بقلم:خليفة محمد خليفة الخليفة
إن المتأمل في نص المادة الـ26 من الدستور الكويتي يدرك ان التعيين في الوظائف العامة قد جعله الدستور مقصورا على المواطنين فقط، وجعل اللجوء لتعيين الاجانب هو استثناء على الاصل العام وفي الحالات التي يحددها القانون، وبالتالي يكون الأصل الدستوري بإسناد الوظائف العامة للمواطنين فقط، حيث ورد في الفقرة الاولى من المادة المشار اليها ان الوظيفة العامة على وجه العموم «واجب وطني»، فما بالنا بالوظائف القضائية؟ وعلى ذلك، لا يجوز التوسع في الاستثناء او اللجوء إليه كأصل عام وإلا كان في الأمر مخالفة دستورية صريحة، واننا نرى ان التوسع في الاستثناءات سمة من سمات الادارة الكويتية في شتى المجالات في الدولة، وان المشرع في ستينيات القرن الماضي عندما شرع الاستثناء جوازا كان آخذا بعين الاعتبار قلة المواطنين الحاصلين على المؤهلات العلمية التي تخولهم التدرج بالسلك القضائي، وكان يرى ان الاستثناء بتعيين الوافدين سيتلاشى تدريجيا مع مرور الوقت، لو يعلم من سبقونا في صياغة الدستور اننا نطبق الاستثناء ونستثني الاصل العام كما من يطبق السنة ويترك الفرض فسيعلم علم اليقين بالممارسة المخالفة للدستور.
وقد نصت المادة الـ19 من مرسوم تنظيم القضاء رقم 23 لسنة 1990 في الفقرة الثانية منها على انه يشترط في من يتولى القضاء ان يكون كويتيا فإن لم يوجد جاز تعيين من ينتمي بجنسيته الى إحدى الدول العربية، وهذه المادة في اعتقادنا لم تلتزم الضابط الدستوري الوارد في المادة الـ 26 من الدستور، حيث ان الشرط الوارد من الاتساع والعمومية ما ينزلها منزلة عدم التحديد (لمحددات تعيين القضاة الوافدين).
حيث ان كونه يحمل جنسية احدى الدول العربية ليس معيارا جامعا مانعا لشغل الوظيفة القضائية، وهل يعقل ان هذه المادة تُطبق الى وقتنا هذا بعد وجود الكثير من الكويتيين الذين يحملون الشهادات العليا وأصحاب اختصاص من المواطنين، لأن المادة قد حددت بوضوح «فإن لم يوجد جاز تعيين..»، وفي ضوء تلك النصوص الدستورية والقانونية لنا ان نتساءل عن مدى قانونية، بل دستورية، تعيين القضاة الوافدين في القضاء الكويتي، وهذه التساؤلات التي سنطرحها وتشغل اذهاننا تنطلق من حرصنا على المصلحة الوطنية وإخلاصنا للقيم والمبادئ التي تعلمناها، وأتمنى ان اجد من القائمين وذوي الاختصاص الاجابة أو إيضاح تلك التساؤلات:
أولا: لماذا لم يتضمن مرسوم تنظيم القضاء ضوابط وشروطا مفصلة لتعيين القضاة الوافدين؟ لأنه استثناء على الاصل العام لا يجوز اللجوء إليه الا عند الضرورة وبضوابط معينة وإلا يكون هذا المرسوم غير دستوري لكونه لم يضع ضوابط او محددات لتعيين الوافدين في القضاء، كما اشترطت المادة الـ26 من الدستور.
ثانيا: هل يجوز تعيين رجال القضاء الوافدين عن طريق التعاقد؟ وهل المبادئ التي تحكم اعمال القاضي من حيادية واستقلالية تتماشى مع علاقته بمرفق القضاء عن طريق التعاقد في حين ان القانون المصري هو قانون دولة القاضي الوافد، مع كامل احترامنا وتقديرنا لهم، لا يسمح بأن يتم شغل العمل القانوني داخل الهيئات او المؤسسات الحكومية عن طريق التعاقد نظرا لطبيعة الاعمال القانونية وحاجتها الى الديمومة والاستقرار الوظيفي، وهو ما أكدته واستقرت عليه احكام المحاكم المصرية العليا، فإن لم تسمح القوانين المصرية بالتعاقد مع الوظيفة القانونية (كباحث قانوني) فما بالنا نحن نجيز التعاقد مع وظيفة القاضي التي هي اخطر وهي التي احوج الى الاستقرار والديمومة الوظيفية؟.
ثالثا: ألم يكن وجود قاض اجنبي في المحاكم المصرية (المحاكم المختلطة) سمة ومظهرا لوجود الاستعمار والاحتلال في مصر ولقد زال هذا النظام منذ زمن بعيد عندما اجتمعت الإرادة المصرية لتحرير محاكمها من التدخل الاجنبي، مع فارق التشبيه بين الواقع المصري الذي كان تحت الوصاية والاحتلال وبين الأمر الواقع في الكويت من الوجود العربي في مرفق قضائنا، الأجدر بنا ان نتحرر من النظام القضائي المختلط في الكويت.
رابعا: أليس من الشروط البديهية لأي نظام قانوني لتولي الوظائف القضائية شرط الكفاءة العلمية وهو ان يكون المتقدم لشغل الوظيفة القضائية حاصلا على اعلى التقديرات العلمية وخريج جامعات معترف بها من الجهات المختصة في الكويت التي يعمل في ظل قضائها، فهل تم تطبيق تلك الضوابط التي يتم تطبيقها على رجال القضاء الكويتيين على القضاة الوافدين، وكلنا نعلم دور المحسوبيات والواسطات وغيرها في تعيينات القضاء المصري، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ان التقدير في شهادة الليسانس لبعض رجال السلك القضائي بين «جيد» و«مقبول»، وهذا الأمر غير مقبول على الكويتي الذي يريد ان يتقدم للسلك القضائي، فكيف يسمح للوافد ويترك ابناء الوطن ممن يحملون اعلى من تلك التقديرات والشهادات؟ فلماذا ولمصلحة من يتم التغافل عن تلك الامور والضوابط عند تعيين القضاة الوافدين في مرفق ذي خصوصية شكلا وموضوعا ويمثل احد المقومات الاساسية للدولة؟ ولماذا يتم الكيل بمكيالين؟ والى متى هذا التناسي والتغافل للكفاءات العلمية والمهنية والوطنية في بلدنا؟
يقول الله تعالى (مالكم كيف تحكمون ـ الصافات: 154).