بقلم: المحامي عبدالرحمن العنزي
هل يمكن أن أُلام إذا وافقت على التعديلات المقترحة على قانون تنظيم مهنة المحاماة دون ان اعلم ماهية تلك التعديلات على وجه الدقة؟
للوهلة الاولى قد يبدو من الجنون ان يوافق المرء على مشروع او اقتراح بقانون دون الإلمام بنصوصه ومعرفة مبرراته وغاياته، فإذا علمنا ان قانون تنظيم مهنة المحاماة قد صدر سنة 1964، فهل هذا سبب كاف كي يدفعنا للموافقة على التعديل دون النظر في نصوصه؟ واذا علمنا ان المحاماة أصبحت مهنة من لا مهنة له فهل هذا السبب يشفع لنا الموافقة دون النظر حتى بالتعديلات المقترحة ؟
واذا أضفنا على كل ما سبق ثقتنا بمجلس إدارة جمعية المحامين وبالفرسان القائمين على التعديلات المقترحة فهل يمكن ان أُلام على الموافقة؟ بالطبع لا.
فقانون تنظيم المهنة قد مضى عليه من الزمن ما مضى ولم يعد صالحا الا للمتاحف، أما واقع المهنة فتعيس الى ابعد مدى ناهيكم عن الدهماء والطارئين على المهنة الذين ساهموا بشكل كبير في الحط من قيمة المحاماة بوصفها رسالة ومن قدر المحامي بوصفة رجل القانون، فقلبوا الأشياء حتى أمست المحاماة عملا تجاريا لا رساليا، وصار المحامي رجل بهلوان لا قانون.
ولهذا فإنه من الجنون عدم الموافقة على اي اقتراح او مشروع بقانون متعلق بتعديل قانون تنظيم مهنة المحاماة، ولو لم نعرف ماهية ذلك التغيير، لإيماننا الراسخ بأن القادم مهما كان سيئا فلن يكون اسوأ من الحالي.
***
يقال دائما ان الحقيقة مرة، وهي كذلك لأنها تخلو من المجاملات. ولهذا نشاهد في الأعمال السينمائية ان لحظة اكتشاف البطل/ة للحقيقة تكون غالبا في مشاهد درامية صادمة، فيبدو ذلك باديا على ملامح البطل، فقد يبلع ريقه لحظة اكتشافه للحقيقة أو يتلعثم وربما نراه يصمت او حتى يسقط على الأرض من هول الحقيقة.
وهذا بالضبط ما حدث لبعض اخواننا الابطال من طلبة كلية الشريعة تحديدا تخصص اصول الفقه.
فالمحاماة رسالة عمادها الحق وسماؤها العدالة، وعمل المحامي ليس بالهين اللين، اذ يتطلب الأمر منه معرفة واسعة بالقوانين والإلمام العميق باحكام تلك القوانين وذلك كله حتى يتمكن من اداء رسالته على اكمل وجه.
ولهذا، فإن المنصف يدرك حق الإدراك ان خريجي أصول الفقه غير مهيئين البتة لحمل راية المحاماة، ويجب ان نفرق هنا بين امرين مهمين حتى ينجلي اللبس، فطالب الشريعة شيء والشريعة الغراء شيء آخر تماما، فعندما نقول ان خريجي أصول الفقه غير مهيئين نقصد بذلك ان المواد التي درسوها والمقررة عليهم غير كافية لحملهم على الإلمام بالقانون بكل فروعه والغوص في نصوصه واحكامه وبالتالي ممارسة مهنة المحاماة، فالامر هنا بديهي بالنسبة لي، فلن استغرب ان قال احدهم ان طالب كلية الحقوق لا يعلم ولا يفقه بالنظريات الهندسية.
فالموضوع مهني بحت ولهذا يجب ألا نجامل بعد اليوم، فالشريعة الغراء هي بلا شك مصدر عظيم واساسي للتشريع وفيها من الفقه ومن العلم ومن الاحكام ما لم ولن يوجد في القوانين الوضعية، ولكن موقعها في نظامنا القانوني لا يتجاوز كونها مصدرا أساسيا من مصادر التشريع فقط لا اكثر، فالذي يؤخذ منها يصبح قانونا وملزما، والذي لم يؤخذ منها يبقى كما هو في قلوب الناس او في بطون الكتب لا اكثر.
فلا يحاول احد ما بجهل منه ام بخبث تصوير رفض البعض لانضمام طالب الشريعة لمهنة المحاماة كأنه رفض للشريعة ذاتها! فذلك هو البهتان.
***
اذا كنت قد تعلمت من حكومتنا الرشيدة شيئا يذكر فقد تعلمت منها التناقض في بعض الاحيان، لذا اسمحوا لي بأن اتناقض مع نفسي قليلا، وذلك كله بغرض تحقيق المصلحة العامة، لذا دعونا على الاقل نبحث عن الطريق الثالث، وهو الطريق الذي يحفظ لمهنة المحاماة وقارها وفي الوقت نفسه يحقق الرضا في نفوس زملائنا خريجي اصول الفقه وغيرهم، ولهذا اقترح ان يوضع اختبار للقبول في مهنة المحاماة على غرار الاختبارات التي تضعها النيابة العامة او الادارة العامة للتحقيقات او إدارة الفتوى والتشريع لمتقدميها، فممارسة مهنة المحاماة ليست اقل شأنا من تلك الإدارات، ولا أبالغ ان قلت ان عمل المحامي اكثر خطورة مما سبق، وذلك بديهي أن المحامي لا يملك ربع الضمانات والحصانات والامتيازات التي يمتلكها موظفو تلك الإدارات.
وعلى الرغم من ذلك يبقى عمل المحامي حجر الاساس في المنظومة القضائية، فالمحاكمات الجنائية تبطل دون وجود المحامي وأغلب المبادئ المستقر عليها في النظم القضائية كان اساسها دفعا لمحام ابداه في اول درجة وتمسك به حتى استجابت له المحاكم العليا فصاغته مبدأ قضائيا يسري على الكافة.
فإذا كنا صادقين وأردنا منح مهنة المحاماة القيمة الحقيقية التي تستحقها، فلا مناص من وضع اختبار قانوني شامل يكون اساسا للقبول لكل من اراد ان يحمل راية المحاماة ويتوشح السواد في اروقة المحاكم، سواء كان قد تخرج في كليات الحقوق او من كليات الشريعة.. فتلك هي العتبة الاولى.. وذاك هو الفيصل!
لافتة: لدي زملاء واخوة من المحامين خريجي اصول الفقه اتشرف بهم واحييهم، ولا اشك ابدا في قدراتهم القانونية، لأنني اعلم انهم لم يكتفوا بمناهج اصول الفقه بل زادوا عليها بالقراءة وبالاطلاع على الكتب القانونية المقررة في كليات الحقوق وهؤلاء استثناء، والاستثناء لا يجوز التوسع فيه فلا تبنى الاحكام إلا على الغالب العام.
@A_al3nezi