- حب النبي صلى الله عليه وسلم من أجلّ أعمال القلوب وله علامات وإمارات وعلى قدرها تكون حقيقة المحبة
- من علامات محبته صلى الله عليه وسلم أن نبذل الغالي والنفيس لتوحيد صفوف الأمة
- كانت الجمادات والحيوانات تتصدع وتحنّ لفراق الرسول صلى الله عليه وسلم
أسامة أبو السعود
أكثر من 20 الف مصل ادوا صلاة الجمعة في مسجد الدولة الكبير امس خلف امام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. ماهر المعيقلي الذي القى خطبة الجمعة والتي كانت بعنوان «محبة الرسول صلى الله عليه وسلم دعا في ختامها أن يمن الله على صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد بنعمة الصحة والعافية، وشدد المعيقلي خلال الخطبة التي شهدت تنظيما رائعا من ادارة الثقافة الاسلامية والمسجد الكبير وأجهزة وزارة الداخلية على اهمية اجتماع كلمة المسلمين لان اجتماعهم قوة ودليل محبة للنبي صلى الله عليه وسلم واقتداء بهديه وفي تفرقهم الهلكة والضعف:
وفيما يلي نص الخطبة:
«ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، واشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله.
(يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون)، (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام، ان الله كان عليكم رقيبا)، (يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
اما بعد معاشر المؤمنين.. اوصي نفسي اولا ثم اوصيكم بتقوى الله ـ عز وجل ـ في السر والعلانية.
اخوة الايمان
جاء في الصحيحين عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل الى رسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: متى الساعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «وماذا اعددت للساعة»، قال: حب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «فانك مع من احببت»، فقال انس رضي الله عنه «فما فرحنا بعد الاسلام فرحا اشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم «فانك مع من احببت، فانك مع من احببت».
وقال انس رضي الله عنه «فأنا احب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فارجوا ان اكون معهم وان لم اعمل بأعمالهم».
ان «حب النبي صلى الله عليه وسلم يا عباد الله عمل قلبي من اجل اعمال القلوب، فلا يكون العبد مؤمنا حتى يصير النبي صلى الله عليه وسلم احب الله من نفسه وولده ووالده والناس اجمعين، وكيف لا يحب بأبي هو وأمي عليه افضل الصلاة والسلام، وهو الذي اخرجنا الله به من الظلمات الى النور ومن الضلالة الى الهداية، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك، لا يزيغ عنها الا هالك».
(وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب وما الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور).
وفي صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله ـ عز وجل ـ في ابراهيم عليه السلام (رب انهن اضللن كثيرا من الناس، فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم)، وقال عيسى عليه السلام كما جاء في سورة المائدة (إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم امتي امتي، ثم بكى صلى الله عليه وسلم».
وقال الله ـ عز وجل ـ: يا جبريل: اذهب الى محمد صلى الله عليه وسلم وربك اعلم، فسله ما يبكيك، فآتاه جبريل ـ عليه السلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال رب العزة: يا جبريل: اذهب الى محمد وقل له: انا سنرضيك في امتك ولا نسوؤك، انا سنرضيك في امتك ولا نسوؤك».
وكيف لا نحبه صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان يود رؤيتنا، ففي صحيح مسلم «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في آخر حياته: وددت انا قد رأينا اخواننا، قالوا: اولسنا اخواننا يارسول الله، قال: انتم اصحابي، واخواننا الذين لم ياتوا بعد، واخواننا الذين لم ياتوا بعد».
وكم اوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجل ان تصلنا دعوته وتبلغنا رسالته، وكم حوصر وحورب وقتل اصحابه، وشج رأسه وكسرت رباعيته، فصبر صلى الله عليه وسلم على قومه، ففي الصحيحين ان عائشة رضي الله عنها وارضاها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يارسول الله، هل أتى عليك يوم اشد من يوم احد، قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وقد كان وكان واشد ما لقيت منهم يوم العقبة اذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل، فلم يجبني الى ما اردت، فانطلقت وانا مهموم على وجهي، فلم استفق الا وانا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا انا بسحابة قد اظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني وقال: ان الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث لك ملك الجبال تأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، ذلك فيما شئت، ان شئت ان اطبق عليهم الاخشبين ـ أي جبلي مكة ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.
(لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).
وأحسن منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
وأضاف المعيقلي:
وكيف لا نحبه معاشر المؤمنين والجبل والشجر يحبه، ففي صحيح البخاري ان رسول صلى الله عليه وسلم صعد على جبل احد فارتجف الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اثبت احد، اثبت احد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»، ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزة تبوك وأشرف على المدينة، قال: هذه طيبة وهذا احد، جبل يحبنا ونحبه».
بل كانت الجمادات تتصدع وتحن لفراقه، كحنين الناقة التي انتزع منها وحدها، فعن جابر رضي الله عنه قال: كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا خطب يقوم الى جذع منها، فلما صنع له المنبر وكان عليه، سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم «فوضع يده عليه فسكن».
وكان الحسن البصري ـ رحمه الله ـ كان اذا ذكر هذا الحديث يقول: يا معشر المسلمين: الخشبة تحن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم احق ان تشتاقوا اليه».
فإذا كان يوم القيامة وغضب الرب، جل جلاله وتقدست اسماؤه، غضبا لم يغضب قبله مثله، ولم يغضب بعده مثله، وكل نبي في تلك العرفات يقول: نفسي نفسي، اذهبوا الى غيري الا نبينا صلى الله عليه وسلم قال: «فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي وأقول: يارب امتي امتي، يارب امتي امتي، فيقال: يا محمد: أدخل الجنة من امتك من لا حساب عليه من الباب الايمن من ابواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الابواب، والذي نفس محمد بيده ان ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر او كما بين مكة وبصرى» رواه البخاري ومسلم.
ما اعظم هذا النبي الكريم فلا اله الا الله، ما اعظم هذا النبي الكريم، وما اعظم مكانته عند ربه، ولا اله الا الله ما اعظم محبته لامته
نسينا في ودادك كل غال
فأنت اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتكم ويكفي
لنا شرف نلام وما علينا
ولم نلقكم لكن شوقا
يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلى الناس بالدنيا وإنا
لعمر الله بعدك ما سلينا
وتابع، ايها المؤمنون:
ان لحب النبي صلى الله عليه وسلم علامات وامارات، وعلى قدر تلك الامارات تكون حقيقة المحبة، فسل نفسك ايها المحب، وفتش في قلبك فمن تلك العلامات طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم فيما امر، وتصديقه فيما اخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وان تكون محبته صلى الله عليه وسلم مقدمة على محبة ما سواه، (قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم).
وعن جابر رضي الله عنه« لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قال: اجلسوا، فسمع ذلك ابن مسعود، فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال يا عبدالله، وتأملوا ايها المسلمون فيفعل هذا الصحابي الجليل، بمجرد ان سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اجلسوا، جلس رضي الله عنه وارضاه ولو كان جلوسه بباب المسجد.
(يأيها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم).
الأنصار وحب النبي
وهاهم الانصار رضي الله عنهم وارضاهم، لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا قسم الغنائم، فاعطى المؤلفة قلوبهم ولم يعط الانصار شيئا، فكأنما وقع ذلك في نفوسهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم: فحمد الله واثنى عليه ثم قال: يا معشر الانصار: الم اجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وعالة فاغناكم الله بي ومتفرقين فجمعكم الله بي، وهم يقولون: لله ولرسوله المن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تجيبوني يا معشر الانصار، قالوا: وما نجيبك يارسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل، قال: اما والله لو شئتم لقلتم: فلصدقتم وصدقتم، اتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك وطريدا فاويناك، فوجدتم في انفسكم يا معشر الانصار في لعاعة من الدنيا، تآلفت بها قوما ليسلموا، وفوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار، ولو سلكت الناس شعبا والانصار شعبا لسلكت شعب الانصار، اللهم ارحم الانصار وابناء الانصار وابناء ابناء الانصار، فبكى القوم حتى اخضلت لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا»
نساء الصحابة
والمرأة التي اصيب ابوها وزوجها واخوها يوم احد وهي تقول «ما فعل رسول الله» ولم تطمئن تنظر اليه وتقول «كل مصيبة بعدك جلل يارسول الله»، اتراها بعد هذه المحبة العظيمة لرسول الله ان تخالف امره او تربي ابناءها على غير سنته وهديه.
وليس هذا حالها فقط بل هو حال نساء الصحابة رضي الله عنهن، كن بمجرد ان يسمعن الامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلن: سمعنا واطعنا.
ومن علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم توقيره وتعظيمه والامتثال لسنته قال رب العزة (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا).
وفي صحيح مسلم قال عمرو بن العاص «وما كان احد احب الي من رسول الله، ولا اجل في عيني منه وما كنت اطيق ان املأ عيني منه اجلالا له صلى الله عليه وسلم ولو سئلت ان اصفه ما اطقت لأنني لم اكن املأ عيني منه صلى الله عليه وسلم».
محبة الآل والأصحاب
ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم محبة اله واصحابه، قال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم).
أخي المبارك:
ان كنت تحب محمدا صلى الله عليه وسلم فاحب اله وصحبه، قال شيخ الاسلام ابن تيمية من اصول اهل السنة والجماعة انهم يحبون اهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب
ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم ان ننزله منزلته التي انزله الله اياها، فلا نغلوا فيه او ننسب اليه شيئا لم ينسبه الله له، (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا، قل إني لن يجيرني من الله أحد).
وقال صلى الله عليه وسلم كما جاء في كتاب ربي (قل إني لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله)، (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء).
وحذرنا صلى الله عليه وسلم من الغلو فقال «اياكم والغلو في الدين فإنما اهلك من كان قبلكم الغلو» وقال صلى الله عليه وسلم «لا تطروني كما اطرت النصاري ابن مريم، فإنما انا عبد فقولوا عبدالله ورسوله».
ويقول رب العزة (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثرا طيبا مباركا فيه، والصلاة والسلام على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، اما بعد:
معاشر المسلمين ان ما اثار محبة النبي صلى الله عليه وسلم وما يجب علينا ان نعتني به الا وهو اجتماع الكلمة ووحدة الامة، فكان بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم يحرص على ذلك في دعوته، بل استمر في ذلك الى آخر حياته، فرسم لنا منهجا وأوضح لنا طريقه، حيث جمع اعراقا متعددة من اقاليم متباينة جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم تحت مظلة الاسلام العربي مع غير العربي والابيض مع الاسود والفقير مع الامير، فكان يدعو امته الى آخر حياته بان تجتمع يدا واحدة مع ولاة امرها وتسمع لها وتطيع في العسر واليسر.
قال انس رضي الله عنهلما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه اظلم منها كل شيء، وقال الامام النووي ان تبسم النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى ابا بكر يؤم المسلمين في الصلاة في مرض النبي صلى الله عليه وسلم هو فرحه باجتماع المسلمين على الصلاة واتباعهم لامامتهم واقامتهم شريعته واتفاق كلمتهم ولهذا استنار وجه النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن علامات محبته صلى الله عليه وسلم ان نبذل الغالي والنفيس في تأليف قلوب الامة واجتماع كلمتها وتوحيد صفها على كتاب ربها وسنة رسولها لان ذلك مما يفرح رسولنا صلى الله عليه وسلم ويدخل السرور على قلبه صلى الله عليه وسلم، بل وفي ذلك القوة والمنعة وفي غير ذلك الضعف والهلكة (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين)، (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
ودعا الشيخ المعيقلي في ختام خطبته بالشفاء والعافية لصاحب السمو الامير وأن يمتعه الله متاع الصالحين وان يوفقه ونائبه واعوانه لما فيه خير البلاد والعباد ودعا بصلاح احوال المسلمين في كل مكان.