بقلم: حنان بدر الرومي
[email protected]
تمضي السنوات مسرعة.. جيل يسلم الأمانة للجيل الذي يليه.. أصبحوا ماضيا، كما أصبح الحاضر حاضرا، أما المستقبل فبعلم الغيب.. ولكن يظل لكل زمان أهله وحكاياتهم التي نسجوها.. منها ما كانت البسمة عنوانه وأخرى صاحبت الألم وبعضها عزفت بألحان المشاعر الإنسانية المتنوعة. سلسلة جديدة من الحزاوي ستأخذنا أحيانا للزمن الماضي بكل عبقه الجميل، كما ستحط بنا الرحال في وقتنا الحاضر لنروي حكايات أشخاص حقيقيين ومن جنسيات متعددة، منهم من رواها لي بنفسه والبعض، الآخر وصلني من المقربين منهم أو ممن عاصروهم.. حكايات متنوعة نستقي منها العبر والدروس التي لا تحصى.. وتظل الدنيا حكاية.
تمددت سبيكة على سرير المستشفى بعد ان اغلقت مصحفها ووضعته على الطاولة التي بجانبها.. حاولت الا تصدر صوتا فشقيقتها المسكينة حصة مستغرقة بالنوم على الكرسي.. السسترات يتابعن وضعها الصحي بدقة وكلما دخلت عليها واحدة منهن اشارت لها باصبعها ان تلتزم الهدوء فالوقت فجرا وشقيقتها متعبة جدا يا للمسكينة لقد قضت الأيام الماضية في حالة ترقب وخوف حتى اطمأنت لتجاوز سبيكة ولله الحمد ازمتها الصحية ونجاح عملية زراعة الدعامات في شرايين القلب وانتقالها من العناية المركزة للغرفة.. ادارت سبيكة رأسها نحو الاجهزة المحيطة بها والمربوطة بها بتوصيلات كثيرة وملونة.. تنهدت بحزن.. يكسر الزمن رتابته المقيتة المشبعة برائحة الأدوية ويعود شريط الذكريات بسبيكة إلى الماضي الذي تتذكر ادق تفاصيله.
٭ ٭ ٭
الكويت 1934م..
ولدت سبيكة في المنزل الكبير لعائلتها الثرية في منطقة جبلة.. فرحت والدتها بقدومها بعد اربعة اولاد.. كم كانت تتمنى ان ترزق بفتاة وان تعيش تفاصيل البنات بالثياب المزركشة والضفائر المعقودة وان تتخذها اختا وصديقة لها عندما تكبر وتكون مستودع اسرارها ومستشارتها.. لذلك اغدقت على ابنتها الحب والدلال بلا حساب.
في ذلك الزمان لم يكن يسمح للنساء بالخروج من البيوت الا للضرورة ولم تكن الملابس الجاهزة متوفرة بكثرة.. حرصت ام سبيكة على ان تطلب من خياطة العائلة ان تحيك للصغيرة الملابس الجديدة دائما وكانت تجزل لها العطاء.. كانت الأم تتعامل مع صغيرتها كالدمية التي تلاعبها تغير لها ملابسها اكثر من مرة في اليوم الواحد وتهتم بنظافتها وتزيينها.. برزت سبيكة بين بنات العائلة بملابسها الجميلة ومشغولاتها الذهبية المتنوعة.. كانت الأم تغني لها دائما:
سبيكة من تمر وقماشاتها الحمر
يبسط بوالحلاو ويعزل بوالتمر
٭ ٭ ٭
شدة حب وخوف الأم على ابنتها انتقلت كالعدوى إلى الأب والاخوة فتدفق حنانهم عليها كالنهر الجاري وشعروا بمسؤوليتهم التامة عن حمايتها وتوفير طلباتها.. ووقفوا إلى صفها عند أي مشاحنة تتم بينها وبين بنات عمومتها كما يحدث دائما بين الصغار.. شعرت سبيكة بقوتها فكانت تفرض طلباتها على الجميع وتصر عليها عنيدة لا تحب الخير للاخرين ترى نفسها افضل من الجميع لذلك اصبحت غير محبوبة في الوسط العائلي يتجاهلها الكبار ويتحفظ الصغار معها حرصا على استمرار العلاقة الأسرية.. عندما بلغت سبيكة العاشرة من العمر رزق والداها بحسين وبعده بسبع سنوات اطلت حصة آخر العنقود للدنيا.. فرحت سبيكة بقدوم شقيقتها واعتبرتها ابنتها الصغيرة التي تعتني بها.. كان عمرها آنذاك سبعة عشر عاما.
٭ ٭ ٭
انتظمت سبيكة بالدراسة في المدرسة القبلية مع بنات عمومتها.. تفوقت في مادة اللغة العربية وفاقت قريناتها في حفظ وإلقاء الشعر سواء اشعار العرب عامة أو قصائد لشعراء الكويت المميزين.. اصبح لها حضورها الجلي في حفلات المدرسة بما عزز لديها مشاعر التميز عن الآخرين.
لم يلحظ الوالدان أي عيب في ابنتهم.. كانت الأم الطيبة تختلق الاعذار دائما لابنتها المدللة.. لم ينتبه احد منهم إلى انانيتها والكبر والغرور الذي ترسخ في نفسها.. تعاظمت هذه المشاعر مع ادراك سبيكة لمكانة عائلتها الاجتماعية والاقتصادية في الكويت وتميز والدها عن بقية اخوته بدوره السياسي المرموق والذي جعل له بصمات جليلة في نهضة الوطن.. تزايد حب سبيكة لنفسها والنظر للناس من برج عاجي خصوصا بعد ان اصطحبهم والدها للسياحة في العديد من الدول في زمن لم يكن السفر للسياحة متاحا للجميع.
حلمت الأم كثيرا بزواج ابنتها ورسمت بخيالها صورة الحفل وجهاز العروس.. لكنها صدمت فلم يتقدم احد لخطبة اميرتها الجميلة حتى ابناء عمومتها لم يبدر من احد منهم أي اشارة لرغبته في التقدم لخطبتها.
٭ ٭ ٭
بدأت الكويت الحديثة بالظهور وانتقلت العائلة لمنطقة النقرة.. تزوج اخوة سبيكة الاربعة الكبار.. شعرت سبيكة بالغيرة لمنافسة الكناين لها في البيت وفي قلب افراد اسرتها.. كانت تشتعل غضبا عند مشاهدتها ايا منهن وقد تزينت.. بدأت مرحلة المشاكسات التي لا تتوقف والمقالب والصراخ.. انجلت الغشاوة من على عين الأم رويدا رويدا وتراءت لها تصرفات ابنتها المستفزة بوضوح ومدى غرورها وصدمت من انانيتها البشعة وعدم احترامها للآخرين.. اخذت الأم توجه النقد اللاذع لسبيكة وتنهرها بشدة في كثير من الاحيان ولكن هيهات فالابنة ترى نفسها دائما على حق فثارت ثائرتها لموقف امها المساند لزوجات اخوتها وعلا صوتها عليها.. بدأت سبيكة بتسفيه كلام امها واخذت تعادي زوجات اخوتها بالقول والفعل وانقلب البيت الهادئ إلى ساحة معركة لا تخمد.. استاء الاخوة من تغير احوال البيت ونفروا من اختهم كثيرا.
٭ ٭ ٭
شيد الأب قصرا فخما لعائلته في منطقة العديلية.. وفرشه بأثاث راق وجميل كان لسبيكة اليد الطولى في اختياره.. ظل جمال القصر صورة خارجية فقط فالألفة والصفاء انعدما تماما بين سبيكة واخوتها الكبار وزوجاتهم.
تزايد شعور سبيكة بالملل فأيامها متشابهة لذلك طلبت من والدها ان يسمح لها بالعمل في المكان الذي يراه مناسبا لها.. شجعت الأم ذلك لعل طباع ابنتها تتهذب بالتعامل مع زميلاتها، فاضطر الأب للموافقة وتوسط لها للعمل كأمينة مكتبة في المدرسة الابتدائية القريبة من منزلهم.
في المدرسة وجدت سبيكة نفسها مضطرة لمسايرة المعلمات والاداريات وكسب مودة ناظرة المدرسة والوكيلة.. كانت تتعامل بدهاء وخبث وبما يحقق مصلحتها.
٭ ٭ ٭
احبت سبيكة شقيقتها حصة كثيرا، كانت طباعهما مختلفة فحصة هادئة ومسالمة وذكية ومتفوقة في دراستها.. حصلت على الشهادة الجامعية في المحاسبة وعملت كموظفة في احد البنوك.. ادركت حصة مبكرا ان شقيقتها تحب الزعامة والسيطرة فكانت لا تناقشها ابدا في أي امر ترغب فيه وتسايرها في جميع احاديثها.. علاقة حصة بزوجات اخوتها وابنائهم جيدة فهي تحترم الجميع ولا تتدخل في امور حياتهم بعكس سبيكة.
بمرور السنوات انفصل الاخوة في بيوت خاصة بهم ولم يتبق في القصر الكبير الا الوالدان المسنان مع حسين وسبيكة وحصة.
كانت ادارة القصر بيد سبيكة فهي المسؤولة الاولى والاخيرة.
٭ ٭ ٭
اجتهدت سبيكة لإقناع والدها بحمايتها وشقيقتها من تقلبات الزمن وتبدل احوال اخوتها.. وبدهاء كبير اوهمت الأب بأن زوجات اخوتها قد يقنعن الاخوة بسلب حقوقهما بعد وفاته.. وانها وشقيقتها ضعيفتان امام تكتل الاخوة وان اخاهم حسين شديد الطيبة ولا يمكن الثقة بقدرته على المواجهة.. استعانت سبيكة بكل الاسلحة الذكية من دموع وآهات وحكايات مؤلمة وخيالات واسعة حتى ادخلت الخوف عليهما في قلب الأب فقام بتسجيل القصر باسم الشقيقتين كما سجل عمارة باسم سبيكة وعمارة أخرى باسم الاختين وسلم الاوراق كاملة لسبيكة لترتاح نفسها وأقنعها بأن ميراثهما الشرعي بعد وفاته سيهيئ لهما حياة كريمة.
٭ ٭ ٭
بعد مرور سنتين توفي الأب وفوجئ الاخوة بان القصر باسم الشقيقتين وان جميع الاوراق سليمة قانونيا.. رضخ الاخوة للوضع حرصا على صحة والدتهم المسنة.
تزوج حسين من فتاة اختارتها اخته سبيكة وبعد زواجه بأشهر تقدم خاطب لسبيكة.. استبشر الجميع خيرا بالخاطب فهو من عائلة معروفة صحيح ان مستواه المادي لا يتناسب مع ثراء عائلتهم ولكنه شخص مقتدر ماليا واخلاقه عالية ومنصبه الحكومي جيد كما انه ارمل ولديه اربعة ابناء اصغرهم في العاشرة، ويملك منزلا خاصا به.
امتلأت نفس الأم العجوز بهجة وسعادة فابنتها ستكون في يد امينة.. زفت سبيكة إلى عريسها في حفل عائلي تقليدي بسيط.
٭ ٭ ٭
اجتهدت سبيكة لتقبل وضعها الجديد ولكن نفسها ترفض بعض الاشياء فزوجها رجل عادي جدا ووظيفته عادية ولا يملك طموحا عاليا كما ان حالته المادية ميسورة لمعيشته وعليها ان تعتمد على ثروتها الشخصية.. اما البيت فمتواضع جدا بالشكل الخارجي والاثاث.. اقنعت نفسها بان تغيير زوجها وحياته سيتم على يدها ولكن بالتدريج فهو سعيد جدا بزواجه منها وارتباطه باسم عائلتها المعروفة كما انه طيب ويعاملها باحترام وتقدير مميز ولم يطالبها باي التزامات سواء مادية أو حتى العناية بابنائه فقد رباهم على تحمل المسؤولية.
وجدت سبيكة ان الوقت قد حان للبدء بعملية التغيير فقد مرت سبعة اشهر على الزواج.. وهي ترغب باستقبال المهنئات في منزل الزوجية.. اتفقت مع مهندس شركتهم على اجراء تعديلات تدريجية للمنزل تبدأ بتعديل واجهة البيت وتوسعة قاعتي الاستقبال والطعام مع عمل الديكورات اللازمة.. رفض الزوج الموضوع برمته فهو لا يملك المال الكافي ولا يرغب ان تتكفل زوجته بالتعديلات.. سعى لاقناعها بالتأجيل وعندما لمس اصرارها على الحفل طلب منها اقامته في قصر والدها.
لم يعجب سبيكة موقف زوجها وثارت نفسها المتعالية فكيف يرفض ما تريده؟ هل نسي مكانتها الاجتماعية ام ان قبولها بالزواج منه جعله يعتقد انها سترضخ لوضعه البسيط؟ طبعا لا يمكنها القبول بذلك ولن تترك بنات عمومتها يستهزئن بها.. في خضم تأجج النقاش الداخلي والرفض القلبي والعقلي لهذا المنع اتخذت قرارها بالطلاق.. حملت اغراضها ورجعت لبيت والدها.
كانت المفاجأة كبيرة على الأم احست وكأن الصدمة قد غرست مخالبها في رأسها وروحها وانها قد تبعثرت لأشلاء يصعب استرجاعها.. رفض الجميع موضوع الطلاق وسعوا لاقناع سبيكة بإعادة النظر خصوصا ان الزوج متمسك بها.. استهزأت سبيكة بالجميع وقامت بنفسها بتوكيل محام وتقدمت بدعوى للطلاق وهذا ما تم.
٭ ٭ ٭
بعد الطلاق اصبحت سبيكة كالقنبلة الموقوتة التي تنفجر في وجه الآخرين بلا رحمة.. لم يسلم احد من كلماتها الحادة حتى والدتها المسنة.. اخذت تهدد والدتها بالحجر على اموالها لانها وحسب رأيها تبددها على المحتاجين وعلى اعمال الخير الكثيرة عدا الهدايا التي تعطيها لزوجات ابنائها واحفادها.. كما كانت تهاجم بعنف كل من يزور والدتها من الاهل والمعارف.. اخذت الأم تشتكي من قوة الصداع ولم تعد تنفع معها الأدوية والمسكنات.
لم ترحم سبيكة امها، كانت تنفس عن غضبها بجنون الاتهامات لوالدتها واخوتها.. طردت اخاها حسين الطيب وزوجته من المنزل.. لم تعد الأم قادرة على النهوض من سريرها.. اغلقت فمها ولم تعد تتكلم مع احد ونظراتها تحمل الكثير من المعاني الحزينة.. حاولت حصة كثيرا مع شقيقتها لعلها تهدأ وترحم نفسها ومن حولها ولكن لا حياة لمن تنادي.
بعد مرور اقل من عام على الطلاق توفيت الام.
٭ ٭ ٭
مرت اشهر على وفاة الام.. اصبح القصر كئيبا.
تقدم خاطب لحصة ووجد الاخوة فيه الرجل المناسب لاختهم كما ارتاح قلبها له.. اما سبيكة فرفضت الخطبة فوضع الخطيب المادي والذي يعتمد على راتبه لن يوفر لشقيقتها المستوى اللائق بها.. حاول الاخوة اقناعها ولكنها رفضت لأختها حياة اقل مما تستحق حسب رأيها.. اصر الاخ الاكبر على تزويج اخته فهو يرى في الخطيب مواصفات اخلاقية جيدة وابلغها بأن رأيها لن يعرقل الزواج فهو ولي امرها كما ان حصة موافقة.
انقلب حال البيت وأصبح ساحة معركة لا تهدأ.. وعندما ايقنت سبيكة ان حصة مصرة على الزواج اعتبرت ذلك تمردا عليها فطردتها من البيت وابلغتها انها قد دفنتها مع والدتها.
٭ ٭ ٭
احاطت سبيكة نفسها بالمرافقات وكانت تصرف عليهن بسخاء وتنتقي منهن من تسافر معها.. اشترت شققا في مصر ولبنان ودبي.. وكانت تقضي فيها معظم أيام السنة.. كونت علاقات اجتماعية عديدة في الكويت وخارجها وانغمست في حياتها الجديدة.. كانت تهرب إلى مدن الدنيا لعلها تنسى.
وجدت حصة الراحة النفسية والسكن والطمأنينة مع شريك حياتها والذي اثبتت الأيام معدنه الاصيل.. رزقها الله منه بولد وبنت هما قرة عينها.. احاطها اخوتها بحبهم وكانت بيوتهم مفتوحة لها دائما.. ولكن ظلت الغصة في قلبها لعدم تواصلها مع اختها سبيكة.. حاولت مرات عديدة ان تزورها في البيت واخذت ابناءها معها ولكنها كانت تطردها شر طردة.. حتى عندما تصادفها في بعض المناسبات الاجتماعية كانت سبيكة تتجاهلها تماما.
٭ ٭ ٭
ستة وعشرون عاما مرت على زواج حصة.. كبر الصغار وكبر معهم الكبار.. بدأت سبيكة تشعر بعلامات كبر السن، صحيح ان بنيتها الجسدية لاتزال قوية الا انه لم يعد لها ذلك المزاج للسفر المستمر ولا للخروج الدائم من المنزل.. اخذ يراودها الحنين لوالديها فوضعت صورهما في انحاء البيت.. سعت لإعادة علاقتها بأخيها حسين الا ان زوجته كانت متحفظة جدا معها وكذلك اولاده.. لم تستطع برغم كل محاولاتها ان تكسر الجليد الذي اعترى علاقتها بهم.. كانت تحاول ان تلملم حالها املا بشيء غامض.
في اول ليلة من ليالي شهر رمضان الكريم استلقت على الكنبة واخذت تتابع المسلسل التلفزيوني.. كانت تجتهد لمقاومة سيل الذكريات.. في الماضي كانت ابواب القصر تظل مفتوحة طوال الشهر الكريم.. والبيت يمتلئ بزواره.. الآن لا احد يسأل عنها.. جميع صديقاتها ومعارفها مرتبطات مع اهلهن وهي وحيدة مع التلفزيون.. دخلت عليها الخادمة واخبرتها بوجود رجل عند المدخل لا تعرفه يرغب في رؤيتها.. استغربت سبيكة وطلبت من الخادمة مرافقتها.. عند باب المدخل الداخلي شاهدت شابا طويل القامة وسيما يرتدي الدشداشة والغترة.. رائحة البخور والطيب تفوح منه.. ابتسم ابتسامة واسعة عندما شاهدها ومد يده بمودة وشوق قائلا: مبارك عليك شهر رمضان.. انا فيصل ابن اختك حصة.
٭ ٭ ٭
زيارة فيصل اتت في وقتها المناسب.. كانت سبيكة في شوق كبير لأحبابها.. ارادت ان يكون حولها من يشاركها الحياة بدون ان ينتظر ماذا ستدفع له .. بكت بدموع غزيرة وهي تحضن ابن اختها اخبرها بأنه تربى على حبها وكان يشاهد دموع أمه عندما تتحدث عنها لذلك حسم رأيه بضرورة زيارتها في هذا الشهر الكريم ولن يعرف احد شيئا اذا اغلق الباب بوجهه.. ولكن زيارته المفاجئة فتحت ابواب القصر للحياة مرة أخرى.. فتحت لأختها وابنائها ولجميع اخوتها.. ورغم ذلك ظل لفيصل معزة خاصة، كان رجلا بكل معاني الرجولة.. اصبح سندها ومستشارها وابنها الحبيب لقلبها.. اصبح رجل البيت والمسؤول الذي لا يرد أي طلب لخالته.. بدأت سبيكة تتذوق من جديد طعم العلاقات الأسرية.. ولكن قلبها لم يتحمل قوة هذه العواطف الجميلة وتصادمها مع مشاعر الذنب فتعرضت لذبحة صدرية ولولا وجود فيصل معها في المنزل لحدث امر آخر.
في المستشفى اجتمع الجميع حولها اخوتها وزوجاتهم وابناؤهم لم تتركها اختها ابدا وفيصل كان معها يحملها بيده ويطعمها ويناقش الاطباء ويشرح لها كل ما تريد.. اصرت حصة على ان تقضي سبيكة فترة النقاهة في بيتها وتحت رعايتها.. وجدت سبيكة المحبة والاهتمام الأسري الذي ساعدها في تجاوز مرضها.
اقترحت سبيكة على اختها ان يقوموا بهدم القصر وإعادة بنائه من جديد ليضم اربعة منازل واحد لها والآخر لحصة وبيت لفيصل وبيت لأخته.. امسكت يد حصة بقوة وهي تقول لها: لن اتحمل الحياة من دونكم اريد ان اعيش بكرامتي وفي بيتي ولكن معكم.. ساعديني لألملم نفسي وأهرب من اوهامي فلم يعد للعمر بقية.