فجع الشعب الكويتي وكل محبي الكويت يوم الثلاثاء الماضي 29 سبتمبر بوفاة سمو الامير الراحل الشيخ صباح الاحمد قائد العمل الانساني بعد مسيرة حافلة بالعمل السياسي الوطني والديبلوماسي قاربت السبعة عقود، فكان عضوا في اول عمل تنفيذي في الكويت عام 1954 قبل الاستقلال وذلك في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد اليها تنظيم مصالح الحكومة والدوائر الرسمية، ثم عين عام 1955 رئيسا لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبعد الاستقلال عام 1961 السنة التي فجر فيها القائد حامد ادريس عواتي الكفاح الاريتري المسلح في موطني، تقلد سمو الشيخ صباح الأحمد وزارة الاعلام ثم وزارة الخارجية التي ادارها بكل حنكة وديبلوماسية لاربعة عقود متعاقبة، ويعتبر احد الذين تقلدوا هذا المنصب لاطول فترة في العالم، اضافة الى صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل.
ويعتبر سموه اول من رفع علم الكويت فوق مبنى هيئة الامم المتحدة عقب الموافقة على الانضمام اليها عام 1963، وفي فترة ريادته للديبلوماسية الكويتية كان له القدح المعلى في المنطقة في التوسط ورأب الصدع بين الاشقاء والجيران، واذكر هنا بعض النماذج لدوره الفاعل في اطفاء الشرارات وحل النزاعات، اذ ساهم في ابرام اتفاق السلام بين شطري اليمن لوقف الحرب الاهلية بينهما وذلك في عام 1972، كما تولى وساطة ناجحة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن لتخفيف حدة التوتر بينهما في عام 1980، وقبل ذلك شارك في جهود تسوية الصراع المسلح الذي اندلع بين الجيش الاردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية عام 1970، كما كان له دور في حل النزاع بين باكستان واقليم البنغال عام 1971.
وكانت لسموه مواقف مشرفة نحو القضية الاريترية، فقد كان للديبلوماسية الكويتية الموقف الواضح والجلي حيال القضية الاريترية واعتبرتها قضية عادلة، واهم موقف للامير الراحل كان تبنيه مناقشة القضية الاريترية في احدى جلسات الجمعية العمومية للامم المتحدة وعرضها في المحافل الدولية كقضية عادلة، هذا الموقف الشجاع اضاف بريقا للقضية وزاد البعد الدولي الى بعدها الاقليمي، بالاضافة الى ذلك كان يستقبل قيادات الثورة الاريترية اثناء زياراتهم للكويت وكان يستمع اليهم باهتمام ويؤكد مجددا على موقف الكويت الملتزم تجاه القضية.
ومن هذا المنطلق، كانت الكويت تقدم المساعدات في مختلف المجالات المهمة، ومنها الدعم المادي والعيني والعسكري والثقافي، كما قدمت لعدد من ابناء اللاجئين الاريتريين المنح الدراسية في مختلف المراحل، وتخرج عدد لا يستهان به من الاريتريين في مختلف التخصصات من المعاهد العليا والجامعة الكويتية. بالاضافة الى معالجة جرحى حرب التحرير، كما ان العمال الاريتريين كانوا معفين من قانون الاقامة.
والكويت تحت قيادة الفقيد الراحل حافظت على مبدأ الحياد ودعم المبادرات الانسانية في حل الازمات والنزاعات في معظم المناطق المتصارعة، ومنذ ان ظهرت الازمة الحالية بين قطر والدول العربية الاربع تزعم سموه العمل الديبلوماسي وبذل ما بوسعه من جهد لنزع فتيل الصراع، وبرز دوره جليا في وساطة مجلس التعاون الخليجي، وكان يسعى من اجل اعادة وحدة الصف الخليجي وشهدت الكويت طفرة اقتصادية وحركة بناء غير عادية للبنية التحتية بشكل عصري والمدينة الحديثة، وانني على ثقة تامة بأن الشعب الكويتي سيواصل المسيرة في خط الفقيد وفاء وتقديرا لمكانته الخاصة لدى ابناء الكويت.
فالانسان مواقف وكلنا سنرحل عن هذه الدنيا ولكن السيرة التي نتركها هي التي تذكرنا بها الاجيال المتعاقبة، ولسمو الشيخ صباح الأحمد تاريخ حافل بقيم انسانية وذكرى عطرة.. تاريخ ناصع البياض شيده بعرقه في مسيرته التي قاربت السبعين عاما، فكان امير العطاء والوفاء والنخوة والإباء.. فقيدنا كانت له مكانة خاصة لدى الجميع من خلال مواقفه السياسية والانسانية، ونحن في اريتريا سنفقده.. سنفقد مناصرته للضعيف ووقوفه مع المستضعفين.. سنفقد شخصيته الطيبة المتواضعة.. ونشارك اخواننا واشقاءنا في الكويت الفقد الجلل.. ففقده في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة فقد لا يعوض.. ندعو له بالرحمة والمغفرة وان يتقبله المولى عز وجل قبولا حسنا وان يجعل جميع مساعيه الخيرة في ميزان حسناته مع الصديقين والشهداء، وحسن اولئك رفيقا، وانا لله وانا اليه راجعون.