- بذور «القرم» من دولة الإمارات الأفضل للبيئة الكويتية وهناك 5 مناطق تناسب زراعة الشتلات
- الشجرة تقوم باستهلاك نسبة 70% من الكربون الجوي
- من المتوقع أن تحسن «القرم» جودة المياه البحرية وترفع معدل تكاثر الكائنات الساحلية والبحرية
دارين العلي
يستمر معهد الكويت للأبحاث العلمية في إجراء الدراسات والأبحاث اللازمة لمواجهة التحديات في مجال التخضير، بهدف التوسع في الرقعة الخضراء بالكويت والمحافظة على الموارد الطبيعية.
ويسجل للمعهد ريادته في إدخال واستدامة نبات «القرم» على السواحل الطينية في الكويت، ذلك المشروع الذي بدء العمل به منذ اكثر من 26 عاما من قبل برنامج الزراعة والنظم البيئية الصحراوية في مركز أبحاث البيئة والعلوم الحياتية.
«الأنباء» التقت إحدى الباحثات في المشروع والمشرفات عليه وهي الباحثة العلمية المشاركة ليلى الملا والتي أكدت أن الدراسات والنتائج أثبتت أن هذه شجرة «القرم» تساهم في زيادة التنوع الحيوي وزيادة إنتاج الأسماك والروبيان في الكويت، وهي تعمل كحضانات للكثير من الأحياء البحرية، واستقطبت عددا كبيرا ومتنوعا من الطيور، علاوة على زيادة الغطاء الخضري على السواحل.
وتوقعت الملا أن تحسن هذه الشجرة جودة المياه البحرية إضافة إلى ارتفاع معدل تكاثر وزيادة الكائنات الساحلية والبحرية مما يؤدي إلى إعادة تأهيل البيئات المتضررة، موضحة أنها تقوم باستهلاك نسبة 70% من الكربون الجوي من اجمالي نسبة الكربون المستهلك من النباتات البحرية، الأمر الذي يشجع زراعة أشجار القرم وإدراجها ضمن مشاريع التخضير والتنمية المستدامة.. وفيما يلي تفاصيل الحوار:
في البداية، ما هي أبرز التحديات التي تواجه التخضير والتوسع في المساحات الخضراء بالبلاد؟
٭ من المعروف ان أجواء الكويت المناخية تتسم بالطابع الصحراوي وقلة الموارد الضرورية للزراعة مثل مصادر المياه الطبيعية، وافتقار التربة الى العناصر الغذائية اللازمة لنمو النبات، مما يتسبب في فقدان الحياة الطبيعية، ومن أهم التحديات التي تواجه مشاريع التخضير والتجميل في البلاد إيجاد حلول للتغلب على درجات الحرارة العالية ومعدلات التبخر المرتفعة، وملوحة التربة العالية، والجفاف، مع انتشار العواصف الترابية، إضافة إلى عوامل التعرية التي تتسبب في زحف الرمال وتراكمها مما ينتج عنه مظاهر التصحر السائدة والتي تمثل 80% من مساحة الدولة.
ما دور معهد الكويت للأبحاث العلمية في مواجهة هذه التحديات وكيف يمكن التغلب عليها؟
٭ يقوم المعهد بعمل الدراسات والأبحاث لمواجهة التحديات في مجال التخضير، وللتوسع في الرقعة الخضراء وذلك في ظل المحافظة على الموارد الطبيعية، واستجابة لرغبة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، فقد تم خلال الـ30 عاما الماضية تنفيذ الخطة الوطنية للتخضير، باستخدام نباتات متحملة للجفاف والملوحة، بحيث تستقدم هذه النباتات من مناطق ودول ذات أجواء مناخية مشابهة للكويت، ومن ثم يتم أقلمتها حتى تتكيف مع الظروف المناخية للدولة، ولكي تقاوم درجات الملوحة العالية في المياه والتربة، وعادة ما يتم اختيار النباتات التي لا تهدد بقاء النباتات والكائنات الفطرية.
من اين أتتكم فكرة زراعة أشجار «القرم» دون غيرها؟
٭ تبلغ مساحة الكويت 17800 كيلومتر مربع مع ما يقارب 290 كيلومترا ساحليا، وتشكل التربة الطينية حوالي 57% من ساحل الكويت، وهي منطقة غنية بالنباتات والحشائش الفطرية الملحية، وتمثل نظاما بيئيا متكاملا زاخرا بالحياة الفطرية النباتية والحيوانية، الأمر الذي يستدعي تكثيف مشاريع التخضير في البيئية الساحلية وتنميتها للمحافظة على ثبات المنظومة البيئية بها، ومن هنا جاءت فكرة استزراع نباتات «القرم» في المنطقة الساحلية كونها تعتبر بيئة طبيعية لنموها عالميا، وقد تم تضمين ذلك في المشاريع البحثية للتخضير والتجميل من قبل معهد الكويت للأبحاث العلمية منذ أكثر من 26 عاما، وعمل الدراسات اللازمة لتحديد إمكانية استزراعه في السواحل الطينية.
كيف تم اعادة توطين أشجار القرم في الكويت؟
٭ قام «الأبحاث» بأول دراسة ناجحة لإدخال نبات القرم إلى بعض المواقع في السواحل الطينية في الكويت عام 1992، وكان لهذه التجربة أثر ايجابي على البيئة البحرية، حيث ازداد تجمع الرواسب المغذية للأحياء البحرية مما حفز تكاثرها واستقطب بعض أنواع الطيور المهاجرة، وكان المعهد سباقا في عمل دراسات حول «القرم» بالكويت منذ التسعينيات وإلى وقتنا الحالي، ونفذ عددا من الدراسات لإكثاره وزراعته في سواحل الكويت، وقد بشرت النتائج التي تم الحصول عليها بنجاح ملحوظ يعزز إمكانية إدخال هذه الشجرة على السواحل، وقامت الدراسة حينها بعمل مسح كامل للشواطئ الطينية، ومن المعروف أنه لا يمكن استزراع نبات القرم في جميع أنواع التربة.
تقولون ان «الأبحاث» هو الجهة الأولى في الدولة التي ادخلت هذا الصنف من النبات ولكننا نلاحظ ان هناك بعض الجهات تقوم بزراعته، فهل هناك اي تعاون أو تنسيق في هذا الشأن؟
٭ قمنا بمجهود جبار لإدخال هذه الشجرة الى الخط الساحلي في البلاد وندرك تماما البذور والظروف والتربة المناسبة له، ونرحب بأي تنسيق او تعاون مع مختلف الجهات سواء «البيئة» أو «الزراعة» او القطاع النفطي، ونرحب بتوجيههم إلى أفضل البذور التي يمكن استخدامها فهناك أنواع لا يمكن أن تعيش في مياه الخليج لأنها تختلف عن طبيعة البلد المستوردة منه مثل البذور العمانية القريبة أكثر من المحيط الهندي وذلك بهدف المحافظة على التنوع الاحيائي، ونحن نشجع جميع الجهات للتوجه إلى زراعة هذه النبتة والاستفادة من توصيات المعهد بهذا الشأن، وننتهز الفرصة هنا لتوجيه الشكر لـ«البيئة» التي بادرت لزراعة بعض الشتلات في محمية الجهراء ونأمل نجاح تجربتها.
ما المردود البيئي لهده الشجرة لماذا الاهتمام بزراعتها في الكويت؟
٭ قمنا بدراسة المردود البيئي حيث تم عمل دراستين لهذا الغرض عامي 2001 و2018، وقد أثبتت هذه الدراسات أن نبات القرم لا يهدد وجود أي نبات آخر، كونه لا يعتبر منافسا للنباتات الفطرية المتواجدة في هذه السواحل، بل على العكس، فإنه يحفز تجمع الرواسب الغنية بالمغذيات المفيدة لنمو النباتات والتي بدورها تكمل الهرم الغذائي للمنظومة البيئية للسواحل لتجعلها أكثر ثباتا واتزانا، كما أن انتشار زراعتها يشكل فرصة ناجحة في مشاريع التخضير والتجميل، وقد أثبت تقييم المردود البيئي بعد زراعة القرم على السواحل إمكانية الشجرة في زيادة التنوع الحيوي وتعزيز زيادة إنتاج الأسماك والروبيان حيث تعمل كحضانات للكثير من الأحياء البحرية، كما استقطبت عددا كبيرا ومتنوعا من الطيور، علاوة على زيادة الغطاء الخضري على السواحل، تعمل هذه الأشجار على إثراء السواحل والمياه البحرية وزيادة إنتاجيتها، ومن المتوقع تحسن في جودة المياه البحرية، إضافة إلى ارتفاع معدل تكاثر الكائنات الساحلية والبحرية.
وأكدت الدراسات العالمية التأثير الايجابي لنبات القرم في تخفيف آثار التغير المناخي كما يساعد في تخفيض حدة الاحتباس الحراري، وبحسب الدراسات فإن نبات القرم يقوم باستهلاك نسبة 70% من الكربون الجوي عن مجمل نسبة الكربون المستهلك من النباتات البحرية، الأمر الذي يشجع زراعة أشجار القرم وإدراجه ضمن مشاريع التخضير والتنمية المستدامة.
ما هي المناطق التي يمكن زراعة هذا النبات فيها بالكويت؟
٭ لا بد من توافر الشروط المناسبة في المناطق التي تتم زراعة هذه النبتة لضمان نموها، لذا فقد تم اختيار المواقع على أساس توافر المواصفات المناسبة وهي: درجة حرارة الماء والهواء، وجودة الماء ونقاؤه، إضافة إلى مواصفات التربة مثل درجة الحموضة، والملوحة، وحجم حبيبات التربة، علاوة على ذلك يجب أن يكون الموقع محميا من حيوانات الرعي، وخاليا من النفايات والصخور والمواد الملوثة والبقع الزيتية ومياه الصرف الصحي، إضافة إلى معرفة حدود معدل الملوحة المقبول للصنف، كما يتعين أن تغطي مياه المد الموقع الخاص بنبات القرم ساعات كافية خلال اليوم لتنكشف مره أخرى خلال ساعات الجزر.
هل استفدتم من تجارب الدول المحيطة في زراعة هذه النبتة؟
٭ قام المعهد خلال الدراسة بجلب أنواع مختلفة من بذور وشتلات نبات القرم من عدة دول مختلفة وتم عمل المعالجات اللازمة للبذور المستقدمة لإنباتها، وأقلمتها لتحمل الظروف المناخية للكويت، ومن ثم نقلها وزراعتها في المواقع المختارة، تلا ذلك مراقبة الشتلات ونموها في الحقل، وقد تباينت الشتلات المختلفة النوع والمصدر وأثبتت النتائج أن نوع «Avicennia marina» المستقدم من بحر الخليج العربي أفضل الأنواع المتأقلمة مع الظروف البيئية للكويت، وفي عدة لقاءات مع المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية تم وضع التوصيات من قبل المعهد بعدم إدخال أنواع دخيلة من نبات القرم عن الأنواع المنتشرة على سواحل الخليج العربي، حتى لا يتسبب ذلك في التأثير السلبي على الأنواع الفطرية المنتشرة بالمنطقة.
من اين يتم استقدام بذور «القرم» وهل ممكن ان تنمو كل الأنواع في الكويت؟
٭ طبعا لا، فمنذ بداية الدراسة عام 1992 التي طالت التربة وتحديد المصدر تم جلب أصناف مختلفة من بذور نبات القرم، وكانت حينها أول تجربة ناجحة على مستوى الدولة في زراعة النباتات على السواحل الطينية حيث أوضحت نتائج هذا البحث أن السلالات القادمة من دولة الإمارات العربية ومملكة البحرين مناسبة لنجاح إنشاء مجتمعات القرم على المسطحات الطينية في الكويت بين منطقتي المد والجزر، وهذه النتيجة كانت مهمة جدا كونها المرة الأولى التي تنجح فيها الكويت بإدخال «القرم» على السواحل وإنشائها محليا، وننتهز الفرصة هنا لتقديم الشكر الى دولة الإمارات الشقيقة التي تزودنا بالبذور بشكل سنوي.
ماذا عن مشاريع استزراع نباتات القرم في الكويت وأين هي مواقعها؟
٭ من ضمن المشاريع التي نفذها «الأبحاث» حول هذه النبتة مشروع «استزراع القرم لحماية وإغناء السواحل الكويتية - المرحلة الثانية» خلال الفترة من يناير 1999 إلى ديسمبر 2001، وتم حينها إنشاء 5 مزارع تجريبية، وتوحيد تكنولوجيا زراعة أشجار نبات القرم ذي الصنف الرمادي وذلك في أحد مواقع المعهد في الشويخ، والصبية، والدوحة، والصليبخات، وتم تنفيذ المشروع بالتعاون مع «الزراعة».
انتقلتم بعد التجارب في حقول المعهد الى مرحلة الزراعة مباشرة على الشريط الساحلي فما هي المواقع التي تمت زراعة النبات فيها؟
٭ هذا الأمر تم من خلال مشروع «زراعة أشجار القرم على الشريط الساحلي - المرحلة الأولى» والذي تراوحت خلال الفترة من أكتوبر 2011 إلى مايو 2012 لاختيار المواقع الملائمة على جون الكويت ومنطقة الصبية، وتحديد مصادر لجلب شتلات وبذور نبات القرم، ثم مشروع «زراعة أشجار القرم على الشريط الساحلي - المرحلة الثانية» من مارس 2016 إلى أغسطس 2018 حيث كان من أهم أهدافه تطوير تقنية فعالة لإنتاج شتلات نبات القرم تحت الظروف المناخية للكويت.
ماذا لاحظتم من تطور في التربة ومياه البحر بعد نمو نباتات «القرم»؟
٭ تم تقدير متوسط معدل الترسيب في خليج الصليبخات ومواقع معهد الكويت للأبحاث العلمية بـ2.15 سم للسنة على التوالي، واستنادا إلى عدد من الدراسات التي تم إجراؤها، فإن عملية إنشاء الشتلات في المياه العذبة والتي تليها عملية التأقلم مع ملوحة مياه البحر باستخدام نظام التدفق التدريجي قد أثبتت فعاليتها في خفض معدل وفيات الشتلات في الحقل إلى 20%، وأثبتت تقنيات زراعة ألياف جوز الهند والوسائد المركبة مستوى مشابه من الفعالية في الحد من وفيات الشتلات وتعزيز إنشائها، كما ساهمت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في توفير تمويل جزئي للمشروع.