أحمد صابر
منذ فجر التاريخ، وعبر مختلف الحضارات والثقافات، سعى الإنسان إلى معرفة المجهول واستشراف المستقبل باستخدام عدة طرق منها اللجوء الى الكهنة والعرافين أو قراءة الكف والفنجان ومعرفة الطالع، يدفعه في ذلك الخوف من الغيب أو الرغبة في الاستعداد لما هو آت، ومع التطورات الهائلة التي أحدثتها التكنولوجيا المتسارعة في حياتنا اليومية وتغلغلها بشتى المجالات، نمت تلك المسألة لدى البشر وأصبحت أكثر إلحاحا، ومن أحدث ما رفدتنا به تلك التقنيات، تطبيق «Face App» أو «تحدي العمر» الذي اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وجذب مئات الملايين من مستخدمي «السوشيال ميديا»، معتمدا على استخدام «الذكاء الاصطناعي» في جعل الشخص شابا أو مسنا عن طريق تقنيات معينة لتغيير ملامح الوجه الى ما قد يكون عليه في المستقبل.
ونظرا لسهولة تحميل واستعمال «Face App» - الذي ملأ الدنيا وشغل الناس - فقد تم استخدامه في معظم أنحاء العالم وبشكل أكبر في الدول العربية وأوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا ليصل عدد مرات تنزيل التطبيق الى 700 ألف يوميا، كما تصدر هاشتاغ «#صورتك- وانت شايب» ترند «تويتر» مؤخرا ولاقى تفاعلا غير مسبوق من المغردين، لتتنوع التعليقات ما بين السخرية والفكاهة والدعوة إلى التفكر والتأمل في اختلاف المراحل العمرية للإنسان ومنها: «صحيت الصبح لقيت تويتر كله طلع على المعاش»، «فيس ده والا دار مسنين»، «مفيش تطبيق يكبر المرتبات».
ومع تباين أهداف مستخدمي «تحدي العمر» بين التسلية أو الفضول أو الرغبة في معرفة المجهول، يظهر جليا ذلك «الوجه الآخر» للتكنولوجيا «الماردة» ووسائل التواصل التي اخترقت حياتنا، - ولا يختلف اثنان على نجاحها في ذلك- حيث نرى قدرة تلك المواقع على تحويل الجميع الى نسخ بشرية متشابهة في السلوكيات والتصرفات اعتمادا على ما يعرف بنظرية «سلوك القطيع» او الانسياق وراء المجموعة، وتماهي الذات الشخصية والخصوصية الثقافية والاجتماعية مع الكل، وغياب الوعي النقدي وتحليل تلك «الصرعات» أو «الهبات» التي تنتشر فجأة عبر الفضاء الإلكتروني، ناهيك عن الهروب من الواقع إلى العالم الافتراضي، حتى تغيرت حياتنا من «واقعية» إلى «مواقعية»، فما نفعله عبر شاشات الأجهزة الذكية قد يختلف كليا عن أعمالنا اليومية!
لا يمكن ان ننكر ما أحدثته الثورة التكنولوجية والتحول الرقمي من سعادة وتأثير إيجابي في حياة الناس وتوفير للوقت والجهد وسرعة في الحصول على المعلومات وجعل العالم كـ «منزل صغير» نتنقل بسهولة بين أركانه، الا انها تظل سلاحا ذا حدين، فقد ساهمت في حدوث التصدع الاجتماعي وتقليل فرص الالتقاء بين الأهل والاصدقاء وزيادة معدلات الجرائم وخاصة الإلكترونية منها، بالاضافة الى انتهاك الخصوصية في كثير من الحالات، مما يستوجب التعامل بحذر مع تلك التطبيقات ومعرفة شروط الأمان وعدم استخدام برامج مجهولة المصدر أو منح معلومات شخصية مهمة لأي جهة غير معروفة، «فليس كل ما يلمع ذهباً».