- مرسى القنطاوي بسوسة عالم متكامل على الطريقة الأندلسية
بيان عاكوم - تونس ياسمين الحمامات وسوسة
يطلق عليها «تونس الخضراء»، وأنا أضيف إلى ذلك اللقب «تونس التحفة الأثرية الضاربة في جذور التاريخ»، فتونس ارض الأباطرة ومعبر الحضارات تشكل تمازجا ما بين الطبيعة الخلابة المرسومة بيد الخالق من اخضرار أراض وعزوبة مناخ وذهبية شواطئ من جهة، وبين تاريخ جعل منها معلما اثريا ومتحفا مفتوحا في الهواء الطلق يروي قصص وحكايات شعوب استقرت في تلك البقعة من الارض لفرادة موقعها وسحر جمالها الاخاذ مما جعلها ملاذا للفينقيين والرومانيين والبيزنطيين وصولا الى الحضارة العربية الاسلامية من جهة اخرى.
فتونس تلك التحفة الفنية العائمة على ضفاف البحر الابيض المتوسط المتجهة نحو اوروبا، والممتدة على ساحل الشمال الافريقي لها سحر غربي بطابع عربي اصيل تجسد في مدن تلك البلاد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب حيث الجمال اينما حللت، بدءا بتونس العاصمة حيث متحف باردو وجامع الزيتونة العتيق الذي تخرج فيه آلاف العلماء مرورا بقرطاج مدينة الفن والتذوق الى سيدي بوسعيد والقيروان وصفاقس وسوسة والمهدية والحمامات... كلها سيمفونيات رائعة لأهم حضارات عرفها المتوسط تبرز شامخة بين لوحات تشكيلية طبيعية.
زيارتي الى تونس جاءت بدعوة من السفارة التونسية في البلاد بالتعاون مع الديوان الوطني للسياحة والخطوط الجوية التونسية بمناسبة افتتاح الموسم السياحي استمرت اربعة ايام تنقلنا خلالها ما بين متحف باردو في العاصمة الذي يعتبر أول متحف في العالم بالنسبة الى فن الفسيفساء الرومانية، ومنطقتي «ياسمين الحمامات» «وسوسة» العريقتين والمعروفتين بجذبهما للسياح من مختلف أنحاء العالم. مع نسمات ضحى تونس البارد تركنا فندق غولدن توليب الموجود في احدى ضواحي العاصمة وتوجهنا الى منطقة الحمامات حيث استغرقت الرحلة نحو ساعتين الا اننا لم نشعر بالوقت، فالرحلة انطلقت وبدأ معها رحلة تأمل في غابات الصنوبر والزيتون التي زينت الأراضي وفرشتها باللون الأخضر الفاهي يمينا وعلى يسارنا عرائش العنب بأغصانها المتدلية لتبدو أمامنا سلسلة جبال شامخة مكسوة بجمال الطبيعة، فسألنا مرافقنا السياحي عنها فقال انها جبال الأطلس وهي ممتده بين تونس والمغرب والجزائر.
والاستفادة من معلومات المرشد امتدت للحديث عن منطقة الحمامات حيث ذكر لنا ان المنطقة تستقطب سنويا نحو مليون سائح من أوروبا والجزائر وليبيا وبدأت السياحة في هذه المنطقة منذ الستينيات من القرن الماضي قرب المدينة العتيقة، فعندها أدرك المستثمرون التونسيون اهمية جمال المنطقة مما دفعهم لبناء الحمامات الشمالية، وفي أوائل التسعينيات ومع ازدياد عدد السياح صدر الأمر ببناء مدينة سياحية على مساحة 270 هكتارا فتم بناء جنوب الحمامات واطلق عليها «ياسمين الحمامات» التي كانت وجهتنا في الرحلة.
وصلنا الى ياسمين الحمامات التي تقع على بعد 5 كلم من الحمامات و70 كلم من العاصمة حيث كانت خيوط الشمس تنبثق من وراء غيوم بيضاء زينت السماء لنحط رحالنا في فندق «لو رويال» حيث كان الموعد عند الثامنة مساء كما اخبرنا المرشد للذهاب الى العشاء ولكنني لم انتظر الى ذلك الوقت فارتحت قليلا وخرجت من الفندق لأجد في الخارج «الكروسة» وهي العربة ذات الأحصنة فأخبرت صاحبها وهو صبي يافع الشباب اسمه احمد بأن يأخذني في جولة بين شوارع المدينة وكانت جولة رائعة قضيت خلالها ساعة من الزمن بين شوارع ياسمين الحمامات المزينة بالزهور والورود الملونة المحاطة بالنزل الفخمة المتنوعة البناء بين نمط معماري عصري ونمط تقليدي فريد تتميز به بلاد المغرب العربي.
وما هي الا دقائق حتى وصلت الى جسر صغير مليء بالسياح بقربه بواخر ويخوت فسألت الشاب احمد عن المكان فقال لي انها «المارينا» فنزلت اليها والتقط الصور في هذا الميناء الترفيهي الذي شيد كما اخبرني المرشد فيما بعد بداية عام 2000 وسط 20 هكتارا من المياه ويوفر 740 مرفأ للسفن والزوارق الشراعية ويوجد قبالة الميناء فلل وشقق فخمة بإمكان السائح استئجارها بدلا من الاقامة في الفنادق الى جانب انتشار المقاهي والمطاعم المتوافرة بمختلف أنواعها الإيطالية والفرنسية والتونسية التراثية حيث بإمكان الزائر تناول وجبة «الكسكسي» الشهيرة و«الهريس الحار» او «البريكة» لتكون التحلاية «بالمقروض» المكون من السميد وعجين التمر مرورا بالبقلاوة التونسية.
كما مررت في الشارع المقابل حيث الأسواق عامرة على مختلف أنواعها خصوصا التقليدية منها حيث الأواني الفخارية والملابس التونسية التراثية الى جانب مدينة قائمة بحد ذاتها للأطفال وهي «قرطاج لاند» والتي توفر كل سبل التسلية والترفيه، أما على الجهة المقابلة وجدت كورنيش البحر، وان قلت عن شاطئ الحمامات تحفة من الرمال الذهبية والماء الصافية الفيروزية فلم اوفه حقه بجمال ما رأيت فالساعة قد قاربت على الثامنة مساء ورواد البحر يستمتعون بكل لحظة حيث الرياضات المائية المتنوعة واللعب على الشاطئ مع الاستمتاع بالأغاني والموسيقى.
عدت من جولتي على الموعد لينطلق بنا الباص الى العشاء في شارع قرطاج والذي تغير اسمه بعد الثورة ولكنني لم استطع معرفة اسمه الجديد حيث استقررنا في مطعم القلعة وهو مطعم لبناني استمتعنا بما يقدمه من مأكولات شهية وأغان قام بأدائها شاب تونسي باللهجتين الفرنسية والانجليزية.
فعشاق السهر يجدون ما يناسبهم في هذا الشارع حيث تنتشر مختلف أنواع المطاعم مع ما تقدمه من برامج منوعة وحفلات موسيقية كما بإمكان الزائر التعرف على أسعار المطاعم من الخارج حيث يضعون لائحة بالأسعار وهذه ميزه حصل عليها التونسيون من الأوروبيين.
وبعد خروجنا من المطعم قررنا القيام بجولة قرب الشارع وعلى مسافة قليلة تنتشر الأسواق والمقاهي الشعبية الى ان استقررنا في احد المقاهي وهو مقهى الباي الذي يقدم لرواده متعة خاصة من خلال العزف على العود بصوت عذب لاغاني أم كلثوم والأغاني الشعبية التونسية فجلسنا وكانت سهرة ذات طابع خاص بعيدة عن الرسميات وهموم الحياة لتعيش ساعات بين أصالة الفن ورونق المكان وعذوبة الطقس وليكون سيد السهرة كوبا من الشاي المعطر بماء الزهر والمدعم باللوز والصنوبر.ختمنا سهرتنا وعدنا الى مقر اقامتنا سيرا على الأقدام على أمل العودة في اليوم التالي الا اننا لم نل مرادنا ففي اليوم التالي كان موعدنا لزيارة المدينة العتيقة على ان نقوم بجولة على بعض فنادق المنطقة وهكذا كان حيث انتقلنا من أجواء السهر والفن الى عالم التراث في جولة استمرت نحو ساعتين في المدينة العتيقة التي بنيت على مساحة 4 هكتارات ويرجع تاريخ المدينة كما اخبرنا المرشد الى العهد الإسلامي حيث بنيت على انقاض مدينتين قديمتين الرومانية والبربرية وكانت تسمى المدينة الأولى بوبوت والثانية تينسوت ويحيط بها برج يرتفع عند الزاوية الغربية ويتألف من تركيبة هندسية تشكل احد اجمل معالم المدينة وكان يعتبر بمثابة ثكنة عسكرية لحماية المدينة من هجوم البيزنطيين وتحاط بها 6 أبواب تسمح بتفتح المدينة على محيطها الخارجي.
وبين قلعة المدينة الشامخة وأسواقها العريقة وبيوتها الناصعة البياض المزينة بأبواب زرقاء تجولنا والتقطنا صورا للذكرى، كما ان المقاهي المنتشرة على طول الشاطئ المحيط بالمدينة العتيقة لا تقل جمالا عن غيرها من المقاهي فالجلسة في مقهى سيدي بو حديد المميز بتميز المكان الذي زينه صاحبه بأشكال بحرية وأوان تراثية كافية لتشعر بالراحة والطمأنينة والتسلية معا.
ومن المدينة العتيقة الى جولة على فنادق ياسمين الحمامات وكان أبرزها جولتنا على فندق «صدر بعل» الذي يتميز بطابعه التراثي والعصري معا ويعتبر الفندق من افضل الفنادق في العالم لاحتوائه على اكبر جناح رئاسي، ويقع على مساحة 2500 متر مربع ويتكون من أجنحة مختلفة وغرف مجهزة للاجتماعات ومطاعم متنوعة وحمامات سباحة وقسم خاص للعلاج الطبيعي.
وكما ذكر لنا مسؤول في الفندق ارتاده كثير من المشاهير في العالم الى جانب الرؤساء العرب خصوصا خلال المؤتمرات العربية التي كانت تعقد في تونس.
ومن ياسمين الحمامات انطلقنا في اليوم التالي الى جوهرة الساحل «سوسة» التي تبعد 30 كلم عن الحمامات وتقع على الساحل الشرقي وهي مدينة يعود تاريخ بنائها الى 3000 سنة فقد بناها الفنيقيون قبل قرطاج وكان يطلق عليها «حضرموت» وكانت تعتبر ثاني اهم منطقة في شمال افريقيا بعد قرطاج في العهد الروماني.
وتعتبر سوسة اليوم من اهم المناطق السياحية في تونس فهي محط جذب للسياح من مختلف انحاء العالم لما تحتويه من مدينة عتيقة حافلة بالأمجاد الى وسائل ترفيه مختلفة مثل النوادي والمقاهي والمطاعم الى جانب مرسى خاص للترفيه والتسلية وهو مرسى القنطاوي.
جولتنا في سوسة بدأت من الواجهة البحرية حيث توقفنا عند وصولنا الى تلك الواجهة الرائعة حيث البحر كان على موعد مع عشاقه في يوم مشمس دافئ لننتقل بعدها الى المدينة العتيقة التي تضم معالم اثرية مهمة يعود تاريخها الى القرنين الثاني والثالث الهجري، ومن أبرزها الرباط الذي شيد للحراسة من الهجمات الآتية عن طريق البحر وقد أضاف اليه الأمير الاغلبي زياد الله عام 821 قلعة عظيمة البنيان، كما تضم المدينة الجامع الكبير ومتحفا اثريا يحتوي مجموعة من الفسيفساء.
فهي اذن متحف مفتوح بحد ذاته بأسوارها ذات الحجارة الصفراء المقابلة للبحر وأسواقها العامرة وأزقتها ذات الطابع المميز حيث قمنا بجولة داخلها للتسوق وشراء تحف تذكارية محفور عليها اسم تونس او مرسوم عليها معالم تونس الشهيرة.
ومن تلك المدينة التي تعج بالحركة والنشاط ابتعدنا عدة كيلومترات حيث مرسى القنطاوي وهي مدينة داخل مدينة انها عالم متكامل بحد ذاته تعود فكرتها الى الرئيس الحبيب بورقيبة حيث أقيمت بهدف تطوير السياحة بمنطقة الساحل وافتتح عام 1979 ويمتد على مساحة 307 هكتارات.
ومرسى القنطاوي الذي تم بناؤه على الطريقة الأندلسية القديمة عبارة عن ميناء ترفيهي ومرفأ لليخوت السياحية ويضم مجموعة من الفنادق والمقاهي والمطاعم وملعب كرة الصولجان وبإمكان الزائر القيام برحلة بحرية تمتد لساعتين على احد المراكب المتواجدة في المرسى.
شكر وتقدير
كل الشكر لدليلنا السياحي محمد نبيل على جهوده مع الوفد السياحي والمعلومات القيمة التي أثرانا بها
عن تاريخ تونس
مكاتب للإرشاد السياحي
بإمكان الزائر الى ياسمين الحمامات او سوسة الاستفسار عن اي معلومة يريدها من خلال مكاتب الارشاد السياحي المتواجدة داخــل المناطق.
وسائل النقل متوافرة
تنتشر سيارات التاكسي في المناطق السياحة وكل من سوسة وياسمين الحمامات حيث يتيح للسائح التنقل والتجول في المكان الذي يريده كما بامكانه استئجار سيارة من المكاتب الخاصة لذلك.
الياسمين رمز للبلاد
استمد منتجع ياسمين الحمامات اسمه من زهرة الياسمين المنتشرة في البلاد حيث اتخذها الباعة مصدر رزق لهم ففي اي مكان تذهب اليه سواء في المطاعم او المقاهي او الأسواق تجد الباعة يتجولون ويعرضون عليك شراء عقد من الياسمين الفواح حيث أصبحت تلك الزهرة ابرز واجمل رموز البلاد.
مراكز للمعالجة بمياه البحر وحمامات التدليك
مراكز الاستشفاء بمياه البحر في تونس متوافرة وتطبق المعايير المعترف بها دوليا وتستخدم حصرا مياه البحر مع وجود رقابة دائمة لنقاوته من اي تلوث ويمكن للسائح ان يختار المكان الذي يناسبه بين الكثير من المراكز المنتشرة، وكذلك حمامات الماء والتمتع بالتدليك والزيوت الطبيعية.
مرسى القنطاوي وهواية الغطس
الى جانب أماكن عديدة متواجدة في تونس لممارسة هواية الغطس فبإمكان الزائر الى سوسة حيث مرسى القنطاوي ممارسة هواية الغطس والاستمتاع بالطبيعة البحرية، كما يمكن التعرف على قطع بحرية تعود الى الحرب العالمية الثانية.
رياضة الخيل
يمكن لعشاق ركوب الخيل ممارسة هذه الرياضة في عديد من المراكز المخصصة لهذا الشأن حيث الجولات في الجبال والأماكن الخضراء الشاسعة الى جانب التضاريس الوعرة للمناطق الغربية من الوسط الغربي للبلاد.
عشاق رياضة الصولجان
يوجد في تونس 9 ملاعب كبرى لممارسة رياضة الصولجان من بينهم 7 ملاعب بين الحمامات وسوسة، ويتميز مركز الصولجان في مرسى القنطاوي بمسارين يشرف كل منهما على تضاريس طبيعية غاية في الجمال ما بين الشواطئ الخلابة وبين التلال والروابي حيث سواق للري وأشجار النخيل.