بقلم: د.جنان الحربي خبيرة علم الحشرات والأستاذة المساعدة في قسم العلوم بالتعليم التطبيقي
تمتلك معظم الكائنات الثديية والحشرات سلاحا خفيا يعرف بالفيرمون الذي اكتشف في عام 1959، والفيرمون هو مادة كيميائية عضوية معقدة التركيب غير مرئية وليست لها رائحة، يفرزها جسم الكائن الحي في النوع الواحد لأغراض متعددة الأهداف.
رسائل الفيرمون متعددة مثل رسائل المناداة والتحذير من الخطر والتخويف وجذب الجنس الآخر للتزاوج، فخلال مواسم التكاثر تدخل ذكور الحيوانات في تنافس مستميت بدون استحياء عن طريق إفراز هذا المركب من أجل إغواء الإناث والاستحواذ عليهن بغية التزاوج بأسرع وقت ممكن للحفاظ على النسل.
وتستخدمها الإناث كدلائل عن أماكن تواجدهن للتزاوج وتلقيح البيض، وكذلك يستخدم من قبل المزارعين لجذب الحشرات الضارة ومكافحتها.
تعمل الفيرمونات في أغلب الثدييات على إرسال إشارات تحفيزية إلى منطقة تحت المهاد في المخ من خلال جهاز استشعاري صغير يعرف بالجوكبسون وهو يقع خلف الحاجز الأنفي، ومن ثم تتحفز مناطق اللاوعي في الدماغ وخاصة التي تتعامل مع المشاعر والسلوك الحسي، فتنشط الهرمونات الجنسية لدى الجسم المستقبل.
ظننت أن الإنسان بإمكانه أن يجذب الطرف الآخر بلباقته وسحر لسانه وشدة ذكائه وكياسته وحسن مظهره (كشخته)، لكن العلم في أغلب الأحيان له رأي مخالف ويواصل دائما مفاجأتنا، خاصة بعدما أكدت الدراسات العلمية أن هناك روائح معينة جاذبة يتأثر بها كل من الرجل والمرأة.
تداولت منذ فترة وجيزة في الصحف وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أخبار غير مؤكدة عن وجود فيرمونات لدى البشر وظيفتها تحفيز الهرمونات الجنسية لدى الجنسين فيقعان في الحب والغرام، وأصبح البعض يطلقون على هذه الفيرمونات اسم فيرمونات الشريك وأفيون الحب والغرام.
وبعدما شاع خبر اكتشاف الفيرمون البشري، راجت تجارة بيع العطور والزيوت المشبعة بالفيرمون المثيرة للرومانسية تحرك الوجدان العاطفي للجنسين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والأسواق الإلكترونية التجارية مدعين أن تلك العطور تحتوي على نسبة كبيرة من فيرمون الحب السحري البشري الذي يهيج الرومانسية ويدغدغ المشاعر ويداعبها.
وكما هو معتاد، تعد الأنثى الضحية الأولى لتلك الظاهرة الرومانسية فتجدها في الصفوف الأولى في معارض العطور ومراكز التجميل لشراء عطور الحب والإخلاص والمودة من أجل استقرار حياتها وسعادتها الزوجية.
حقيقة الفيرمون البشري
أولا، بالرغم من أن هناك أدلة تشير إلى وجودها مثل رائحة المرأة أثناء الحيض، وكيف يتعرف الطفل الرضيع على والدته وسبب اشمئزاز المرأة من رائحة زوجها أثناء الحمل، ولماذا تقل نسبة هرمون التستيرون لدى الرجل بعد أن يشتم رائحة دموع المرأة، ولكن إلى يومنا هذا لم يتوصل العلماء إلى فيرمونات بشرية للبيع.
ثانيا، الجهاز الاستشعاري الجوكبسون الذي يستقبل الفيرمون لا يعمل لدى الإنسان وانقرض حجمه مع مراحل تطور الإنسان.
وأخيرا وهي حقيقة علمية أن تأثير الفيرمون يكون عاما ويشمل أعدادا كبيرة من الأفراد من النوع الواحد ولا يخص فردا واحدا فقط.
وقد أجمع العلماء مؤخرا على احتمالية وجود فيرمون بشري في إفرازات العرق أو الغدد التناسلية وقد يمتلك تركيبة كيميائية متشابهة نوعا ما مع النوع الموجود في الفئران والخنازير وبعض الثدييات، ولكن لم يتوصلوا إلى تعريف موحد لماهيته وآلية عمله وطرق استخلاصه ليدخل في أسواق العطور.
وعلق الكثير منهم على أن الأبحاث المتعلقة بالفيرمون البشري غير مضمونة وشائكة ومثيرة للجدل لأنها تعتمد على المرحلة العمرية والحالة الصحية والجنسية وتفاوت حاسة الشم لدى البشر.
كل ما يباع من عطور في الأسواق والمعارض التجارية ويقال إنها تحتوي على فيرمونات من المؤكد أنها ليست من مصدر بشري، وأغلب مصادر الفيرمونات التي توضع في العطور هي في الواقع مستخلصة من نباتات عطرية وعبق الأزهار وبعضها قد يكون مصدره من الثدييات مثل الفئران والأرانب والخنازير.
ولا يخفى عليكم أن هناك العديد من الفيرمونات التي تباع سرا في السوق السوداء على أنها تثير الرغبة الجنسية ولكنها في الحقيقة ضارة جدا على صحة الإنسان وقد تتسبب في أعراض جانبية وخيمة.
أتساءل: هل نشتم الحب؟ هل الرومانسية والجاذبية في الفيرمون؟
من دون أدنى شك الانجذاب لأشخاص محددين لا ينحصر برمته على تأثير الفيرمونات العطرية فهو يرتبط بمجموعة من العوامل كالملامح والأوصاف والتوافق في الشخصيات والأناقة (الكشخة) والمؤهل التعليمي لكل من الطرفين. ولكن تظل دائما رائحة الحبيب مميزة وخاصة عندما نشتم ملابسه فنغمض أعيننا تلقائيا ونتنهد ونبتسم.
من الآخر، الفيرمون البشري غير متوافر حاليا وسوق الخرافات مكتظ بالزبائن هذه الأيام.
وقد أصبحت خرافات السوشيال ميديا تتجاوز نطاق ومفهوم العلم ولن تجعلكم تحققون أهدافكم وستعوق نجاح علاقاتكم.