرون بالحزن والهم الكبير فالكويت مع الأسف الشديد لم تعد دولة رفاهية واستقرار وتقدم كما كانت، بل أصبحت دولة صراعات وأخبار محزنة تذاع كل يوم.
الكل مهموم ويشعر بالحزن.. فأين دوركم إذن؟
٭ هنا نصل إلى قلب المشكلة، البعض يتصور ان أبناء الأسرة الحاكمة وخاصة الشباب منهم غير مؤهلين ولا يملكون الخبرة الكافية أو القدرة على المشاركة في إدارة الدولة والناس معذورون في هذا التصور لماذا؟ البعض لا يرون أبناء الأسرة في مواقع المسؤولية هم لا يعرفون سوى رجال الصف الأول وهنا المشكلة، فهناك عدد كبير من شباب الأسرة من أبناء الصف الثاني والثالث مؤهلون تماما للعمل وتحمل المسؤولية، ولكنهم مع الأسف مهمشون ولم تعط لهم أي فرصة للعمل مع أنهم لو أتيحت لهم الفرصة لقدموا للكويت ولأهل الكويت الكثير.
ولماذا برأيك هذا التهميش، هل يعني هذا أن ما يتناقله البعض حول وجود خلافات بين أبناء الأسرة صحيح؟
٭ وجود الخلافات أمر طبيعي وباعتقادي ليس من مصلحة أحد إنكاره، الأسرة الحاكمة مثل كل الأسر يحدث فيها بعض الخلافات والمشاكل، هذا أمر طبيعي لكن إذا تطورت الخلافات وخرجت عن السيطرة ندخل هنا في مجال الخطورة، العالم تغير كثيرا، أبناء اليوم لا يشبهون الجيل السابق فالثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي ساهما كثيرا في تشكيل صورة جديدة لهذا الجيل الواعي، وهو جيل له تطلعات ورغبات وطموح بسقف عال، والمشكلة ان من يتولى المسؤولية في جميع المواقع تقريبا هم كبار السن ممن لا يعرفون تطلعات هذا الجيل ولا يعون حقيقة التغيرات الكبرى التي أصابت العالم، العالم يتقدم بسرعة كبيرة ونحن لا نزال نسير ببطء - إن لم نكن متوقفين - بسبب إدارة مؤسسات الدولة من دون تطبيق إستراتجية وهدف واضح وعدم إتاحة الفرصة للشباب للعمل، باختصار أقول إن الأسرة الحاكمة فيها شباب مثقف ومتعلم درسوا في أرقى الجامعات في العالم ونالوا أعلى الشهادات العلمية وتدربوا في أكبر المراكز البحثية ولكن لم يعطوا الفرصة الكافية للاستفادة من طاقاتهم ورغبتهم الصادقة في خدمة الكويت وأهل الكويت، ولذلك تلاحظون أن كثيرا من أبناء الأسرة الحاكمة قد اتجهوا للعمل التجاري تجنبا للمشاكل.
وهل تعتقد أن اتجاه أبناء الأسرة للعمل التجاري غير مناسب؟
٭ بالتأكيد لا، فالحكم له متطلبات وتضحيات يجب ان تقدم وخدمة الكويت وأهلها مسؤولية كبيرة وأمانة نثمنها غاليا وليس من المناسب الخلط بين التجارة والحكم لأن ذلك يفسدهما جميعا وأنا أنصح أبناء الأسرة بعدم الخلط في مجال التجارة والحكم، لكن هذا يتطلب إنصاف المجتهدين منهم وإتاحة الفرصة لهم للعمل وتحمل المسؤولية.
ذكرت أن الأغلبية من أبناء الأسرة غير راضين عما يجري.. فهل هناك أي جهود تبذل من قبلكم لتصحيح الخلل؟
٭ هناك اجتماعات وتنسيق يجريان بين عدد من أبناء الأسرة أطمئن الجميع إلى أن هناك جهدا مستمرا بين الشباب بشكل خاص من أجل وضع تصورات وحلول عملية لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات الشخصية بين المتخاصمين وغيرها، هناك شعور بالخطر من تفاقم الأمور واستمرار تجاهل الكفاءات واستمرار إدارة الدولة بعقلية الترضيات والمحاصصة على حساب أهل الكفاءة والاختصاص فاستمرار سياسة إقصاء أهل الكفاءة وعدم ضخ دماء جديدة وشابة للعمل سيؤدي إلى تدهور الأمور بشكل أكبر.
وكيف تنظر لدور وسائل الإعلام في كل ما يجري خاصة أنك متخصص أيضا في الإعلام؟
٭ وسائل الإعلام أغلبها مسيرة وتخدم مصالح خاصة، لا يغرنكم كثرتها واختلاف خطابها، فهي في أغلبها تخدم الحكومة (لاحظ أنني أتحدث عن الحكومة وليس نظام الحكم)، أتمنى أن يرتقي أداء وسائل الإعلام بصورة أكبر وأن يتم توجيه الجهود والطاقات لتسخر جميعها لخدمة الكويت وشعب الكويت وليس لخدمة بعض الأشخاص، فالأشخاص زائلون والكويت هي الباقية كما علمنا سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه، أتمنى أن تصل مؤسساتنا الإعلامية لمستوى المؤسسات الإعلامية الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا، فما الذي يمنع؟
أطروحة الدكتوراه التي تقدمت بها لجامعة «كينجز كوليج» في لندن كانت حول دور المرأة الكويتية في الحياة السياسية.. فكيف تقيم تجربة المرأة الكويتية السياسية في البرلمان؟
٭ بداية لابد من الإشارة إلى أن المرأة الكويتية بدأت منذ فترة طويلة جدا رحلة الكفاح للحصول على حقوقها السياسية، فهناك نشاط سياسي واجتماعي مهم وأدوار كثيرة قامت بها المرأة الكويتية ساهمت من خلالها في الحياة العامة وخدمة الوطن، تميز هذا الدور وبرز أكثر في فترة الغزو العراقي لبلدنا الحبيب، واستمر هذا الدور المتميز للمرأة الكويتية ولايزال حتى توج بوصول 4 نائبات للبرلمان وهو حدث كبير يستحق التأمل.
ولكن الكثيرون ينتقدون أداء النائبات بل إن كثيرا من النساء يعتبرن أن النائبات خذلن المرأة ولم يقدمن نموذجا ناجحا للمرأة السياسية؟
٭ النائبات لسن ملائكة، بالتأكيد هناك أخطاء وقصور لا شك ولكن علينا أن نتفهم قصر مدة التجربة من جهة فالنضوج السياسي يحتاج وقتا، ومن جهة ثانية التركيز في البلد منصب تماما على القضايا الأخلاقية، وهذا يحجب عن الكثيرين رؤية الجوانب المشرقة في العمل، فمن باب الإنصاف علينا أن نعترف بالانجازات التي تمكنت النائبات من تحقيقها.
وما رأيك بخطة التنمية وما يدور حولها من أحاديث؟
٭ التنمية باعتقادي ليست 37 مليارا، والحديث لا ينبغي أن يتوقف عند هذا المبلغ وكم صرف منه وكم تبقى وأين ذهب.. التنمية عملية معقدة تتطلب تضافر كل الجهود لبناء إنسان يحمل هم الوطن ويسعى لخدمة المواطن، إنسان متسلح بالعلم والمعرفة والإخلاص والإيثار. إذا أردنا تنمية حقيقية فعلينا أولا أن نستثمر في التعليم، فهي المؤسسة الأولى المعنية بتنشئة جيل مثقف وواع ومؤهل لإدارة البلاد.
وكيف تنظر للعلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة وسط هذه الأزمات المتكررة؟
٭ كثير من المشكلات التي تعاني منها الكويت اليوم والناتجة عن توتر العلاقة بين السلطتين سببها نظام الانتخابات، إذ ان شروط الترشح لعضوية المجلس قديمة ولم تعد تكفي ولا تتناسب على الإطلاق مع التقدم الهائل والسريع في العالم، والحل يكمن في تنظيم الانتخابات عن طريق الأحزاب السياسية التي تضمن ضبط العملية السياسية بصورة أفضل، فالحزب له برنامج عمل محدد ويمكن مراقبة مداخيله المالية بسهولة ومحاسبة أعضائه بطريقة عملية منتجة، بخلاف النظام الحالي الذي يسمح للأفراد بادعاء تنفيذ الكثير من الوعود ثم التخلي عنها دون محاسبة، كما يصعب مراقبة الوضع المالي له. ومن جهة ثانية كثير من المشكلات السياسية التي أصبحت تشغل الشارع الكويتي برمته سببها الأداء الضعيف للحكومة، فالحكومة تفتقد الحزم المطلوب لأنها أصلا لا تملك رؤية ولا قدرة. سياسة الحكومة وتعاملها مع الأمور هو سبب هذه الفوضى التي نعيشها، فهل يعقل أن تمنح الحقوق المالية مثلا للموظفين الذين يضربون أكثر ويعطلون مصالح البلاد والعباد؟ هذه الفوضى أوصلتنا الحكومة إليها بسبب سياسة الخضوع للتهديد، ولو أنها أدارت هذا الملف بصورة عادلة ومنصفة منذ البداية لما وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.
هذا يتطلب تعديلا في الدستور، فهل تؤيد تعديل الدستور؟
٭ بالتأكيد أؤيد، الدستور ليس قرآنا، إنه وسيلة لتنظيم حياة الناس وشؤونهم، فإذا لم تكن هذه الوسيلة قادرة على تحقيق هذا الهدف فعندها يصبح التعديل واجبا. الدستور وضع في الستينيات، أي لزمان غير زماننا والتغيير سنة الله في خلقه، فكرة التغيير أو تنقيح الدستور يفترض ألا تخيفنا إذ من غير المعقول تصور استمرار هذا الدستور بوضعه الحالي مدى الحياة. المهم أن نعرف ماذا نريد وأن نخلص النية لخدمة بلدنا وعندها لا يوجد أي صعوبة.
وماذا عن ملف التعليم العالي، كيف تقيم الوضع؟
٭ دعني أقول لك حكاية صغيرة ربما تلخص الموضوع، بعد أن انتهيت من دراستي وحصلت على شهادة الدكتوراه، توجهت لوزارة التعليم العالي لتصديق الشهادة واعتمادها، وبقيت معاملتي أكثر من ثلاثة أشهر بين مكاتب الوزارة في إجراءات طويلة ومملة ومعظمها مكررة وبلا فائدة وغير معقولة، وبالآخر تسلمت كتاب المعادلة وفيه خطأ في التخصص وبعد ثلاثة أشهر من اللف والدوران تبين لي أنهم أضاعوا الشهادة الأصلية، هكذا تسير الأمور!
لا شك أن ملف التعليم العالي ملف شائك وفيه كثير من المظالم ودليل صارخ على سوء الإدارة، فكيف نكون في بلد غني وصغير ولا توجد لدينا سوى جامعة واحدة لا تستوعب أبناء الكويت الطامحين للدراسة والعلم؟ والجامعة الخاصة البديل ليست معترفا بها وباقي الجامعات ذات تأسيس حديث تدرس باللغة الانجليزية ولا تتناسب مع تعليم الكثير من المواطنين في المدارس الحكومية. كيف يصل الفساد إلى درجة التلاعب بالشهادات العلمية وترك أبناء الكويت عرضة للنصب والاحتيال في بلدان متخلفة هنا وهناك ونحن لدينا مسيرة طويلة وحافلة بالنجاح في مجال التعليم؟ كيف وصلنا إلى هذه المرحلة، لماذا توقفنا وتجاوزتنا دول المنطقة التي كانت تأخذ منا التجارب الناجحة؟ كيف يعامل خريج جامعة عريقة كما يعامل خريج جامعة حديثة التأسيس أو في بلد عالم ثالث؟ يجب أن يكون هناك نقاط تقييم، ويميز الخريج ويكافئ في مكان عمله سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص كما هو موجود في بقية الدول المتحضرة. والوضع ليس مقصورا على التعليم فقط، انظر للخدمات الصحية، مستشفيات قديمة ومتهالكة تزدحم بالمراجعين الذين ينتظرون لفترات طويلة، كيف نقبل أن تكون الكويت بهذه الصورة وأن ينتظر المواطن لأشهر من أجل الحصول على خدمة طبية؟ كيف نقبل بهذا التلاعب في ملف العلاج بالخارج واستخدامه في المصالح الخاصة واستغلال مرض المواطن؟ هذه تساؤلات كبيرة تحمل هموما كبيرة علينا أن نتدبر فيها لنعرف حجم الخلل الذي تسبب فيه أداء الحكومة الضعيف نتيجة وضع الشخص غير المناسب في مرافق الدولة من أجل ترضيات سياسية.
وصفت معظم المشكلات بكل دقة، ووضعت يدك على الكثير من الجروح.. لكن ما الحل؟
٭ الحل يكمن في بناء الإنسان الواع والمتعلم والمؤهل، وهذا يتطلب أولا إصلاح التعليم بكل مراحله، ولو تأملنا في تجارب الدول التي كانت متخلفة ثم تطورت حتى أصبحت من الدول المتقدمة مثل دول النمور الآسيوية وغيرها، لوجدنا أن بداية طريق الإصلاح كانت مع إصلاح التعليم. نحن نحتاج أيضا إلى إصلاح النفوس، والعودة إلى طبيعتنا الكويتية الأصيلة، فالشعب الكويتي طوال عمره شعب واحد متآلف لا يوجد فيه تفرقة ولا تمييز ولا كراهية ولا أحقاد، علينا أن نعيد هذه الروح الكويتية الطيبة ونحسن الثقة بعضنا ببعض ونحسن الظن. علينا أيضا أن نحترم العلم والتخصص والكفاءة ونضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فهذا هو سبيلنا للحصول على مؤسسات منتجة تقوم على العدالة والمساواة والكفاءة وليس على الواسطة والمحسوبية. علينا أن نقف وقفة تأمل جادة ونتساءل مع أنفسنا: الكويت دولة نفطية غنية ومواطنوها مرفهون فكيف تصاعد الإجرام وانتشرت الرشوة، وأصبحت البلد عبارة عن شركة تنهب من قبل الكبير والصغير؟ وللأسف تبخر الولاء للوطن (وهذه ظاهرة خطيرة تحاربها أميركا والأمم المتحدة)، لدينا إعلاميون كويتيون مميزون، منهم من درس وعمل في الخارج، لكن المشكلة تكمن في «شبه» الحرية الصحافية وفي تدني مستوى التعليم، فالتعليم العالي يحتاج إلى تعليم.
الشيخ د.مشعل عبدالله الجابر الصباح .. في سطور
هو احد ابناء المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالله الجابر الصباح طيب الله ثراه، الذي كان اول وزير للتربية في اول حكومة بعد الاستقلال، وكان وزير التجارة والصناعة، شارك في معارك الدفاع عن الكويت وأصيب فيها وقاد معركة الجهراء وترأس المحاكم ودائرة البلدية ومجلس المعارف ودائرة الاوقاف ودار الايتام، والمدافع الكبير عن حقوق المرأة وتعليمها، والمستشار الخاص والامين لسمو الامير الراحل الشيخ صباح السالم ومن بعده سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد رحمهم الله جميعا وجزاهم عنا خير الجزاء، فلا غرابة اذن ان يرث الابن الشيخ د.مشعل عبدالله الجابر حب العلم والمعرفة وحب الكويت وأهلها، درس الشيخ د.مشعل في المدرسة الفرنسية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وأمضى سنة في مدرسة رهبان داخلي في شمال كاليفورنيا ثم انهى الثانوية في المدرسة الاميركية في الكويت، التحق بكلية ديانزا في شمال كاليفورنيا وبعدها حصل على البكالوريوس خلال عامين فقط بتخصص الصحافة من جامعة كاليفورنيا في نورثردج، عين كديبلوماسي في وزارة الخارجية وهو في سن الحادية والعشرين من عمره، ومارس الكتابة الصحافية في الزميلة «السياسة» في زاوية على الصفحة الاولى و«الوطن» في صفحة «منتدى الفكر والحضارة»، و«القبس» في صفحة «رأي الكاتب»، ثم اكمل تحصيله العلمي وحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة شيكاغو احدى افضل الجامعات في الولايات المتحدة، ولم يكتف بهذا القدر من العلم، فحصل على شهادة ماجستير ثانية في الادارة العامة من جامعة هارفارد المشهورة ثم التحق ببرنامج ماجستير ثالثة في دراسات الشرق الاوسط في هارفارد واضطر للعودة الى الكويت لظروف شخصية، بعدها بعام امضى عاما كاملا في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في ادارة العلوم السياسية وهو اهم معاهد الولايات المتحدة، فعاد الى الكويت متسلحا بالعلم والخبرة والتدريب العالي ليتسلم ملف واشنطن في ادارة الاميركيتين في وزارة الخارجية، ثم خدم في كوالالمبور - ماليزيا كديبلوماسي لمدة اربع سنوات، بعين تتطلع الى مواصلة مسيرة التعليم، فعاد مرة اخرى الى الولايات المتحدة ليلتحق في جامعة شيكاغو في برنامج الدكتوراه، والذي انهاه في اكبر وأهم جامعات بريطانيا وهي جامعة كينكز كوليج بتخصص دراسات الشرق الاوسط وبأطروحة عن دور المرأة الكويتية في الحياة السياسية خلال الفترة من 1990 – 2009.