إعداد: محمد ناصر
ترك التطور الكبير الذي شهدته صناعة تكنولوجيا المعلومات في جميع أنحاء العالم آثاره الواضحة على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والشخصية ما حتم ضبط تلك القضية بقانون يحدد الأطر وينظم ذلك الفضاء المتنامي دائما.
فقد بات البعض يتردد في الدخول على الشبكة العنكبوتية، بعد انتشار الجرائم الإلكترونية بكثرة مثل النصب والتجسس وغسل الأموال وتزوير بطاقات الائتمان وتسريب المواد الإباحية والتشهير واقتحام الحواسيب الخاصة والدخول إلى البريد الإلكتروني للجمهور وانتحال الهوية وغيرها.
ويقدر «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (اف بي اي)، في دراسة أجرتها شركة «مكافي»، أن إجمالي التكلفة السنوية لهذه الجرائم يتجاوز 400 مليار دولار.
فالمشكلة الأخطر بكثير، وهي مشكلة مستمرة وأكثر تعقيدا إلى حد بعيد، هي مشكلة الجريمة الإلكترونية، التي تؤثر على حكوماتنا ومواطنينا ومعظم شركاتنا. وتعد الجريمة الإلكترونية حالة عالمية، وهي كذلك مصدر قلق عابر للحدود والقوميات ولا يخلو منه مكان. والسؤال هو: هل الجميع جاهز للتعاون معا من أجل الدفاع عن مصالحنا؟
فرغم كل ما حمله لنا ذلك الفضاء الإلكتروني من خير، فإن له جوانبه المظلمة كذلك، إذ لا ينكر أحد أن الإنترنت معرض للاستغلال. والجرائم الإلكترونية هي جرائم تتم عن طريق استخدام أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، فإلى جانب المنافع الهائلة التي تقدمها لنا التكنولوجيا، فقد أدت كذلك إلى أن أصبحت الجرائم القديمة ترتكب بطرق جديدة وأكثر براعة. وتعد الجريمة الإلكترونية هي المشكلة الأحدث بل وربما الأكثر تعقيدا في عالم الإلكترونيات.
وتصل التكلفة الإجمالية التي يتحملها الاقتصاد البريطاني بسبب الجرائم الإلكترونية إلى 27 مليار جنيه استرليني سنويا، بحسب دراسة لجون ديفي استاذ كلية ادارة الأعمال بجامعة لندن، نشرت في الشرق الأوسط.
ونظرا لأن المجتمع أصبح يعتمد اعتمادا شبه كامل على الفضاء الإلكتروني، فإن وضع استراتيجيات فعالة لمواجهة الجريمة الإلكترونية يستلزم فهما أكبر لمدى تأثيرها، فمن المعروف للأسف أن هناك صعوبة في استيعاب مداها وحجمها، وأصبح مجتمعنا يعتمد كليا تقريبا على توافر تقنية المعلومات والاتصالات به على نحو مستمر وبمنتهى الدقة والسرية، فنحن نحتاج إليها في إدارة شؤوننا الاقتصادية والجهاز الحكومي المحلي والدفاع الوطني ووجودنا الاجتماعي والثقافي اليومي بأسره.
النقص التشريعي
اذا وبعد النقص التشريعي في الكويت والذي تمثل سابقا في عدم تشريع قانون يواجه مثل هذا النوع من الجرائم مما خلق شبهات دستورية وصعوبات قانونية واجرائية عندما كان يتم معها اعتماد تطبيق قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 وقانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية رقم 17 لسنة 1960 وما تبعهما من تعديلات وقوانين كقانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء المذكور سلفا والقانون رقم 9 لسنة 2001 بشأن استعمال الهاتف واجهزة التنصت وقانون رقم 3 لسنة 2007 بشأن الاعلام المرئي والمسموع.
والتي لم تكن تعد مناسبة ولا ملائمة لتطبيقها على الجرائم الالكترونية تكييفا ووصفا وقيدا كون هذه الجرائم ذات طبيعة خاصة تحتاج الى نصوص واجراءات خاصة، اتى اليوم الذي اصبح للكويت قانونها لردع كل العابثين بهذا القضاء ولتنظيم المسائل التي رافقت تلك القضايا.
والكويت جزء من هذا الفضاء التكنولوجي الواسع، وقد اتخذت مع ازدياد الجرائم الالكترونية العديد من الخطوات لتلافي الآثار السلبية، فقد اصدرت وزارة الداخلية في بداية عام 2008 بيانا حذرت فيه من خطورة الجرائم الالكترونية التي باتت تؤرق الأسر وتعرض افرادها للابتزاز والاستغلال بشتى انواعه.
وبدأت جرائم التهديد والابتزاز في الظهور على شبكة الانترنت، وذلك نتيجة لظهور بعض المواقع الخاصة بالتعارف والتي يقوم المشتركون فيها من الجنسين بعرض صور متعددة وخاصة بهم، ما يتيح الفرصة لدى ضعاف النفس بأخذ تلك الصور واستغلال أسوأ استغلال كنشرها بالمواقع المخلة مع اضافة بعض البيانات من سيرة الشخص الذاتية التي غالبا ما يصرح بها الشخص في منتديات التعارف والمستغلة من قبل الجاني للايحاء بصدق ما هو منشور.
كما يتم بيع وترويج الممنوعات عن طريق استخدام شبكة الانترنت من خلال دور المحادثة او من خلال الرسائل الالكترونية.
وكذلك إساءة استخدام شبكة الإنترنت والتي يستغلها البعض كوسيلة للتهديد او الابتزاز.
انتشار ظاهرة النصب والاحتيال عن طريق شبكة الانترنت بالاضافة الى سرقات البطاقات الائتمانية والتي من اسبابها:
٭ عدم وجود البرامج الخاصة بالحماية لدى اجهزة المجني عليهم.
٭ الدخول واستخدام البطاقات لدى مواقع غير آمنة.
٭ عدم إلمام المستخدم بطرق استخدام وحماية بطاقة الائتمان.
٭ حفظ بيانات البطاقات الائتمانية على الجهاز الشخصي مما يسهل سرقة البيانات.
وبالمقابل، ورغم تعقيد وتداخل بعض القضايا او الجرائم الإلكترونية إلا انه وبالنهاية تخضع مثل هذه الجرائم الى نوع من الرقابة من قبل الإدارة العامة للمباحث الجنائية ـ قسم الشؤون الفنية والذي تعامل مع عدد من القضايا في الفترة الاخيرة وضبط مرتكبي بعض الجرائم وإحالتهم الى جهات التحقيق والقضاء أو اتخاذ الإجراءات القانونية الأخرى، وجار العمل على ضبط القضايا الأخرى.
اقتراحات النواب
وعلى صعيد مجلس الأمة، فقد تقدم العديد من النواب باقتراحات بشأن الجرائم الإلكترونية منهم النائب السابق ناجي العبدالهادي الذي قدم الى مجلس الامة في ابريل 2011 اقتراحا بقانون في شأن جرائم الحاسب الآلي وأجهزة الهواتف النقالة.
تضمن الاقتراح 19 مادة خصصت الأولى والثانية للتعريفات، بينما تحدثت بقية المواد عن العقوبات المترتبة على سوء استخدام تلك الاجهزة.
وكذلك قدم النائب السابق محمد الهطلاني اقتراحا في مايو 2012 جاء فيه نظرا للتطور التكنولوجي بشكل كبير وانتشار الاجهزة الإلكترونية المتصلة بالشبكة العنكبوتية enternet حتى اصبحت في متناول الشباب وخصوصا الاحداث بشكل مفرط، عبر استخدامهم ألعاب الكمبيوتر المتصلة بالشبكة العنكبوتية مباشرة online أو عبر المواقع الإلكترونية الخاصة بالتعليم او التعارف والتواصل، وأيضا امتلاكهم اجهزة محمولة متطورة بها blackbarry bbm pin whatsapp - bluetooth - exchange تصلهم بالشبكة العنكبوتية.
وبسبب قلة الإدراك وعدم تنبيههم لمخاطر الشبكة العنكبوتية، مما يعرضهم للاستغلال من قبل الغير، أو قيامهم بارتكاب امور تعد جرائم إلكترونية مما يعرضهم للمساءلة القانونية.
لذا فإنني أتقدم بالاقتراح برغبة لإضافة مادة «الجرائم الإلكترونية» لمنهج المراحل المتوسطة والمراحل الثانوية، بحيث تحتوي المادة على «تعريف الجرائم الإلكترونية ـ مخاطر استخدام الشبكة العنكبوتية ـ مخاطر اساءة استخدام الهاتف المحمول ـ مخاطر قيام الغير باستغلال النشء عبر الشبكة العنكبوتية أو الهاتف المحمول ـ نصوص قوانين الجرائم الإلكترونية (الحالية والمستقبلية)».
كما تقدم وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية النائب يعقوب الصانع في سبتمبر 2014 باقتراح بقانون بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، بحيث تتم معاقبة كل من تعمد ارتكاب اي فعل من شأنه التوصل به بغير حق الى موقع او نظام معلوماتي، سواء بدخول الموقع او النظام او بتجاوز الدخول المصرح به او باستمرار البقاء فيه بصورة غير مشروعة، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن 1000 دينار او بإحدى هاتين العقوبتين.
فإذا ترتب على الفعل الغاء او حذف او تدمير او افشاء او اتلاف او تغيير او التقاط او نسخ او اعادة نشر بيانات او معلومات كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن 3000 دينار او بإحدى هاتين العقوبتين.
أما إذا كانت تلك البيانات او المعلومات شخصية، او معلومات حكومية سرية او كانت تخص المنشآت المالية والتجارية والاقتصادية في الدولة فتكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار او بإحدى هاتين العقوبتين.
بدوره أشار النائب حمود الحمدان في مارس 2015 الى انه بعد انتشار مواقع التواصل بشكل كبير ووسط الفوضى الإخبارية الكبيرة التي تضرب في تلك المواقع من الإساءة لأشخاص أو طوائف او حتى التعرض لأمن البلد، بات من الضروري تأطير وتقنين هذه الوسائل من خلال تعريف حجم الحريات الممنوحة بهذه الوسائل من خلال قانون ينظمها، مشيرا الى ان تشريع قانون النشر الإلكتروني بات أمرا ضروريا لتنظيم العملية خاصة ان دولا كثيرة سبقتنا لسن تشريع منظم كهذا.
وذكر الحمدان أهمية وجود قانون يبين الصحيح من الخطأ وهذا يخدم الجميع بمن فيهم أعضاء مجلس الأمة، ولذلك قانون النشر الإلكتروني مهم جدا لأنه يحد من الإساءات التي تحصل في هذه المواقع، مطالبا الحكومة بضبط المواقع الإلكترونية إضافة الى تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية ووضع عقوبات ضد كل من يسيء للآخرين تحت أسماء وهمية، مؤكدا ان القانون يجب ان يكون متماشيا مع الدستور وعدم تعارضه مع الحريات العامة.
نسبة الجرائم
الكويت كما غيرها من الدول من ازدياد الجرائم الإلكترونية بوتيرة متسارعة كشفت عنها بعض الإحصائيات في عام 2015 بإغلاق ملفات 1212 قضية متنوعة بضبط المتهمين والمتورطين في تلك الجرائم التي كانت عبارة عن 305 قضايا سب وقذف عن طريق برامج الدردشة والتواصل الاجتماعي و65 قضية إساءة سمعة و9 قضايا تزوير بمحرر بنكي و27 قضية تشهير و49 قضية سرقة حساب «تويتر» و«فيسبوك» وقضية واحدة تقليد منتج و296 قضية إساءة استخدام وسائل الاتصال و55 قضية تهديد وابتزاز و46 قضية سرقة وازدراء الأديان وتحقير المذاهب و4 قضايا مخالفة القوانين العسكرية و27 قضية نصب واحتيال و5 قضايا تهديد بالقتل و7 قضايا مسماها الحض على كراهية فئة من فئات المجتمع و40 قضية انتحال صفة وقضية إقامة التجمعات دون ترخيص و114 قضية تحريض على الفسق والفجور و14 قضية قرصنة وقضيتين إذاعة اخبار كاذبة و150 قضية خلاعيات أطفال و5 أطفال إلكترونية تخص المرور.
يبقى أن ننتظر لنرى إن كان القانون الذى بدأ تطبيقه منذ يناير الماضي سيردع مجرمي الانترنت
صرخة البيت الأبيض
أصبحت الهجمات الالكترونية تهدد الأمن القومي هذا ما ادلى به الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطابه في البيت الأبيض في فبراير 2015 حيث دعا فيها رؤساء الشركات الخاصة ومؤسسات التقنية لتقديم حلول مقترحة لمحاربة الهجمات الالكترونية والاستخدام غير الشرعي للتقنيات المختلفة.
وطلب بشكل رسمي تقديم جميع المعلومات المتاحة ومشاركتها مع كل المؤسسات التقنية الاخرى ووكالات الابحاث الاميركية لتحديد افضل الطرق لصد الهجمات الالكترونية والحد منها.
عالم الشركات ايضا تتكبد خسائر فادحة تصل خسارة فيها لـ 800 مليار دولار سنويا فضلا عن الاضرار بسبب سرقة البيانات والعبث بالملفات.