قديما قالت الحكمة التي لانزال نصدح بها نحن الأطباء في كل زمان ومكان «العقل السليم في الجسم السليم» إلا أنني وبعد طول خبرة ومراس مع المرضى، وفي عالم الطب أصبحت أكثر إيمانا بمقولة تخصني استنتجتها بعد كل هذه السنوات التي مضت من دراسة وعمل والتي مرت علي «بحب وشغف» كبيرين، وهذه الحكمة خاصتي تقول: «إن العقل والجسم السليمين في راحة البال والبعد عن القيل والقال».
وراحة البال تعني بمنتهى البساطة التصالح مع النفس، وهذا التصالح يحتاج إلى نفس مطمئنة، مفعمة بالإيمان بالقضاء والقدر، ومسلمة لإرادة الله تتوكل عليه وهي هادئة مطمئنة إلى أن الله - عز وجل - لا يأتي بشر أبدا، وإنما أمر المسلم كله خير.
وتأتي أهمية التصالح مع الذات في أنها تفضي إلى الصحة الجسدية والعقلية وتحقق التوازن النفسي، أما غير ذلك من توتر وقلق فإنه يؤثر بالطبع سلبا على الصحة النفسية والعقلية ومن ثم يمتد التأثير الأكبر والأخطر إلى الصحة الجسدية ومن تلك الأمراض المصاحبة للتوتر والقلق بصفة دائمة على سبيل المثال لا الحصر، أمراض الضغط والسكر والأزمات القلبية المفاجئة ومشاكل بالمعدة والقولون والاثنى عشر، فحالات القلق والتوتر والغضب عندما تسيطر على الإنسان فإنها تفقده التركيز وتسبب الأرق ومن ثم الصداع المستمر نتيجة لعدم الحصول على قسط كاف من الراحة.
بل استطيع القول إن معظم حالات القولون العصبي التي مرت بي وهي آلاف الحالات كان السبب الرئيسي فيها هو التوتر والقلق، وهناك بالفعل حالات تم شفاؤها عندما زال عنها التوتر والقلق، واستسلمت إلى راحة البال وطمأنينة القلب.
فصلاح البال طريق السعادة التي ينبني عليها الفوز في الدنيا والآخرة، ولذا كان صلاح البال من ضمن أعظم الهدايا الربانية والعطايا الإلهية للمؤمنين الذين يعملون الصالحات قال تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم)، فحقا هي نعمة عظيمة وهبة جليلة من الخالق لعباده الصالحين، فجميعنا يحتاج إلى التصالح مع نفسه، لينعم بهناءة البال، لأنه من نالها فقد فاز فوزا عظيما في الدنيا والآخرة، وصلاح البال حقا أقصر الطرق إلى السعادة، وأيضا طريق يجب على الجميع أن يسلكه في إطار المحافظة على الصحة التي هي بالأساس نعمة من نعم الخالق - عز وجل - فهنيئا لمن سلك هذا الطريق، وطوبى لمن بقي فيه أبد الآبدين فقد نال حظا عظيما وخيرا كثيرا، «اللهم اهدنا وأصلح بالنا جميعا» ومتعنا اللهم بصحتنا فهي تاج رؤوسنا ومنبع سعادتنا ومعين على صلاح بالنا.
* استشاري ورئيس وحدة الجهاز الهضمي والكبد في منطقة الصباح الصحية