حقق نظام المؤسسات في الكويت مكسبا حقيقيا جديدا من خلال حكم المحكمة الدستورية الصادر أمس الأول حول تحصين مرسوم الصوت الواحد وإلغاء مرسوم إنشاء المفوضية العليا للانتخابات، وهو ما رسخ مبدأ دولة المؤسسات والقانون بعد فرض القضاء خضوع مراسيم الضرورة لرقابته، وبهذا الحكم يؤكد القضاء الكويتي نزاهته وحياديته التي توجب احترامه وتقديره.
وأيا كانت ردود الفعل التي أعقبت صدور حكم «الدستورية»، إلا أن الحكم أكد أن الكويت هي المنتصرة وهي الفائزة ولم تكن هناك معركة فيها منتصر ومهزوم ولا منازلة فيها غالب ومغلوب وهو ما جسّده خطاب «نوخذة الكويت» صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي تحدث للكويتيين بروح الوالد والقائد الذي تمتزج مشاعره بالمحبة والمودة والرحمة لأبنائه.
وقد تلمس خطاب صاحب السمو الأخطار المحدقة من حولنا فكانت دعوته إلى الالتزام بتعاليم الإسلام السمحاء والتحلي بأخلاق الآباء والأجداد الحميدة والتسامح والتراحم وعفة القلب واليد واللسان وهو ما يجسّد حرص سموه على وحدة المجتمع وتكاتفه تجنبا لمستصغر الشرر الذي فتك بأمم خلت وترزح تحت وطأته شعوب خسرت بموجبه الكثير.
ولا شك ان المعاني السامية التي وردت في كلمة سمو الأمير محل تقدير الكويتيين وخصوصا تلمس العذر لمن انحرف عن جادة الحق والصواب والدعوة إلى عودة الجميع تحت مظلة الوحدة الوطنية درع الكويت الحصينة، وتلك هي روح الأب الذي يتسامح من أجل أبنائه.
وإشارة سموه إلى أن الديموقراطية التي تعيش في كنفها المجتمعات المتقدمة، والتي لم تتحقق بخطوة واحدة بل جاءت بعد سلسلة طويلة من التجارب هي أكبر دعوة لضرورة المشاركة الحقة والصادقة في الإسهام في إنضاج تجربتنا وارساء ثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر ونبذ العنف والتطرف وجعل مصلحة الكويت العليا فوق كل اعتبار وعدم استغلال مساحة الديموقراطية لإشاعة مظاهر وممارسات مستنكرة من شأنها افتعال أسباب الفتنة المدمرة والإضرار بوحدتنا الوطنية.
إن لكل بلد خصوصيته ولكل مجتمع طبيعته التي تميزه عن غيره وتجارب الشعوب غير قابلة للنقل أو التقليد إلا في حالة التطابق التام وذلك بسبب الاختلافات الدينية والثقافية وغيرها، لكن تلك التجارب من الممكن دراستها واستيعاب العظة منها واستلهام واستشراف آفاق المستقبل وهو ما أشار اليه صاحب السمو مشددا على ان أولوياتنا في المرحلة المقبلة حماية الكويت من شرور الكوارث المحيطة بنا وصيانة أمنها واستقرارها خصوصا ان الوضع الإقليمي الملتهب يوجب لزاما على كل كويتي النظر بعين فاحصة إلى الأحداث وقراءة الواقع بشيء من العقلانية والتدبر لمواجهة التحديات التي يمر بها وطننا. وهاهو المجال فسيح أمام الجميع لممارسة حقوقهم الدستورية وفقا للأطر المعمول بها من خلال مؤسسات الدولة وتحت مظلة النظام العام حتى لا تدب الفوضى.
وإذ طوى حكم المحكمة الدستورية مرحلة من التباين في الآراء فنحن نتطلع إلى مرحلة جديدة وانتخاب مجلس أمة جديد يعبّر فيه كل الكويتيين عن آرائهم ليكون قادرا على بناء كويت المستقبل القائمة على مبدأ دولة المؤسسات والقانون والفصل بين السلطات والتعاون فيما بينها.