- جهود الأمير الشيخ جابر والأمير الوالد الشيخ سعد رحمهما الله تركت أثراً كبيراً في العالم أجمع وفي نفوس الشعب
- كنا في مصر نعمل وندرس حتى لا نضيَّع السنة الدراسية على الطلبة وهكذا كانت فرحة العودة لا توصف ولا يعرفها إلا كل من هجر من بلاده وعاد إليها منتصراً
- كنا نؤمن بأن الظالم مدحور.. والله سينصر الحق وسيعيد الكويت إلى أهلها
- تم دمج عامين دراسيين معاً بعد عودتنا لبلدنا حرصاً على مصلحة الطلبة
- سجدت شكراً لله عندما سمعت نبأ تحرير الكويت وتبادلنا التهاني بالنصر على المعتدي
- سفارتنا بالقاهرة لعبت دوراً مهماً في دحض حجج المقبور صدام حول احتلال الكويت
دارين العلي
لم تكن أشهر الاحتلال العراقي الغاشم مجرد فترة سوداء على الكويت، بل كانت بقسوتها وبشاعتها أكبر من أن توصف في مرارتها على كل من أحب هذه الأرض الطيبة، أمام طعنة الغدر والنكران في فجر الثاني من أغسطس عام 1990 من المقبور صدام حسين، الذي لم يجد لوشائج الأخوة والجيرة والنسب والدين والعروبة أي رادع عن مخططه الدنيء لاستهدف كيان وسيادة الكويت، محاولا محوها من خارطة العالم وضمها إلى العراق، فأطلق العنان لزبانيته وجنوده ليمارسوا كل فنون الوحشية على أرض الكويت الطاهرة، ويرتكبوا أبشع صور التعذيب والسرقات والتخريب بوطننا الغالي، لكن بفضل المولى عز وجل، ومع الالتفاف خلف قيادة حكيمة من آل أسرة الصباح، وبالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، عادت الكويت حرة أبية عزيزة مستقلة.
وفي شهر التحرير، شهر الأعياد الوطنية، حرصت «الأنباء» على الغوص في ملف تلك الفترة العصيبة، بمجموعة من اللقاءات الخاصة مع شخصيات كويتية كانت شاهدة عيان على محنة أهل الكويت سواء في الداخل أو الخارج، لنقدم صورة متكاملة عن كيفية تعامل الكويتيين مع تلك المحنة، وكيف تكاتف المواطنون خلف قيادتهم ليقدموا للعالم أجمع واحدة من أروع صور الولاء والانتماء، وليقوم كل منهم بدوره حتى علت كلمة الحق مدوية في وجه الطغاة، لتهب مختلف الشعوب إلى نصرة قضيتنا العادلة.
شهادات حصرية من أصحابها نسترجع بها أصعب مرحلة مرت على تاريخ الكويت ولنأخذ منها العبر والعظات ولننتبه إلى أن تكاتفنا خلف قيادتنا السياسية سيظل سلاحنا القوي في وجه أي تحديات.
بفيض من التأثر وكلمات خالطتها غصة الذكريات، استذكر النائب السابق حمود الحمدان اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماه أرض الكويت بعد تحريرها من الاحتلال العراقي عائدا من مصر، حين استقبله والده الذي أبى أن يخرج من الكويت طوال فترة الاحتلال.
ولا يمكن لأي شخص عايش فترة الاحتلال والتحرير إلا أن يعرف حق المعرفة جميع المشاعر التي تختلج في الصدور حين استحضار تلك المرحلة بدءا بالصدمة ثم المقاومة والاستشهاد والأسر والألم ونشوة النصر وفرحة العودة التي تحدث عنها الحمدان في لقاء خاص مع «الأنباء» لسرد جميع المواقف إبان تلك الأوقات العصيبة وحتى التحرير.
وفي حين أكد الحمدان ان التحرير نعمة من الخالق بفضل جهود القادة واصطفاف الدول الشقيقة والصديقة إلى جانب الكويت، شدد على أهمية تلك النعمة التي حرمت منها العديد من الدول والتي مازالت ترزح تحت الاحتلال.
ولعل أبرز ما ترسخ في وجدان الحمدان من تلك المرحلة هو أن الخسارة الكبرى هي خسارة النفس البشرية، فكل دمار يمكن إعادة إعماره إلا فقدان الأشخاص.. وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، عندما نتحدث عن تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، ما أول ما يخطر في بالك؟
٭ لا يسعنا عندما نتحدث عن التحرير إلا أن نستذكر نعمة الله علينا في أن أخرج الغازي من بلادنا مندحرا، وهذه من نعم الله فكم من دولة تم غزوها ومازالت ترزح تحت الاحتلال، وهذا ما يجعلنا نحمد الله على عودة الشرعية والأرض إلى أهلها، كما نشكر كل من ساهم من الدول الصديقة والشقيقة في الجهود المبذولة خلال تلك الفترة وكذلك الجهود المؤثرة التي بذلها سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وسمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله في تلك الأثناء والتي أفضت الى تحرير البلاد.
أين كنتم خلال تلك المرحلة العصيبة من تاريخ الكويت؟
٭ كنا مع مجموعة من الزملاء مثل سعود المجيبل والمرحوم علي العيد البداح وأحد أبناء أسرة آل عاشور نعمل كمشرفين على الطلاب الكويتيين في المرحلة الثانوية بمصر، وذلك باختيار الملحق الثقافي آنذاك د.عبدالله المحارب، حيث كنا نعمل على تجهيز الكتب والمنهج الكويتي للطلاب عبر تصويرها وتوزيعها للطلبة وقد استخدمنا سكن طالبات الطب في المهندسين كفصول دراسية وأكملنا المنهج الدراسي للطلبة وأجرينا الاختبارات واحتسبت لهم سنة كاملة.
وفي تلك الفترة وعندما بدأت عملية التحرير كيف كان انطباعكم حينها؟
٭ عندما تلقينا خبر بدء عملية تحرير البلاد دعونا الخالق أن يعيد الحق لأهله وكنا نتابع الأخبار ليلا نهارا حتى تحقق النصر.
هل كان لديكم إيمان بتحرير البلاد في ذلك الوقت؟
٭ منذ بدء الأزمة كنا نؤمن بأن الظالم مدحور وأن الله سينصر الحق وستعود الأمور إلى نصابها وهذا ما حصل فعلا كما أن تقهقر الغازي وتمزق قراراته كانت تدل على هزيمته، وكنا جميعا ندرك أن صدام لديه تهور وغرور وليس صاحب نظرة بعيدة المدى، كما أن الاصطفاف العالمي إلى جانب الكويت كان دليلا على أن الله لا يضيع أثر أعمال الخير التي تقوم بها الدولة وساهمت في أن يكون الرأي العام العالمي إلى جانب أهله.
خبر التحرير
أين كنتم أثناء الإعلان عن التحرير وما التصرف الأول الذي قمتم به؟
٭ كان الوقت ليلا حينها وكنت في منزلي وأول ما قمت به هو أن سجدت شكرا لله، ولهجت ألسنتنا بالشكر على ما أنعم علينا، وبدأ سيل التهاني من الأهل والجيران، وصباحا توجهنا مباشرة إلى السفارة الكويتية وكانت أجواء الفرح والتبريكات والتهاني تعم المكان، وكذلك عندما ذهبنا إلى المدرسة كان الطلاب وأهاليهم يعبرون عن سعادتهم بالنصر الذي تحقق.
هل عدتم إلى الكويت فورا أم استغرق ذلك الأمر وقتا؟
٭ انتظرنا لحين إجراء الاختبارات للطلبة وعندما بدأت السفارة بتسجيل أسماء الأسرة للعودة أو ما سمي آنذاك بـ «التفويج» سجلنا وانتظرنا دورنا للعودة، وهنا لابد أن نذكر أن خلال فترة حرب التحرير لعبت السفارة دورا مهما جدا في دحض الحجج التي كان يثيرها المقبور صدام حسين باجتماعه مع علماء المسلمين من مختلف الدول العربية وإعلانه في بيان أن حربه على الكويت حرب على الكفر في إشارة إلى التحالف الدولي، فما كان من جمعية أنصار السنة المحمدية وهي من أكبر الجماعات الإسلامية في مصر أن نشرت بيانا تؤكد فيه أن هذا الاجتماع باطل لأن حرب المقبور صدام حرب ظالم على مظلوم وليست له علاقة بالحرب بين الإسلام والكفر، فمن يرد أن يحارب أعداء الإسلام فليذهب إلى فلسطين، وقد أوصلنا هذا البيان للسفارة وكان حينها القنصل محمد الرومي والملحق الإعلامي فهد الميع اللذان قاما بتوزيع البيان ونشره في الصحف لتكذيب ما قاله المقبور صدام.
ماذا كان شعوركم عندما وطئت أقدامكم أرض الكويت لأول مرة بعد التحرير؟
٭ عدنا إلى البلاد في شهر أبريل من ذلك العام أي بعد شهر تقريبا على التحرير وكان الوالد رحمة الله مازال موجودا فيها فهو لم يغادر طوال مدة الغزو وبقي صامدا، وكان وقتها في استقبالنا مع عدد من أفراد الأسرة، وكانت فرحتنا لا توصف بأننا وجدنا الوالد بخير وبصحة تامة، وطبعا وجدنا منزلنا الكائن في الفنطاس شبه مدمر، حيث سقطت قذيفة عليه وكان الوالد موجودا بداخله ولكن العناية الإلهية أنقذته، ولا يمكن أن يعرف ذلك الشعور إلا من حرم من أرضه وأهله وبيته ثم عاد إليها بنصر وتوفيق من الله.
وكيف وجدتم الكويت بعد العودة؟
٭ كان السواد يغطي كل شيء، ولا بد هنا من القول ان كل ما تدمر وتهدم يمكن إعادة بنائه، فلا خسارة كخسارة البشر وبالتالي على الإنسان أن يتعظ بأن كل شيء زائل فمهما وصل الإنسان من قوة وجبروت فسيبقى ضعيفا وبالتالي عليه الحرص على العمل الجيد ليكون الله خير حافظ له.
عام الدمج
لو انتقلنا إلى مرحلة البناء ماذا تستذكر من تلك المرحلة؟
٭ كنت موظفا في وزارة التربية وأول ما فعلته أن ذهبت إلى المدرسة التي كنت أعمل بها في منطقة الظهر وبالمناسبة كانت المدرسة مقرا عسكريا، فقامت فرق تفتيش الألغام بتنظيف المدرسة وتأمينها ثم بدأنا بتنظيفها وبعض المعلمين كانوا يقومون بذلك بأنفسهم، واستعنا بالعمال بالأجر اليومي لإصلاح وترميم مرافق المدرسة التي كانت جاهزة لاستقبال الطلاب مع بداية شهر سبتمبر، حيث سمي ذلك العام بعام الدمج، أي تم دمج عامين دراسيين معا حرصا على عدم إضاعة عام كامل على الطلبة.
ماذا تذكرون من عودة الطلاب الى المدرسة كيف كانوا وهل تغيرت نظرتهم إلى الأمور بشكل عام؟
٭ نعم بالطبع وأكثر ما تغير هو النظرة العروبية القومية التي خفت لدى الطلبة وذلك بســبب الإحباط الذي أصيبوا به من مواقف بعض الدول العربية التي كانت متذبذبة ومراوغة، ولم تكافئ يد الخير التي امتدت إليها، ولكن مع مرور الوقت تبين أن هذه المواقف خاصة بالإدارات وليست الشعوب والتي كانت تنتظر مصالح خاصة ووعودا من قبل المقبور صدام.
هذا فيما يتعلق بالجانب المهني، فماذا عن السكن وتأمين الحياة بعد العودة؟
٭ كما ذكرت أن منزلنا قد أصيب وأقمنا في البداية في الجزء الصالح منه للسكن وبعد فترة استأجرنا منزلا وقمنا بترميم منزلنا وما زلنا نعيش فيه حتى الآن.
وما الذي لا يمكن نسيانه من تلك الفترة؟
٭ ما لا يمكن نسيانه أمور أبكتنا، زملاء لنا كانوا يعملون معنا وتم قتلهم مثل بدر رجب الفيلكاوي وعادل السعدون وعبداللطيف الحمدان وناصر الشريدة وغيرهم الكثير من الشهداء، وكذلك أسرى وسجناء، ما نقوله هنا ان الدمار يمكن إعادة بنائه ولكن قتل الأنفس وتعذيبها ووأدها، هذا ما لا يمكن تغييره، خاصة ان هذا الفعل صادر عن دولة عربية ومسلمة، وهو أمر مخز جدا أن المسلم يقتل أخاه المسلم وهذا ما يحصل حاليا في سورية، وهي من علامات الساعة أن المقتول لا يعرف فيما قتل والقاتل لا يعرف فيما يقتل بل مستأجر للقتل من جهة تحركه ولكنه لا يدرك ما يفعل.
كيف تصفون لحظة رؤيتكم لسمو الأمير الراحل يسجد على أرض الكويت عند العودة؟
٭ الأمر لا يتوقف على مسألة السجود، عندما ننظر للجهود التي بذلها سموه وسمو الأمير الوالد ما تركت أثرا كبيرا في العالم أجمع وفي نفوس الشعب الكويتي بسبب حرصهما واجتهادهما لعودة الشعب وعزته والحفاظ على كرامته، فحتى في بلاد الاغتراب والهجرة كان يتم توزيع إعاشات وتأمين سكن ومساعدة الشعب وكذلك فعلت الدول الخليجية التي كانت لها مواقف مشرفة تحمد عليها سواء السعودية أو قطر او الإمارات او عمان او البحرين وجميع مواقفهم مشهودة ولا تنسى، وخاصة السعودية التي استوعبت العدد الأكبر نظرا لمساحتها، كما أن أراضيها كانت منطلقا لحرب تحرير الكويت ومن هنا نسأل الله أن يبارك لجهود الجميع وأن تعود اللحمة الخليجية لما كانت عليه وأكثر.
ما العبرة التي تشكلت لديكم من خلال هذه التجربة؟
٭ هنا لا بد أن نؤكد أن يستذكر الجميع نعمة الله عليه وألا يظن الإنسان أنه في مأمن حال مخالفة الخالق أو ان الله غافل عما يفعل الظالمون، فيجب أن يحسن الإنسان العلاقة بالله ويحسن في إدارته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وبالتالي يجب مراعاة عدم السقوط في المخالفات الشرعية سواء السلوكية أو الأخلاقية، فمثلا هناك تجاوزات مالية وتجاوزات في الأعمال وعدم تكافؤ في الفرص وإحباط المجتهدين وهذا ما يقود إلى التأخر عن ركب التطور، ويجب أن ندرك أن الدين والتمسك به لا يأتي إلا بالخير والرفعة للبلاد والعباد.