الطبطبائي: «إسقاط الفوائد» يخالف المنهج النبوي بتحريم الربا ويفتقد العدالة ويضر المتعاملين مع المؤسسات المالية الإسلامية
رد عميد كلية الشريعة السابق د.محمد الطبطبائي على سؤال حول الحكم الشرعي في المشروع المقدم من بعض نواب مجلس الامة لإسقاط الفوائد وجدولة ، بالقول:
أمرت الشريعة الاسلامية المباركة بالاحسان الى الناس عموما والمدينين المعسرين خصوصا ومن المبادئ التي قامت عليها الشريعة الاسلامية محاربة الرباء لما فيه من الظلم، واكل اموال الناس بالباطل وقطع سبيل الخير والاحسان بين الناس، والتفتت الشريعة بعنايتها الى المعسرين، وحثت على التحمل عنهم والبذل لهم من الصدقة والزكاة وإنظارهم.
وكذلك امرت الشريعة الاسلامية بالعدل وعدم الظلم في جميع شؤون الحياة، خصوصا في الانفاق والبذل وألا يُحرم احد ويعطي الآخر من غير وجه حق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اني لأرجو ان ألقى الله عز وجل وليس احد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال».
وان اعضاء مجلس الامة هم امناء على امن البلاد، وثرواته لا يحق لهم الموافقة على مشروع من المشاريع ما لم يتوافر فيها امران، الاول: عدم مخالفته لاحكام الشريعة الاسلامية والثاني انه يحقق المصلحة للبلاد، وهم مأجورون على اجتهادهم طالما هم تحت ظل هذه القاعدة العامة في تعاملهم مع ما يقدم من مشاريع.
ومن الواجب على كل مسلم الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية المباركة وهي شريعة لا تأمر الا بخير، وقد اوردت المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي للمادة الثانية: كما يلاحظ بهذا الخصوص من النص الوارد بالدستور، وقد قرر ان الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع، انما يحمل المشرع امانة الاخذ باحكام الشريعة الاسلامية ما وسعه ذلك، ويدعوه الى هذا النهج دعوة صريحة واضحة.
والشريعة تسع الجميع، كيف لا وهي الشريعة السمحة التي اتت لرفع الحرج، وجلب المصلحة ودفع الضرر وقد اطلعت على مشروع القانون المذكور في السؤال ووجدت عليه الملاحظات الشرعية الآتية:
أولا: مخــالف للمنــهج النـبوي في إبطال الربا
قال الله تبارك تعالى: (واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره الى الله ومن عاد فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله وورسوله وان تبتكم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون)، وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «ألا إن ربا الجاهلية موضوع كله، واول ربا يوضع ربا العباس بن عبدالمطلب».
ولما كانت الزيادة الناشئة عن رأسمال القرض، هي ربا محرم شرعا، فوجب ابطالها، والبنك ليس له الا رأسماله فحسب، ولا يعوض عنه.
فالمنهج الاسلامي عالج الربا باسقاطه، لا بتعويض المرابي من بيت المال، بأي صورة كانت سواء باعطائها له مباشرة، او بتعويضه بأي طريقة، ولو كان لايداع اموال عامة في مؤسسات مالية ربوية، كما تضمنه هذا القانون في المادة الثانية.
لذا كان من الواجب شرعا النص على اسقاط الربا دون التعويض للبنوك التقليدية بايداع اموال العامة لدى البنوك التقليدية والتنازل عن الفوائد، او تعويض الفائدة بتعاملات مالية، ولو كان تعويض الفائدة على العملاء بارباح تعاملات اسلامية.
ثانيا: اقرار المؤسسات المالية الحكومية بالإيداع لدى البنوك الربوية
ان المادة الثانية تنص على الزام الدولة بالتعامل مع البنوك التقليدية الربوية، وهو أمر لا يجوز اقراره، لما فيه من اعانتها على الربا، لاسيما من المعلوم انها ستوظف الاموال بحسب قوانينها في تعاملات مخالفة لاحكام الشريعة الاسلامية، قال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
وما ورد في المادة الثانية من تطبيق البنوك التقليدية للمشروع وفق احكام الشريعة الاسلامية يتعذر تنفيذه واقعيا، لان اصل عمل البنوك هو الاستفادة من فرق النسبة الدائنة والمدينة وهو الربا المحرم شرعا، فلا يصور فيه التوافق مع احكام الشريعة الاسلامية القائم على الغاء الفائدة.
ثالثا: المشروع غير مانع من دخول من لا يستحق
ان مشروع القانون لم يفرق بين المدين المعسر، والمدين القادر على السداد ولكنه مماطل والمدين القادر الباذل، فالمدينون ثلاثة اقسام، اولها موسر باذل، والثاني موسر مماطل، والاخير معسر، والذي يستحق العناية هو المعسر فقط، اما المدين القادر على البذل، او القادر المماطل فلا معنى لشموله في هذا المشروع.
وفي هذا التعميم للمدينين لجهات معينة، والى تاريخ محدد، دون تفريق بين المحتاج وغيره، فيه ظلم لمن اخذ المال لثلاثة اصناف، وهم: من اقترض مالا من غير الجهات المذكورة، او بعد التاريخ المشار اليه في المشروع، او لم يأخذ قرضا اصلا، ووجه الظلم انه لا يناله شيء من هذه الاموال العامة، وان اختيار تاريخ محدد من غير اعتبار الاعسار، تحكم لا مبرر له، بخلاف ما لو اعطى المستحق منهم او اسقط عنه.
رابعا: عدم العدالة:
كما ان الاشكال الذي يرد ان في السداد عن جميع الدائنين الى تاريخ محدد، دون من يأتي بعدهم، لا يحقق العدالة والله تعالى قال: (ان الله يأمر بالعدل).
فالعدالة في توزيع الاموال تتحقق اما بمساعدة المعسر او اعطاء صاحب الحاجة حاجته او بمساعدة الجموع بالتساوي، لذا فإن تخصيص – المدينين بجميع اقسامهم ولو كان غنيا – بالمساعدة من المال العام للدولة لا يحقق العدالة.
خامسا: تضرر المتعاملين مع المؤسسات المالية الإسلامية
ان المشروع المقدم ليس في صالح المتعاملين مع البنوك الاسلامية، وذلك لان المادة الثانية من المشروع اجازت للبنوك الاسلامية التنازل عن ارباحها، ولم تلزمها بذلك، فقد تطالب البنوك الاسلامية بالمبالغ التي تطالب فيها عملاءها من غير حسم اي مبلغ، وعلى العميل سداد كل المبالغ التي عليه تجاه البنك الاسلامي، في حين ان المادة ذاتها اسقطت عن المتعاملين مع البنوك الربوية الفائدة الربوية، وفي ذلك اجحاف لا يجوز شرعا ومعاقبة للمحسن.
فالذي اراه هو وضع قانون يشتمل على المبادئ التالية:
- عدم اقرار الفوائد الربوية واسقاطها.
- تحقيق العدالة بين المواطنين.
- مساعدة المدينين المعسرين فحسب.
فان تعذر ذلك فيمكن تقديم مساعدات عامة تشمل جميع افراد المجتمع وتحقق اكبر قدر ممكن من العدالة الواجبة التطبيق في التعامل مع افراد المجتمع، ولا تتضمن اقرار الربا، او تعويضا للمرابين. والله تعالى اعلى واعلم.
الكردي: القانون يعطل تثمير الأموال العامة بطرق شرعية ولا يجوز وفاء الفوائد الربوية بمدخرات إسلامية
اصدر عضو لجنة الفتوى في ادارة الاوقاف والشؤون الإسلامية د.احمد الحجي الكردي بيانا حول مشروع القانون قال فيه: اطلعت على النسخة الثانية لمشروع قانون المديونيات التي بعثتم بها الي وتم فيها تعديل بعض ما جاء في النسخة الاولى من هذا المشروع، ورأيت ان في هذه النسخة بعض التعديلات الجيدة الى جانب بعض الملحوظات الشرعية اضافة الى الملحوظات الشرعية التي لاحظتها على النسخة الاولى، وهي:
1- مازال الغموض يكتنف صيغة المشروع كما كان الامر عليه في النسخة الاولى، وهو مما اشـــرت اليه سابقا وبينت انه مخالف للمألوف في صيغ القوانين والمراسيم لما يتسبب عنه من صعوبة واخطاء في التطبيق.
2- تم في المادة الاولى من هذا المشروع تعديل صفة المدين الذي يستحق المساعدة، واشترط فيه الا يكون مالكا من المال ودائع مالـــية او استثمارية او املاك غــــير الســـكن الخاص او اصول ذات دخل مادي تفوق فيه التزاماته المالية.
وارى ان الواجب اضافة (اي رواتب) لان الراتب في الكويت غالبا هو الدخل الاهم، لان بعض الرواتب عالية جدا، ولا ينبغي لمن راتبه عال ويستطيع وفاء ديونه منه ولو تقسيطا ان يطلب المساعدة، وعلى كل حال فهو تعديل جيد واستدراك مناسب.
3- المادة الثانية من هذا المشـــروع ابقت الفوائد السابقة على المدين، وجدولتها له، واعفته من الفوائد التي ستستحق عليه مؤخرا فقط، وهو على ما فيه من حسن في اسقاط الفوائد اللاحقة، فيه مخالفة في ابقاء الفوائد المستـــحقة ســـابقا، وهو مخالف للحكم الشرعي الذي يوجب اسقاط كل الفوائد السابقة واللاحقة.
قال تعالى: (فإن لم تفـــعلوا فــــأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ـ البقرة: 279)، كما نصت هذه المادة على ان الدولة ستودع بعض اموالها في هذه البنوك بدون فوائد مقـــابل اسقاط هذه البنوك التقــليدية فوائـــدها اللاحقة عن المدينين بعد جدولة ديونهم.
وهو نوع من المساعدة للبنوك الربوية، وهو حرام شرعا، لقول الصحابي الكريم جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه، «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء» رواه مسلم في صحيحه.
ثم ان فيه تعطيل تثمير الاموال العامة بالطرق الشرعية، وهو مخالف للمصلحة التي يجب على اولياء الامور مراعاتها، كما لا يجوز وفاء الفوائد الربوية بمدخرات اسلامية او غيرها.
4- المادة السادسة اكدت ما جاء في المشروع المعدل من عدم ملاحقــة المدين بالطرق القانونية المتاحة، وفيه تفويت الفرص على الدائنين من استطاعة تحصيل ديونهم من الظالمين غير المعسرين، ولو قصر المشروع ذلك على المعسرين فقط بعد ثبوت اعسارهم قضاء، لكان مقبولا.
5- لقد احسن المشروع جدا عندما نص في المادة التاسعة منه على منع البنوك من اقراض المواطنين بالفائدة بعد اليوم، وندبهم الى التعامل معهم بالطرق الاسلامية.
ملاحظات شرعية على الاقتراح بقانون في شأن قيام البنوك وشركات الاستثمار بإعادة جدولة أرصدة القروض الاستهلاكية والمقسطة المستحقة على المواطنين لديها وتنظيم منح هذه القروض مستقبلاً
اطلعت على الاقتراح بقانون بشأن إعادة جدولة ارصدة القروض الاستهلاكية والمقسطة المستحقة على المواطنين، ووجدت ان هناك بعض الملاحظات الشرعية التي تعيب على هذا الاقتراح وهي كالآتي:
1 ـ الإخلال بنظام العدل بين أفراد المجتمع:
مما لاشك فيه ان العدل ميزان الله في الأرض، وهو قوام الدين والدنيا، وسبب صلاح الخلق، وبه قامت السموات والأرض، قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ـ الحديد: 25)، ومن أعظم أمور العدل، العدل بين الرعية وعدم تفضيل بعضهم على بعض الا بمسوغ شرعي، او امر يحقق مصلحة للدولة، وعليه فإن اسقاط جزء من الدين على بعض افراد الرعية دون البعض الآخر، لاشك ان فيه ظلما، لأن هذا المال ملك للجميع، وليس للبعض دون البعض، جاء في تعريف المال العام بأنه: «كل ما ثبتت عليه اليد في بلاد المسلمين، ولم يتعين مالكه، بل هو لهم جميعا، وعليه فإن تصرف ولي الأمر في هذا الأمر يكون كتصرف ولي اليتيم في مال اليتيم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «اني أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وان افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت».
يعني ذلك ان يتصرف في المال بالذي يرى انه خير للمسلمين وأصلح لأمرهم، دون التصرف بالتشهي والهوى والأثرة.
وعدم العدل في قضية اسقاط جزء من الدين واعادة جدولة الجزء الآخر واضحة من خلال أمرين:
1 ـ عدم مساواة من اقترض بآخر لم يقترض، فالأول استفاد من الأموال العامة بينما الآخر لم يستفد شيئا لكونه لم يقترض.
2 ـ عدم المساواة بين المقترضين أنفسهم، فأحدهم ستسقط الدولة عنه 20 ألفا وآخر 10 آلاف وآخر 100 دينار فلا توجد مساواة بين المقترضين.
ومما لاشك فيه ان هذا ظلم ظاهر وواضح وبيّن لا يجوز في دين الله.
كما ان الشريعة اتت بأحكام متعددة لمعالجة موضوع الشخص الغارم سواء من أموال الزكاة أو من غيرها، فلا يجوز ان نسوي بين الغارم الذي يجد سدادا لدينه مع الغارم الذي لا يجد سدادا لدينه.
2 ـ درء المفاسد وجلب المصالح:
يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ «فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل الى الجور، وعن الرحمة الى ضدها، وعن المصلحة الى المفسدة وعن الحكمة الى العبث، فليست الشريعة، وان ادخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في ارضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها.
فالشريعة جاءت بدرء المفاسد وجلب المصالح للناس، فإذا جاء النص من كتاب أو سنة على مسألة معينة فلا يسعنا الا اتباعهما فيما نصا عليه، وان لم يوجد النص على المسألة فإننا ابتداء نستعين بأهل الاختصاص لتوضيح المسألة، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما قرره العلماء، وفي مسألة اسقاط جزء من الدين عن بعض افراد المجتمع دون بعض أدلى أهل الاختصاص برأيهم في الموضوع فها هو البنك المركزي أكد على ضرر هذا الأمر على الاقتصاد العام للدولة، وكذا اتحاد المصارف بيّن ذلك أكثر من مرة، وها هو اتحاد الشركات أوضح في مرات عدة عدم صحة هذا الأمر، وغرفة التجارة والصناعة ممثلة برئيسها في عدة مقابلات بيّن خطر ذلك، ومركز الشال المتخصص في الدراسات الاقتصادية بيّن ان هذا فيه ضرر على اقتصاد البلد، فهل يعقل بعد ذلك ان نضرب بعرض الحائط رأي كل هؤلاء المهتمين بالشأن الاقتصادي، فاتفاق هؤلاء على الرأي بأن هذا الأمر فيه مفسدة على الاقتصاد له حظه من النظر الشرعي، فلو ان مريضا بالسكر سأل شيخا عن صومه في رمضان، فإن الشيخ سيوجهه الى سؤال الطبيب، فإن أقر الطبيب بقدرته على الصوم وجب الصوم، وان اخبره الطبيب بعدم قدرته على الصوم وان هذا يسبب له ضررا ل حرم عليه الصوم، وكذا في اي شأن، ولاسيما الشأن الاقتصادي.
3 - الإيداع في البنوك التقليدية:
نصت المادة الثانية من القانون المقترح على ان يقوم البنك بإسقاط جميع الفوائد والعوائد المستقبلية التي تترتب على هذه المديونيات نظير ما تم ايداعه من مبالغ نقدية لدى البنوك من قبل المؤسسات الحكومية.
ولنا وقفة في هذه المادة من ناحيتين:
أ - اما ان يكون الايداع في هذه البنوك نظير فائدة ربوية تحصلها الجهات الحكومية، وهذا الامر مما اتفق على تحريمه بين العلماء المعاصرين وصدرت فتوى مجمع الفقه الاسلامي بهذا الخصوص والتي تنص على «ان كل زيادة او فائدة على الدين الذي حل اجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة او الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعا».
ب - او ان يكون هذا الايداع من دون فائدة، وبمعنى آخر ان يكون قرضا حسنا من الجهات الحكومية للبنوك، وهذا امر مخالف للشرع ايضا، لان في هذا اعانة واضحة لهذه البنوك على الاقراض بفائدة وهو مخالف لقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب).
وعليه فإن اسقاط الفوائد نظير ان تودع الجهات الحكومية مبالغ في البنوك امر غير جائز في الشريعة الاسلامية، كما ان الجهات الحكومية لو اضطرت الى الايداع في تلك البنوك فإنه لا يحق لها ان تتنازل عن تلك الفوائد بل تحصل هذه الفوائد وتصرفها في مصالح المسلمين مما يجوز صرف مثل هذه الاموال فيه، فلا تتركها لكي تتقوى تلك البنوك بها اكثر فأكثر، وهذا ما نص عليه قرار المجمع رقم 13 (1/3).
كما ان القاعدة الفقهية «الحاجة تقدر بقدرها» فلم يبين الاقتراح مدة بقاء هذه الاموال لدى البنوك هل هي لسنة ام لعشر سنين ام لعشرين سنة، فتجاوز مدة الحاجة التي استثني الحكم لاجلها مخالف لاحكام الشريعة الاسلامية.
4 - إلحاق ضرر بالمؤسسات المالية الاسلامية:
اعتقد ان الاقتراح بقانون تم الاستعجال بإخراجه، ولم يلحظ الاقتراح بعض المصطلحات التي لها اثر من الناحية الشرعية، فمثلا جاء في نص المادة الاولى تعريف للعميل المقترض والمديونية وكلاهما قصر العلاقة التعاقدية بين العميل والبنك على عقد القرض كما هو واضح من نص التعريف، وأغفل بهذا عمل البنوك والمؤسسات المالية الاسلامية، لانها لا تتعاقد مع عملائها على هذا الاساس، فلا يوجد في الشريعة الاسلامية الا القرض الحسن، وهو ما لا تقدمه المؤسسات المالية الاسلامية لعملائها، وبهذا حرم الاقتراح المؤسسات المالية الاسلامية من الاستفادة ـ لو كان فيه فائدة ـ من هذا المقترح، لانه لا ينطبق عليها التعريف الذي صدر في هذا الاقتراح، لانها باختصار لا تقدم قروضا لعملائها.
كما ان المادة ذاتها جعلت الحكم وجوبيا على البنوك التقليدية وجوازيا بالنسبة للبنوك والمؤسسات المالية الاسلامية فيما يتعلق بتقسيط اصل الدين وهذا فيه تفرقة بين متماثلين.
5 - حكم الفوائض المالية في الدولة:
اذا فاض المال في خزينة الدولة بعد اداء الحقوق التي عليها فإن الفقهاء اختلفوا ما الذي يصنع بهذا الفائض، فمنهم من قال لا يدخر ويتم توزيعه كله، وهذا فيه اضرار باقتصاد البلد، ومنهم من قال انها تدخر لمواجهة الصعاب التي تواجه الدولة، ومنهم من قال ان ولي الامر مفوض بالتصرف بهذا الفائض، الا ان صاحب جواهر الاكليل نقل عن مدونة الامام مالك ما يلي: «يبدأ في الفيء بفقراء المسلمين، فما بقي يقسم بين الناس بالسوية، الا ان يرى الامام حبسه لنوائب المسلمين».
فإيجاد طريقة تفرز الناس المحتاجة عمن لا يحتاج افضل من اعطاء البعض دون البعض الآخر، لان المال كما في النص السابق يقسم بالسوية دون تفضيل مجموعة على اخرى، وهذا هو مقتضى العدل، فقد ذكر الامام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ان جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة، اداء الامانات الى اهلها، والحكم بينهم بالعدل فمن اقترض لشراء مسكن يسكن فيه يختلف عمن اقترض للسياحة مثلا، ومن اقترض لمعالجة ابنه يختلف عمن اقترض لشراء سيارة فارهة وهكذا، فالمساواة بين هؤلاء في اسقاط شيء من الدين عنهم يخالف مقتضى العدالة.
6 - لا يتوصل بالحرام الى الحلال:
اعلم ان بعض الاخوة القائمين على هذا الاقتراح هدفهم مساعدة الناس، والتخفيف من اعبائهم المالية، وايضا بعضهم يرى أنها فرصة لتعديل بعض القوانين بما يتوافق مع احكام الشريعة الاسلامية، الا انه ومما هو معلوم، لا يتوصل بالحرام الى الحلال، بمعنى تعديل القوانين بما يتوافق مع احكام الشريعة الاسلامية لا يتأتى عن طريق ظلم شريحة من المجتمع ليست بالقليلة، وكلام الفقهاء بأنه يدرأ الضرر العام بارتكاب الضرر الخاص ليس على اطلاقه بل مع تعويض هذا المتضرر لا ان يترك هملا، فلو احتاجت الدولة الى هدم بيت من الناس لعمل طريق مع ان هذا الهدم فيه ضرر على هذا الانسان الا ان ضيق الطريق فيه ضرر اكبر فإن الفقهاء يقولون انه يهدم هذا البيت مع تعويض صاحب البيت عن الضرر الذي لحق به، وعليه فإن الغاية لا تبرر الوسيلة، بل لابد ان تكون الغاية مشروعة والوسيلة ايضا مشروعة، فلا يتوصل الى تعديل القوانين بما يتوافق مع احكام الشريعة بارتكاب ظلم يلحق الناس او ضرر يلحق اقتصاد البلد.
(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).
باقر: مشروع «القروض» ألغى قانون صندوق المتعثرين وجمّد 9 مليارات دينار خسرها المال العام
صرح النائب والوزير السابق احمد باقر بأن هناك مخالفات شرعية ودستورية ومالية في قانون القروض، وقال يقوم المشروع الذي صوت عليه المجلس في المداولة الأولى على فكرة في منتهى الخطورة وهي أن تقوم البنوك وشركات الاستثمار الدائنة بإلغاء الفوائد المستقبلية فقط عن المدينين نظير ما تم ايداعه من اموال نقدية من قبل المؤسسات الحكومية دون ان يحدد المشروع مبلغ هذه الاموال وفي اي تاريخ اودعت والى متى سيستمر الايداع، علما بأن فترة سداد المدينين لأرصدة ديونهم دون الفوائد و(الأرباح بالنسبة للبنوك الاسلامية)، تتراوح بين 10 و15 سنة وفقا للمشروع. وتابع ان خطورة هذه الفكرة تتبين اذا ما علمنا ان حجم الاموال المودعة حاليا يصل الى 9 مليارات دينار وهي اموال عامة وتجميدها لمدة 10 الى 15سنة دون تحقيق اي عائد منها هو مخالفة لدور النائب الذي اقسم على الحفاظ على الاموال العامة، وتجميد الاموال وعدم تنميتها طوال هذه المدة من اجل دفع فوائد وارباح القروض عن كل المقترضين المعسر والقادر، ومساواة من اقترض قرضا بسيطا بعشرات الدنانير مع من اقترض 70 الف دينار هي الهدر وليست الحفظ اما من سدد او لم يقترض فلن يستفيد شيئا، وكذلك لن تستغل هذه الاموال في المشاريع او المصالح العامة للشعب طيلة هذه المدة.
واضاف باقر ان هذه وباختصار شديد اهم المآخذ على المشروع:
1ـ انه أخل بميزان العدالة حيث انه كرس مليارات الدنانير من المال العام لخدمة فئة المقترضين وحدهم الذين يبلغون 270 الفا، بينما يوجد نحو 200 الف مواطن من ارباب الاسر غير مقترضين وبعضهم اشد حاجة واضعف دخلا من المقترضين ولم تسمح لهم البنوك بالاقتراض، فهؤلاء لم يلتفت إليهم القانون، بل ويأخذ مالهم باعتبارهم من ملاك المال العام لخدمة من اقترض فقط وفي هذا عقوبة لكل من لم يقترض او اقترض وسدد لسنوات.
2ـ انه فرط في المال العام حيث انه لم يستخدمه لعلاج المعسرين فقط، كما تدل احكام الشريعة وانما استخدمه لدفع فوائد وارباح كل المقترضين حتى من ليس لديه اي صعوبة في دفع الاقساط الشهرية منهم مثل اصحاب الرواتب المرتفعة والموسرين القادرين واصحاب الاقساط اليسيرة. واذا كان الفائدة المركبة هي احد الاسباب المعلنة التي اطلقها النواب لتسويق مشروعهم فإن اكثر من نصف القروض ليس فيها فوائد لأنها أخذت بأرباح ثابتة متفق عليها مع البنوك الاسلامية او بفوائد ثابتة من البنوك التقليدية. ولكن المشروع ساوى بين الربا المتفق عليه والربا المركب والارباح الاسلامية فأسقطهم جميعا دون تمييز كما ساوى بين القادر والمعسر بلا مبرر.
3ـ لم يتطرق المشروع الى خسارة المال العام بتجميد 9 مليارات دينار لسنوات طويلة، والجدير بالذكر ان معدل الربح او الفائدة طيلة السنوات العشر الماضية كان يتراوح بين 3.6% و6.4% واحيانا بالنسبة لودائع بعض المؤسسات الاسلامية مثل هيئة القصر كان يصل إلى 8%، وبذلك ستكون الخسارة الاجمالية من 4 إلى 6 مليارات دينار تمثل دخلا مفقودا للمال العام كان يمكن ان يستغل للمصالح العامة.
4ـ ابقى المشروع على الفوائد الماضية واسقط الفوائد المستقبلية على القروض بحجة أنها اي الماضية استحقت دستوريا، والصحيح انه حتى الفوائد المستقبلية استحقت دستوريا بعقود صحيحة قانونا ولا يمكن اسقاطها الا بتعويض عادل (مادة 18 من الدستور) وقد تم بحث هذه المسألة بالتفصيل اثناء صياغة قانون الـ b.o.t في اللجنة المالية حيث بين خبراء المجلس والحكومة وديوان المحاسبة انه لا يجوز دستوريا إلغاء العقود التي تمت في السابق بقانون لاحق إلا بتعويض عادل، وبالتالي فإن البنوك تستطيع اللجوء الى القضاء اذا لم تحصل على فوائدها كاملة من تلك الايداعات الحكومية.
5ـ لم يتطرق المشروع لمن تم اصلاح اوضاعهم بالاجراءات التصحيحية التي قام بها البنك المركزي والتي تمت فيها إعادة 83 مليون دينار من البنوك الى المقترضين.
6ـ المضحك ان القانون في مادته الثانية ألزم البنوك الربوية بالإسقاط ولكنه جعله جوازيا للبنوك وشركات الاستثمار الاسلامية، لأن ارباح البنوك الاسلامية هي ملك للمودعين والمساهمين شرعا ولا يجوز إلزامهم بإسقاطها لذلك فإن المشروع يكافئ من تعامل مع البنوك التقليدية ويعاقب من تعامل مع البنوك الاسلامية.
7ـ أفتى جمع من الفقهاء انه لا يجوز دفع الفائدة من المال العام والواجب اسقاطها من دفاتر البنوك واذا لم يمكن فإن اولى الناس بتحمل كلفتها هو من تعاقد ورضي بها.
8ـ نقل د.عصام العنزي الاستاذ بكلية الشريعة فتوى مجمع الفقه الاسلامي انه اذا اضطرت الدولة للإيداع في البنوك الربوية فإنه لا يجوز لها ان تترك الفائدة للبنك يستفيد منها وانه يجب عليها ان تصرفها في عموم مصالح المسلمين.
9 ـ ان الإخلال بتلك المعايير السابقة هو اخلال بميزان الشريعة كما بينه الفقهاء د.عجيل النشمي ود.أحمد الكردي ود.محمد الطبطبائي ود.عصام العنزي ود.سليمان معرفي، فعلى النواب الرجوع والتمعن في فتاواهم المنشورة.
10 ـ رغبة في تجميل المشروع نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية على ان يقوم البنك المركزي بمواءمة الإيداعات مع الشريعة ولما كانت أكثر من نصف الايداعات في بنوك تقليدية ومختلطة بالأموال والمعاملات الربوية فإن هذه المواءمة غير ممكنة فعليا، ولذلك نص قانون البنوك الإسلامية على ضرورة فصل الأموال والمعاملات الشرعية عن الربوية، وأوجب إنشاء لجنة شرعية مستقلة للأموال والمعاملات الإسلامية.
11 ـ نصت الفقرة 3 من المادة الثانية على ان يقوم البنك المركزي بتعويض المؤسسات الحكومية المودعة عن الدخل المفقود، وفي هذا دليل على ان المال العام سيتكبد خسارة وهو محرم شرعا والدليل أيضا على ان المال العام سيدفع الفائدة وهو محرم شرعا ايضا، كما انه ليس من اختصاص البنك المركزي تعويض المؤسسات العامة عن أرباحها المفقودة كما نصت المادة 11 من المشروع على أخذ الأموال اللازمة لتنفيذ القانون من الاحتياطي العام للدولة، وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه من التضحية بالمال العام لدفع فوائد القروض كل القروض ودون مبرر.
12 ـ رغبة من الاخوة النواب في تجميل الوجه القبيح للمشروع أضافوا مادة تمنع البنوك من الاقراض بفائدة في المستقبل (م9) وليس هذا القانون هو الموضع المناسب لهذا الإجراء المهم اذ ان مكان هذا التعديل هو قانون البنوك وقانون التجارة لو كانوا جادين، ومعروف ان قانون البنك المركزي يتطرق بالتفصيل لهذا الموضوع وهو مكون من 100 مادة في عشرة أجزاء اما وضع مادة مخالفة في قانون آخر من شأنها ان تنسف كل أو معظم مواد قانون متكامل فهو عيب تشريعي واضح، وكان يجب ان تدرج التعديلات في قانون المركزي وقانون التجارة بعد دراسة متأنية وتعديلات مناسبة على عدد من المواد حتى لا تحدث فوضى تشريعية.
13 ـ من العيوب الأخرى في المشروع انه لم يتطرق الى كيفية اسقاط الفوائد في شركات الاستثمار حيث ان قانونها لا يسمح لها بأخذ الودائع، كما ان المشروع تجاهل حقيقة ان ما تم ايداعه من أموال نقدية يختلف من بنك الى آخر وليس هناك تناسب بين حجم الايداعات وحجم القروض فقد يكون الايداع في البنك «أ» أكثر بكثير من الإيداع في البنك «ب»، بينما قروض البنك «أ» أقل بكثير من قروض البنك «ب».
14 ـ ان القانون اذا صدر فإنه سيفتح الباب في المستقبل لإدخال فئات جديدة من المقترضين فكما تم تغيير تاريخ الاستفادة من القانون للقروض التي تمت قبل 1/4/2008 (وهو التاريخ الصحيح لأن فيه تم العمل بالتعليمات الجديدة التي اصدرها البنك المركزي) دون مبرر الى تاريخ 30/9/2009 ثم تغير التاريخ مرة أخرى في جلسة المداولة الأولى 23/12/2009 الى تاريخ 14/12/2009 فإنه سيتغير في المستقبل مرات ومرات من اجل ادخال فئات جديدة من المقترضين على حساب المال العام وستكون حجتهم قوية اذ انهم سيقولون ان هناك سابقة تم فيها دفع الفوائد عن غير المعسرين والعدالة تقتضي معاملة من سيقترض في المستقبل بنفس الاسلوب، وسيكتفي في المرات القادمة بتعديل التاريخ فقط ليشمل الدفعات القادمة.
15 ـ من مساوئ المشروع انه ألغى القانون رقم 28 لسنة 2008 وهو قانون صندوق المتعثرين الذي حصر المساعدة من المال العام بمن يثبت اعساره وذلك بقرض حسن تخفض به مديونيته ثم يقوم هو بسداد القرض الحسن دون فوائد بعد ان يسدد مديونيته للبنوك، ولا يوجد في هذا القانون أي عيوب شرعية لأن مثله كمثل بيت الزكاة كما انه قليل الكلفة على المال العام وغير قابل للتكرار ولا يشجع على الاقتراض وليس فيه اخلال بمبدأ العدالة لأنه محصور بالمعسرين فقط.
النشمي: لا تصح التفرقة شرعاً وقانوناً بين المواطنين أو التسوية بين المعسر وغيره
اوضح د.عجيل النشمي انه اطلع على مشروع القانون الاخير المقدم من اللجنة المالية بشأن القروض ووقف فيه على مثالب شرعية وجب النصح والاشارة اليها، وقال: لقد اقام الله السموات والارض على العدل، واقام الاديان وارسل الرسل وختم بهم رسالة الاسلام على العدل، وان يقوم الناس بالعدل والقسط، لذا حرم الله الظلم وجعله بيننا محرما، فاذا اختل اختل ميزان الحياة، وقد جعل الله الربا من افحش الظلم، فقال تعالى (..فإن تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). واستطرد في الحديث عن المثالب فقال:
اولا: المادة الثانية
وسعت هذه المادة شريحة المقترضين، حيث شملت من استدان الى تاريخ 14/12/2009 ولم تقف حسب المشروع السابق الى 30/9/2009 وكلا التاريخين غير مبرر، وفي هذا كلفة مالية كبيرة على ميزانية الدولة.
ثم ان نتيجة المادة في مصلحة البنوك التقليدية لأنها ستعوض الفوائد التي ستسقطها من هذه الايداعات وتقوم الدولة بتعويض اموال المؤسسات الحكومية بالايداع، وهذا كله على حساب الاموال العامة للدولة التي هي حق لكل المواطنين والاجيال اللاحقة، وقد تقرر فقها ان الدولة ترعى مواطنيها بالعدالة والسوية، فلا تصح التفرقة شرعا وقانونا بين المواطنين فيستفيد المقترض على حساب من لم يقترض، كما لا تصح التسوية بين المعسر وغير المعسر من المقترضين، فلا يحق لها شرعا التصرف على كل حال الا بما فيه مصلحة الجميع لا مصلحة فئة على حساب المجموع، فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ولأن لكل مواطن حقا شائعا في الاموال العامة للدولة، فالدولة بالنسبة للمواطنين كولي اليتيم انما يتصرف بما فيه مصلحته فحسب.
ثانيا: عبارة: «وعلى البنك المركزي مواءمة الاجراءات الكفيلة بتطبيق هذه المادة بما يتوافق واحكام الشريعة الاسلامية وتعويض المؤسسات الحكومية المودعة عن الدخل المفقود على ودائعها لدى الجهات الدائنة».
عبارة «الدخل المفقود» يقصد به الفوائد على ودائع المؤسسات الحكومية لدى البنوك، ومعلوم ان اي ايداع نقدي لدى البنوك يعتبر قرضا يتصرف فيه البنك تصرف المالك، ويلزم بدفع الفوائد المتفق عليها بين الطرفين.
وتابع: ان الدخل المفقود لدى البنوك الاسلامية ربح حلال لا يجوز التنازل عنه، ثم ان المواءمة وفق الشريعة الاسلامية لا تجوز اذا كانت نتيجتها اطفاء فوائد ربوية، فهذه الغاية لا تبررها الوسيلة وان كانت مشروعة، ولا يمكن للبنك المركزي ان يواءم الاجراءات بما يتفق واحكام الشريعة الاسلامية والا خلط بين قانونين، قانون البنوك التقليدية وقانون البنوك والشركات الاسلامية، فالاموال المودعة لدى البنوك التقليدية، وهي ملزمة بتطبيق قانونها، ولا يمكن تطبيق تلك الاجراءات الا بنقل هذه الودائع الى البنوك الإسلامية، وهذا
مرفوض بلا ريب من قبل البنوك التقليدية.
ثالثا: عبارة: «كما يجوز للبنوك الإسلامية جدولة أصل المرابحة للمواطنين مع التنازل عن الأرباح المحققة، وذلك وفقا لذات قواعد الجدولة المشار اليها في الفقرة السابقة على ان تقوم الدولة بإيداع قيمة أصل هذه المرابحة لدى البنوك الإسلامية بصفة وديعة دون أرباح».
يقول النشمي: المقرر شرعا ان البنوك الإسلامية والشركات الإسلامية لا تملك حسب نظامها الشرعي التنازل عن ربح المرابحة، لأنه أصبح حقا للمساهمين والمودعين، كما لا يصح شرعا ان تعوض الدولة الربح المتنازل عنه بودائع نقدية تساوي قيمة أصول المرابحات، لما في هذا من كلفة مالية ضخمة في تجميد هذه الأموال وضياع ربح استثماراتها على المؤسسات الحكومية التي هي وكيلة في إدارة أموال الغير.
وأكمل: من جانب آخر فإن صفة هذه الودائع أنها بدون فوائد كما في النص المشار اليه، وهذا يعني انها قرض مسترد كما هو، وحينئذ فالبنوك الإسلامية تستفيد من استثمار هذه السيولة مقابل التنازل عن ربح المرابحة من جانب، وجدولة القروض من جانب آخر، وقد يكون ربحها اكثر، وهذه فائدة على جدولة أصل المبلغ، وهي زيادة لا تحل شرعا، لأن الديون تؤدي بأمثالها، وكل قرض جر نفعا فهو ربا، وكل ذلك لا يجوز ان تقوم به البنوك والشركات الإسلامية، ثم ان ربح هذه الإيداعات لا يصح اعتباره ربح المرابحة لما فيه من خلط بين القرض والمرابحة وهما عقدان مستقلان، ولما فيه من ضمان ربح المرابحة، والمرابحة عقد يحتمل المخاطر، ولا يجوز ضمان ربحه.
كما ينقص المادة تحديد الحد الأقصى بشكل واضح فالسنوات العشر قد لا تكفي للجدولة المذكورة في المادة.
فهذه المادة فيها اضطراب في عباراتها وغموض، كما ان فيها خلطا بين القرض والمرابحة، فلا تنسجم المادة وأحكام الشريعة الإسلامية، كما انها لا تنسجم وقوانين البنوك التقليدية ايضا.
المادة التاسعة: ونصها: «يحظر على البنوك وشركات الاستثمار الخاضعة لرقابة البـنك الـمركـزي مـنـح الـقـروض لـلمـواطنين بفوائد مع جواز تحويل احتياجات المواطنين وفقا لنظام المعاملات الإسلامية، وتمنح البنوك التقليدية حق استحداث أدوات وفق الشريعة الإسلامية لمنح هذه القروض».
هذه المادة تدخل في دائرة غير المقبول بل غير المعقول من جانبين:
الأول: انها تتعارض وقانون البنوك التقليدية الملزم لها من البنك المركزي، فلا يملك البنك ان يمنح قرضا بلا فائدة، إذ كل مبلغ يدخل البنك هو قرض يلزم البنك بدفع نسبة الفائدة المتفق عليها.
الثانية: ان البنوك التقليدية لا تملك بل لا يسمح نظامها واقعا وتاريخا ان تستلم أموالا لتستثمرها استثمارا مباشرا وفق أحكام الشريعة الإسلامية وإلا لأصبحت ـ بحمدالله ـ بنوكا إسلامية، ومن باب أولى لا تملك هذه البنوك ان تستحدث أدوات مالية إسلامية جديدة لمنح تلك القروض، بل لا توجد أداة مالية إسلامية تمنح القروض بنظام البنوك التقليدية وعلى وفق الشريعة الإسلامية لأن البنوك الإسلامية والشركات الإسلامية ممنوعة بنظامها من منح القروض، فليس هذا غرضا من أغراضها، وانما كل أعمالها تمويل بطرق الاستثمار بأداة من الأدوات المالية الإسلامية المعتمدة، فهي شركات استثمارية وليست جهات خيرية.
واختتم النشمي: هذا ما بدا لي فإن يكن صوابا فالحمد لله وإن يكن غير ذلك فهو اجتهاد مني لعل فيه أجر النصيحة.
مواد المشروع المقدم من اللجنة المالية البرلمانية بخصوص إسقاط الفوائد وجدولة المديونيات
احتوى المشروع المقدم من اللجنة المالية البرلمانية بخصوص اسقاط الفوائد وجدولة المديونيات على 11 مادة:
المادة الأولى
1 ـ العميل المقترض: هو كل مواطن من الاشخاص الطبيعيين عليه التزامات مالية او رصيد مديونية مستحق السداد لأي جهة من الجهات الدائنة وليس لديه اي ودائع مالية او استثمارية او املاك غير السكن الخاص او اصول ذات دخل مادي تفوق فيه التزاماته المالية.
2 ـ المديونية: هي الرصيد القائم للقروض الاستهلاكية والقروض المقسطة في تاريخ 14/12/2009 وفقا للتعريف الصادر عن بنك الكويت المركزي والتي حصل عليها العميل المقترض من الجهات الدائنة.
3 ـ الجهات الدائنة: هي البنوك وشركات الاستثمار الخاضعة لرقابة بنك الكويت المركزي.
المادة الثانية
تقوم الجهات الدائنة بإعادة جدولة مديونية العملاء المقترضين لديها حتى 14/12/2009 بعد اسقاط جميع الفوائد والعوائد المستقبلية التي تترتب على هذه المديونيات، ويقسط رصيد القرض على العميل المقترض على اقساط شهرية متساوية وبقسط لا يجاوز 35% من الدخل الشهري للعميل او تقسيط رصيد القرض على عشر سنوات من دون فوائد وذلك نظير ما تم ايداعه من مبالغ لديه لدى البنوك من قبل المؤسسات الحكومية.
وعلى البنك المركزي مواءمة الاجراءات الكفيلة بتطبيق هذه المادة بما يتوافق مع الشريعة الاسلامية وتعويض المؤسسات الحكومية المودعة عن الدخل المفقود على ودائعها لدى الجهات الدائنة.
كما يجوز للبنوك الاسلامية جدولة اصل المرابحة للمواطنين مع التنازل عن الارباح المحققة وذلك وفقا لقواعد الجدولة ذاتها المشار اليها في الفترة السابقة على ان تقوم الدولة بايداع قيمة اصل هذه المرابحة لدى البنوك الاسلامية بصفة وديعة دون ارباح.
المادة الثالثة
لا تتحمل الاموال العامة سداد اي فوائد تأخيرية نتيجة تخلف المدين عن السداد في المواعيد المحددة.
المادة الرابعة
تقوم الجهات الدائنة بعد تطبيق أحكام المادة الثانية من هذا القانون بالتنازل عن أي دعوى قضائية متداولة تكون قد أقامتها تجاه العملاء المفترضين.
المادة الخامسة
لا يجوز بعد العمل بهذا القانون لأي جهة من الجهات المخاطبة بأحكام المادة الأولى من القانون رقم 2 لسنة 2001 المشار إليه أن تجاوز قيمة القروض الاستهلاكية والقروض المقسطة أو كليهما التي تقدمها للعميل بما يزيد على الحد الأقصى الذي يحدده بنك الكويت المركزي وتفرض على الجهات التي تقدم أي قروض استهلاكية ومقسطة بالمخالفة للشروط والتعليمات الصادرة عن بنك الكويت المركزي غرامة تعادل ضعف القرض الممنوح للعميل المقترض من قبلها. ويرد إليها من هذه الغرامة ما يعادل رصيد القرض الممنوح منها للعميل، حيث يعتبر ذلك تسديدا لهذا الرصيد، بالإضافة إلى تطبيق جميع الصلاحيات الأخرى التي يملك أن يتخذها بنك الكويت المركزي تجاه الجهات المخالفة لتعليماته وفقا لما هو منصوص عليه في القانون رقم 32 لسنة 1968 المشار إليه.
المادة السادسة
في جميع الأحوال لا يجوز اتخاذ أي اجراءات تحفظية بما في ذلك المنع من السفر بحق أي عميل مقترض يمنح بعد العمل بهذا القانون أي قرض استهلاكي أو قرض مقسط أو كليهما نتيجة تعثره في الوفاء بالتزاماته، إلا أن يكون بحكم قضائي.
ويسري حكم الفقرة السابقة على كفيله وكفيل كفيله ـ إن وجد.
المادة السابعة
على الجهات الدائنة رفع تقرير بشأن جميع المديونيات التي تم اعادة جدولتها لمدة تجاوزت 15 سنة تنفيذا لهذا القانون. وعلى بنك الكويت المركزي تدقيق هذه المديونيات المشار إليها ومتابعة ما يصدر عنه من تعليمات واستخدام صلاحياته في توقيع الجزاءات تجاه أي مخالفة لتعليماته يكشف عنها هذا التدقيق. كما يجوز للعميل المقترض ابلاغ بنك الكويت المركزي بأي مخالفة لهذا القانون تقع من الجهة الدائنة، وعلى بنك الكويت المركزي تدقيق هذه البلاغات وإفادة العميل بالإجراءات المتخذة حيالها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم البلاغ.
المادة الثامنة
إذا ثبت لبنك الكويت المركزي وجود تجاوز في احتساب فوائد القروض بالمخالفة لأحكام قانون التجارة رقم 68 لسنة 1980 المشار إليه وترتب عليها زيادة الأعباء المالية على القرض الاستهلاكي أو القرض المقسط أو كليهما عما كانت عليه وقت إبرام عقد القرض أسقطت هذه الزيادة المخالفة لتحقيق وصول الفائدة الى الحد القانوني واعتبر ما تم تحصيله منها قبل العمل بهذا القانون دفعات نقدية تودع في حساب الاحتياطي العام للدولة.
المادة التاسعة
يحظر على البنوك وشركات الاستثمار الخاضعة لرقابة البنك المركزي منح القروض للمواطنين بفوائد، مع جواز تمويل احتياجات المواطنين وفقا لنظام المعاملات الإسلامية وتمنح البنوك التقليدية حق استحداث ادوات وفق الشريعة الإسلامية لمنح هذه القروض.
المادة العاشرة
أحكام انتقالية: بالنسبة للقروض التي بدأت تسويتها وفقا لقانون رقم 28 لسنة 2008 المشار إليه وتم توثيقها في وزارة العدل وحتى تاريخ صدور هذا القانون يخير العميل المقترض بين الاستمرار في تطبيق نظام الجدولة الذي تم توثيقه أو تقديم طلب للدخول في نظام الجدولة الجديد وفقا لهذا القانون وتحدد اللائحة التنفيذية اجراءات ومواعيد تقديم هذا الطلب على أن يراعى الآتي:
1 ـ عند إعادة جدولة المديونية وفقا لهذا القانون تضاف المبالغ التي تحملتها الدولة لمعالجة المديونية تطبيقا لقانون رقم 28 لسنة 2008 المشار إليه ويعتبر هذا هو الرصيد القائم للقرض.
2 ـ يشترط الا تتعدى مدة إعادة جدولة الرصيد المشار إليه في البند السابق خمس عشرة سنة.
3 ـ يقسم قسط القرض الذي تحصله الجهة الدائنة بينها وبين الدولة بما لا تقل معه المبالغ المستحقة للدولة عن 50% من قيمة القسط.
4 ـ تستمر الجهات الدائنة في تحصيل الاموال المستحقة للدولة وتسليمها لها حتى الانتهاء من سداد جميع الاقساط كاملة.
5 ـ يقدم العميل المقترض طلب إعادة الجدولة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ صدور اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
المادة الحادية عشرة
تؤخذ الأموال اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون من الاحتياطي العام للدولة.