- التجربة الإنسانية تبقى من حق الناس أن يقرأوها ويقيِّموها ويأخذوا منها العِبر
- هناك جزئيات ينبغي أن توثَّق بصفتها جزءاً من تاريخ الأمة
- الكتاب دعوة للسياسيين من وزراء ونواب وقيادات وتجمعات لكتابة مذكراتهم
يوسف غانم
حرصاً منه على وضع تجربته السياسية، خصوصا خلال الفترة التي كان فيها وزيرا للدولة لشؤون مجلس الأمة من 10 يوليو 2006 حتى 4 مارس 2007، فقد قام الوزير الأسبق والكاتب الصحافي الزميل د.عبدالهادي الصالح بتسجيل مذكراته خلال تلك الفترة التي ترك خلالها الكثير من البصمات الواضحة، والجهود الكبيرة في تقديم الأفضل وبما يرضي الله وضميره، طارحا العديد من الأمور والأحداث التي عايشها سواء المعلن منها والمعروف أو تلك التي كانت تدور خلف الكواليس، كونه مطلعا ومتابعا بشكل مباشر، حيث يعتبر د.الصالح أن من حق الناس أن يطلعوا على تجارب المسؤولين وأن يقيّموها، وألا تبقى حبيسة الصدور والنفوس، فهي في نظره ليست ملكا شخصيا وإنما تراث وطني من حق الأجيال أن تطلع عليه وتدرسه.
ويتحدث د.الصالح عن تجربته بتفاصيل دقيقة ومشوقة، بدءا من يوم الاتصال به وكيفية ترشيحه للمنصب الوزاري ومقابلة أحد القياديين، وعن هذه النقلة والتحول من رئيس قسم بوزارة المواصلات إلى وزير، وما حدث معه في بيت القيادي منذ دخوله بوابة المنزل واللقاء معه حتى خروجه، وما لحق ذلك من ردود فعل من المحيطين به، فهناك «ناس تفرح، وناس تغبط، وناس تزعل وناس تحسد... إلخ، صج هذه هي الدنيا الدنية».
ومن الموضوعات التي يتطرق إليها د.الصالح في كتابه، مرسوم تشكيل الوزارة وبرقيات التهاني وتجهيز الوزير الجديد، ومخصصات السادة الوزراء، والإجراءات الخاصة بالوزراء، ويوم القسم، والتصوير وأول جلسات مجلس الوزراء، والصور وبروتوكولات اجتماع مجلس الوزراء وتعليقات الكتّاب وتصريحات الوزراء، وافتتاح الدور الأول من الفصل التشريعي لمجلس الأمة، والصحافة والوزراء، وتسلم مهام الوزارة واستقبال الموظفين، واستراتيجية الحكومة، والعلاقة بين السلطتين، واجتماع لجنة الأموال العامة، وأهمية وجود خطة جديدة، و«وكيل الوزارة أبخص»، وقرار لم أوافق عليه، وعيال الشيوخ والجانب الاجتماعي في الوزارة، ومصافحة النساء، وبروتوكول تزاحم الوزير، وميكنة وزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة، وبرنامج تغيير النمط الاستهلاكي الكويتي، وتسويق المشاريع الحكومية بين المحافظات، وندوة التعاون بين السلطتين، والواسطات بين الوزراء، وسحب الجنسية والحالات الإنسانية، وكثير من الأمور التي تناولها الصالح بأسلوب سردي شيق يجعل القارئ يتابع وينتقل من صفحة إلى أخرى ومن موضوع إلى آخر بشيء من الفضول وحب الاطلاع مع ما تضمنته من توثيق علمي مرافق للموضوعات.
ويقول د.الصالح في مقدمة كتابه: إن التجربة الإنسانية تبقى من حق الناس، أن يقرأوها ويقيموها، ويأخذوا منها العبر، ما يساهم في العملية التراكمية لمسيرة هذا الإنسان.
ذلك على المستوى الشخصي، فما بالك اذا كانت هذه التجربة هي نتاج منصب قيادي في الدولة التي تقود المجتمع، فهنا من الأولى أن تنقل تفاصيلها، بما يساعد المجتمع الى تقييم هذه التجربة، لتشخيص الداء الذي ربما ينخر في جسد الأمة، ووضع وسائل التصدي له في سبيل القضاء عليه.
ويضيف الصالح: علاوة على أن هناك جزئيات ينبغي أن توثق بصفتها جزءا من نسيج تاريخ الأمة في مسيرتها الطويلة، لهذا درجت بعض الأمم كالمملكة المتحدة البريطانية أن تكشف عن وثائقها السياسية وغيرها بعد مرور مدة زمنية محددة من تاريخ الحدث.
ولعل بعض ما يطرحه هذا الكتاب من مواقف وأحداث ووثائق، تعتبر مواد معاصرة لقارئ الكتاب في زمن إصداره، ولكن قد تعتبر تسجيلا لتراث من تاريخ البلاد ذات قيمة أكثر لأجيال العقود القادمة.
من هذا المنطلق، كانت تراودني منذ أن تركت المنصب الوزاري، في أعقاب استقالة الحكومة بتاريخ 4 مارس 2007، فكرة توثيق تجربتي الوزارية.
حيث كانت تجربة رغم قصرها رائدة - كما أراها - ما بين المُثل والبريق الذي قد يراه المراقب من خارج الوزارة الى المنصب الوزاري، وما بين الداخل، بما يحفل به هذا المنصب من عجائب وغرائب، ومن نجاحات وفشل، وتشجيع وعوائق، وفساد وانضباط، وحيل ومكر ودهاء، تحاك من حولك من حيث تشعر أو لا تشعر!ولكن أجّلت تنفيذ الفكرة لسببين:السبب الأول: كون شخوص التجربة من وزراء ونواب وقياديين وموظفين، مازالوا في أوج مناصبهم أو قريبين منها، وربما سبّب ذلك حرجا لا داعي له، قد يفضي الى نزاعات مبنية على اتهامات مغرضة قد تفسر من خلالها ان التوثيق جاء في فترة انفعالية تتسم بالانتقام.
ولكن مرور مدة حوالي 10 سنوات أعتقد أنها كافية لتلاشي مثل هذا الاعتبار، ومدعاة للتقليل من الشأن الشخصي.
السبب الثاني: منذ بداية انتهاء المنصب الوزاري، انشغلت بالبحث عن إطار أكاديمي يعالج قضايا تتعلق بالشعيرة الإسلامية «الأوقاف» والتي كانت تمثل لي هاجسا من خلال توليتي لوقف «الحسينية الكاظمية» ومن خلال تشرفني في عضوية اللجنة الاستشارية للوقف الجعفري بالأمانة العامة للأوقاف، وكان ذلك اختياري للانتساب لإحدى الجامعات للدراسات العليا لنيل شهادة الماجستير ثم الدكتوراه، والحمد لله وفقت لذلك في إعداد بحث الماجستير بعنوان «المشاريع الوقفية والتوسع في مفهوم مقاصد الواقفين» وبحث الدكتوراه بعنوان «الأوقاف الجعفرية الكويتية في ظل الظروف السياسية والجغرافية والتاريخية»، وقد أخذ ذلك جل الوقت من اعمال الفكر والبحث والاعداد والمناقشة، ثم لوازم الطباعة والنشر من 2007 حتى أغسطس 2014.
ويقول د.الصالح: لقد كانت هناك أيضا دوافع تضغط عليَّ أن أوثق هذه الفترة من حياتي (كوزير دولة لشؤون مجلس الأمة) وبصفتي - كما أزعم - مراقبا للساحة الوطنية، ومنخرطا في العمل السياسي، أستطيع أن أضعها في الأهداف التالية:- كشف ما هو غير معلن من أمر التوزير والوزارة (بما لا يتعارض مع القوانين واللوائح التي تحكم عمل الوزير)، وهي دائما موضع تساؤلات المواطنين، ولو كانت بعضها بدافع الفضول، ومنها الدهاليز التي تمر بها مراحل التوزير.
وتوضيح ما يقال أو ما قد أثير سواء بدافع الاشتباه وحسن الظن، أو بدافع الإساءة وسوء الظن، لاسيما أن المنصب الوزاري يصبح على الأغلب في مرمى المتضررين والحاسدين والفاسدين.
- عرض المنجزات التي ربما ضاعت وسط الأجواء المرتبكة والمتوترة بين الحكومة ومجلس الأمة، وربما طمستها بعض الصحف لسبب أو لآخر، وبالتالي دائما يتردد: ما منجزات هذا الوزير؟ ومع الإقرار بحق الامة في تقييم الوزير ونقده، مثلما هو حق دستوري لنواب مجلس الامة في الرقابة على أداء الوزراء، لكن يتطلب ذلك انصافا في التقييم عبر توفير المعلومات من مصادرها المباشرة.
- الكل يتحدث عن استشراء الفساد في الدوائر الحكومية، وهي حقيقة ملموسة لدى الوزير الذي يعاين مباشرة مصاديق هذا الفساد ونفوذه داخل الوزارة، وخارجها ذات الصلة بالوزارة، ربما العرف الرسمي قد يمنع الوزير من التصريح بتفاصيل ذلك، لكن عندما يترك هذا المنصب، فإنه يتعين عليه من خلال حق المجتمع، أن يوضح ويبين نماذج من هذا الفساد، ليأخذ المجتمع على عاتقه الوعي بكيفية مواجهة الفساد والمفسدين في مؤسسات المجتمع، وهي ممارسات فنية تتسم بالذكاء والحيل المغطاة باللوائح والقرارات، والمتسترة بمزاعم المصالح العامة!- هذا الكتاب يمثل برمته مذكرات شخصية، ينبغي أن تخرج الى العلن موثقة بخط الوزير نفسه، ينقل فيها مشاهداته وملاحظاته وآراءه خارج النطاق الرسمي الذي يكبل يدي الوزير في كثير من الأحيان، مع الحرص على الأمانة تحت الرقابة الإلهية، وهي أعظم الرقابات التي يستشعرها من في قلبه شيء من التقوى، نأمل ونرجو أن نكون كذلك.
ولذلك، سنلتزم - إن شاء الله تعالى - بالنَفَس الإصلاحي الذي يورد السلبيات والإيجابيات بصورة موضوعية، تستهدف مشاركة الجمهور بالاطلاع عن كثب مما يتعلق بمنصب الوزير الذي يتطلع إليه الكثيرون كمنصب قيادي، يخلق لصاحبه الوجاهة والتقدير في المجتمع رسميا.
وهي منهجية تتسم بالانطباعات الشخصية للوزير وهي قابلة - كذلك - لنقد الرأي الآخر البناء.
وتأكيدا للموضوعية، فإننا «كلما أمكن أو مناسبا» سنلتزم كذلك بعدم ذكر الأسماء أو الإشارة الى توصيف المنصب لصاحب الشأن، وسنستبدل ذلك بإشارات عامة، وذلك حفاظا على أصحابها الذين قد لا يتفقون مع تشخيص الوزير، ولأننا لا نستهدف الشخصانية بقدر ما نستهدف الموضوعية.
وتجدر الإشارة كذلك الى أن هذا الكتاب يمثل جزءا من أرشيف أوسع وأكبر، أعرضنا عنه لعدم الاستغراق في التفاصيل، أو لتدني أهميتها، مع مراعاة حجم الكتاب الميسر.
وأخيرا، هي دعوة للسياسيين من وزراء ونواب وقيادات وتجمعات، لكتابة مذكراتهم، فهي حق من حقوق الأمة، تقرأها الأجيال لتستوعب التجربة، فلا تبدأ من الصفر، بل من حيث ما أنجز وأخفق الذين من قبلهم.
وقد أرفق د.الصالح العديد من الصور والوثائق ضمن الكتاب من مراسيم وقرارات وتصريحات ولقاءات، وكذلك الكثير من المقالات التي نشرها عبر زاويته «م36» في «الأنباء».
تعريف المؤلف
٭ عبدالهادي عبدالحميد علي الصالح، مواليد 1951 - الكويت.
٭ دبلوم اتصالات من معهد الاتصالات السلكية واللاسلكية 1973 وعمل بوزارة المواصلات حتى 2003.
٭ الليسانس في الحقوق والشريعة من جامعة الكويت 1985.
٭ ماجستير MPhil في المشروعات الوقفية من الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية لندن 2010.
٭ دكتوراه PhD في الأوقاف الجعفرية من الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية، لندن 2014.
٭ عضو اللجنة الاستشارية للوقف الجعفري في الأمانة العامة للأوقاف في الكويت من 2004 وحتى الآن.
٭ وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة يوليو 2006 قبل استقالة الحكومة في مارس 2007.
٭ عضو في جمعيات النفع العام التالية: الثقافة الاجتماعية (نائب رئيس مجلس الإدارة)، الجمعية التربوية الاجتماعية الكويتية (عضو مجلس الإدارة)، الجمعية الكويتية للإخاء الوطني (عضو مجلس الإدارة)، جمعية الصحافيين الكويتية (كاتب صحافي)، الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام، الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، عضو لجنة استكمال التراث الوطني، بالإضافة الى: الأمين العام ورئيس المكتب السياسي لتجمع الميثاق الوطني، ومتولي الحسينية الكاظمية (البكاي) في الكويت.
٭ شارك في عدد من المؤتمرات بالأبحاث التالية:
- الوحدة الوطنية وموقف القوى السياسية.
- فلسفة الحقوق والحريات في الكويت.
- تقييم القوى الضاغطة بين الحكومة ومجلس الأمة.
- ضرورة اندماج الشيعة في الهوية الوطنية (نموذج كويتي).