بقلم: محمد بسام الحسيني
قبل عام رحل رئيس مجلس الأمة السابق العم جاسم محمد عبدالمحسن الخرافي، رحمه الله وطيب ثراه، بعد ان ملأ بالكثير من مواقفه المشهودة حيزا كبيرا في ذاكرة التاريخ الكويتي والعربي، يكفل بقاءه حيّا في وجدان الناس والأجيال.
ارتبط اسم الرئيس الراحل بالحكمة بعد ما أظهره خلال عقود احترف خلالها السياسة، من قدرة على اجتراح حلول تستوعب الأزمات مهما اتسعت وازدادت خطورتها.
وعُرف، رحمه الله، بالتماسك والصبر اللذين كان يبديهما حتى عندما تصل الأمور إلى حافة الهاوية. وفرض نفسه صمام أمان وعامل توازن في المعادلة الديموقراطية التي منحها زخما استثنائيا، معززا تميز الكويت في محيطها العربي والإقليمي على هذا الصعيد.
كان العم جاسم الخرافي شخصية إيجابية بكل شيء، بروحه الرياضية التي جعلت منه سياسيا نبيلا ومنافسا شريفا حتى لألد خصومه، وبتواضعه الذي يشهد عليه القاصي والداني، وبتفاؤله وابتسامته التي لم تفارقه حتى آخر لحظة في حياته وكان يقابل بها الصغير قبل الكبير.
التقيت بالرئيس الراحل وحاورته في لقاءات عديدة كانت مناسبة لأدرك مدى فهمه العميق والشامل للمجتمع الكويتي بكل مكوناته وتوازناته وحرصه الصادق على وحدته التي اعتمدها كمبدأ يصوغ على أساسه مواقفه السياسية أيا كانت كلفتها عليه.
عايشت وتابعت عن كثب قراراته عند مفترقات مصيرية في تاريخ الكويت السياسي منها مرحلة انتقال الحكم في 2006، وأزمة التأبين في 2008، وتمسكه بالدستور عند أول استجواب لرئيس وزراء في تاريخ البلاد عام 2009، ورؤيته لما يسمى بـ «الربيع العربي» وتداعياته على الكويت، وجرأته في مواجهة اسرائيل في المحافل العربية والدولية، وغيرها الكثير من المحطات المحورية التي اتخذ في كل منها مواقف لا يقدم عليها إلا رجل دولة يُعلي مصلحة بلده على أي اعتبار آخر.
خلال فترات رئاسته لمجلس الأمة أرسى الرئيس الراحل دعائم مدرسة تقوم على التعاون كأساس لا استثناء مع الحكومة التي لم يكن ينتقدها في كل مناسبة، لكن عندما يفعل كان يحدث أثرا كبيرا.
وترك بذلك إرثا محترما في العمل والتفاني لمن يفضلون الاقتداء بنهج هذه المدرسة في العمل السياسي الذي يستند إلى قراءة إيجابية للدستور الكويتي، هذه الوثيقة السياسية المتقدمة على مستوى المنطقة.
مسيرة الرئيس جاسم الخرافي، رحمه الله، شكّلت رحلة ناجحة وفارقة في عالم السياسة نتوقف عندها بإعجاب، وتدفع من عرف هذا الرجل ليكتب بفخر واعتزاز عنه وعن شخصيته.
لا يُخلّد البشر بالأعمار، بل بالأعمال. والعم جاسم الخرافي، رحمه الله، رجل كبير قدم إسهامات جليلة لا تُنسى وتشهد عليها الأيام.
في ذكراه العزيزة ألف تحية لروحه، وألف رحمة عليه.
واقرأ ايضاً:
جاسم الخرافي.. عصيّ على الغياب