أسامة أبوالسعود
في وقت أعادت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التأكيد على عدم فتح المساجد لأداء صلاة الجمعة على أن يختم المؤذنون الأذان بعبارة «صلوا في بيوتكم»، نقل تلفزيون وإذاعة الكويت ثاني خطبة جمعة - بعد تعليق استمر ٣ اشهر - وذلك بحضور العاملين بالمسجد فقط ودون جمهور المصلين استجابة لتعليمات الجهات الصحية وقرارات وزير الأوقاف.
وخطب وزير العدل ووزير الأوقاف السابق د.نايف العجمي الجمعة أمس بعنوان «انتظار الفرج» والتي تتضمن التأكيد على ان فرج الله قريب بإذنه تعالى، مصداقا لقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)، والدعاء الى الله عز وجل ان يرفع هذا الوباء عن الكويت والعالم أجمع.
وفيما يلي نص خطبة الجمعة التي أعدتها لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة بمكتب الشؤون الفنية - قطاع المساجد بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية:
ان الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه وسلم تسليما كثيرا (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون ـ آل عمران: 102)، (ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا ـ النساء: 1)، (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ـ الأحزاب: 70 و71).
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله،
لقد شاء الله تعالى ان تكون الحياة الدنيا دار امتحان واختبار، وجعلها جل جلاله قنطرة عظة واعتبار، ففيها افراح واتراح، وآمال وآلام، وفيها صحة واسقام، وهكذا جبلت، فمن رام منها غير ذلك فقد عوّل على المستحيل، وخالف سنة الله سبحانه وتعالى في كل خلق وجيل، (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا ـ الملك: 2)، وان حال المؤمن عند المصائب يختلف عن غيره من الناس، اذ يقابل الابتلاءات بالصبر عليها، واحتساب الاجر فيها، وبالتزام التضرع والدعاء، طلبا لكشف الضر والبلاء، وبانتظار الفرج من الله عز وجل، فيما يخاف وفيما يؤمل، فهو يحقق شطري الايمان: الصبر والشكر، كما في حديث صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله خير، وليس ذاك لأحد الا للمؤمن، ان اصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وان اصابته ضراء صبر، فكان خيرا له (اخرجه مسلم).
أيها المسلمون،
إن المسلم اذا اصيب بمصيبة فصبر واحتسب الأجر بثباته، اثابه الله وكفر عنه من سيئاته وخطيئاته، واذا انتظر الفرج من الله الغفور الرحيم، اثيب على انتظاره بالاجر العظيم، لأن انتظار الفرج حسن ظن بالله عز وجل، وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى عمل صالح يثاب عليه المؤمن، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: انا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء»، وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان الله عز وجل قال: انا عند ظن عبدي بي، ان ظن بي خيرا فله، وان ظن شرا فله» (أخرجهما احمد وابن حبان وصححهما الألباني)، ولعل من العبادة انتظار الفرج، لأن فيه ثقة بالخالق المقدر، وحسن ظن وقوة رجاء بالبارئ المقتدر، فانتظار الفرج انتصار على اليأس والقنوط، وحرص على العمل من الرد والحبوط (إنه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون ـ يوسف: 87)، (قال ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون ـ الحجر: 56)، وفيه تصديق لخبر رب السماء (ان مع العسر يسرا ـ الشرح: 6)، وتسليم لوعد الله واطمئنان لسنته في خلقه تبارك في علاه، (سيجعل الله بعد عسر يسرا ـ الطلاق: 7)، وتشوّف الى لطفه بعباده ورحمته (ان رحمة الله قريب من المحسنين ـ الاعراف: 56)، ويقين برعايته للمؤمنين وولايته (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ـ البقرة: 257).
وانتظار الفرج: ثقة بالله في رفع البلاء، وكشف الضر، وفي استجابة الدعاء واجابة المضطر (أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض أإله مع الله قليلا ما تذكرون ـ النمل: 62).
بارك الله لي ولكم بالوحيين، ووفقنا لهدي سيد الثقلين، اقول ما سمعتم واستغفر الله العلي العظيم، واستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، واهب النعم ومزيل النقم، واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له، لا يكشف البلاء ولا يدفع الداء ولا ينزل الشفاء الا هو سبحانه ذو الجلال والكرم، واشهد ان محمدا عبده ورسوله، سيد العرب والعجم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد،
فاتقوا الله الذي خلقكم، واستعينوا على طاعته بما رزقكم، واشكروه على نعمه كما امركم، يزدكم من فضله كما وعدكم.
إخوة الإسلام،
ان انتظار الفرج بعد الشدائد من خُلق الصالحين، واتجاء ثواب الله عند المصائب من صفات اهل اليقين، وما من شدة الا وبعدها فرج من الله للمضطرين، ولا عسر الا ويعقبه يسر لعباد الله المحسنين، فهذا خليل الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام بلغت به الشدة ذروتها حين ألقاه قومه في النار، فجعل الله حسيبه فنجاه الله من النار ورد عنه كيد الفجار، وهذا نبي الله يعقوب طال صبره على بلواه في ابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام، ولكنه لم يقنط بل أمّل ورجّى فرد الله عليه بصره واتاه بأبنائه الثلاثة الكرام، وهذا نبي الله ايوب صبر حتى ضُرب به المثل في التحمل والاصطبار، ففرّج الله له وكشف ما به من الضر وآتاه اهله ومثلهم معهم بعد جميل الصبر وطول انتظار، وهذا نبي الله يونس التقمه الحوت، فدعا ربه فاستجاب له ونجاه من الغم والموت (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ـ الأنبياء: 86 و87).
وهكذا هي سنة الله الماضية في عباده من النبيين والصالحين، وليس بخاف عليكم ما كان لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام ولصحبه الكرام من السعة بعد التضييق، ومن اليسر والفرج بعد العسر والضيق، كما في غار ثور ووقعة بدر الكبرى، وفي فتح مكة ويوم حنين وغزوة مؤتة، وفي غيرها من المواطن التي فرّج الله فيها لعباده المؤمنين، واستجاب فيها ضراعات الملهوفين ودعوات المضطرين.
معشر المؤمنين،
من اراد الفرج بعد الشدة، فلا مناص من ان يعد العدة، ومن ذلك ملازمة الدعاء مع حضور القلب واظهار الافتقار، فعن ابي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوات المكروب اللهم رحمتك ارجو، فلا تكلني الى نفسي طرفة عين، واصلح لي شأني كله، لا اله الا انت» (اخرجه احمد ابو داود وحسنه الألباني)، وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه ان يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء» (اخرجه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني)، ومن اراد استجابة الدعاء ورفع البلاء فليكثر من العبادة والطاعة في الرخاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده امامك، تعرف اليه في الرخاء يعرفك في الشدة.. واعلم ان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وان النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا» (اخرجه احمد وصححه الألباني).
وتقوى الله تعالى في فعل مأموراته، واجتناب منهياته، والصبر على ابتلاءاته: فرج ومخرج من كل هم وضيق، قال جل شأنه (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)، وقال سبحانه (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا)، وقال عز من قائل (ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا)، فاذا اشتد الكرب، وعظم الخطب، كان الفرج حينئذ قريبا بإذن الله، فإن البلاء لا يدوم، وفرج الله لعباده محتوم:
عسى فرج يأتي به الله إنه
له كل يوم في خليقته امر
عسى ما ترى ألا يدوم وأن ترى
له فرجا مما ألح به الدهر
اذا اشتد عسر فارج يسرا فإنه
قضى الله ان العسر يتبعه اليسر
اللهم ارفع عنا البلاء والوباء والغلاء، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا واهلنا ومالنا، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين ايدينا ومن خلفنا، وعن ايماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بك ان نغتال من تحتنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمين، الاحياء منهم والاموات، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، إنك قريب سميع مجيب الدعوات، اللهم وفق اميرنا وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهما للبر والتقوى، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.