- فلنحمد الله تعالى على استبدال التباعد الاجتماعي المفروض بتقارب أسري محمودلجأنا إلى الله في الشدة فهل ننساه في الرخاء؟!
- ليكن الإصلاح قاعدة الحياة ومنهجها وليس شعاراً يردد
- من أهم دروس هذه الجائحة الكونية اجتناب الظلم والبغي بشتى صوره وأشكاله وترسيخ العدالة على المستويات الفردية والاسرية
- بلاء عام للبشر مؤمنهم وكافرهم أما المؤمنون فهم الأولى بالاتعاظ والاعتبار
أفرزت أزمة فيروس كورونا العديد من العبر والعظات والحكم التي يمكن ان يستفيد منها المسلمون ويتفكروا في رحمات الله، وان يتطهروا من الذنوب والمعاصي، وان يسارعوا في الخيرات ويحمدوا الله تعالى ان أزاح البلاء والوباء. وعن العبر والعظات التي يجب ان يعلمها المسلم، يحدثنا الشيخ يحيى العقيلي، حامداً وشاكراً الله الذي كشف همنا وازاح غمنا وازال فرقتنا وجمع شملنا وأتم عافيتنا وأظهر أمننا، وقال: هنيئا لكشف الكربات وعودة الجُمع والجماعات، لقد كان بلاء عظيما وكربا شديدا، وآية عظيمة من آيات الله ورسالة ربانية من الجليل جل في علاه، والذي قال لعباده (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا).
ظهور البلاء
وأضاف: لقد طغت البشرية وظلمت وبغت على بعضها، وتجبرت، وفشا الظلم وتمدد وانتشر البغي وتعدد، وانتشرت الاباحية وعم الفساد، ومجدت المادية وأطل الالحاد، فجاء هذا البلاء وعم هذا الوباء، قال تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ـ الروم: 41).
أعظم بلاء
وعن رؤيته لانتشار هذا الوباء، قال: ما مر على البشر مثل هذا الوباء في سرعة انتشاره وسعة امتداده، وما سلم منه بلد، ولا أمنه احد، فيروس لا يرى بالعين حجر على العالم بأسره، فتت الاتحادات وفرق المجتمعات وبدد القوى العظمى، فتلاشت قواها وكشف عوارها، ودمر الاقتصاد العالمي، فضاعت المليارات وانهارت المؤسسات ومحق الربا وتبدد، اما في ديارنا فإن اعظم البلاء علينا كان في تعطيل الجمع والجماعات وحرمان المصلين من المساجد للصلوات، يرفع الأذان فلا يجاب الا في البيوت، وقد كان قرارا صائبا وفق الله اليه اصحاب القرار في بلادنا حماية وصيانة للناس.
أخذ العظة
وأكد الشيخ العقيلي أهمية تدبر هذا البلاء وأخذ العبرة والعظة منه فقال: يقول ربنا جلّ وعلا: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون - الأنعام: 42)، فيجب علينا ان نتدبر إذا اردنا إحسانا وتوفيقا، وإذا أردنا اصلاح احوالنا وسد الخلل في أنفسنا ومجتمعاتنا، وإذا اردنا ان يكون حالنا اليوم افضل من حالنا بالامس، وتساءل العقيلي: فمن الذي يتدبر عباد الله ويتعظ؟ (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، فلا يصح أبدا أن يمر علينا هذا الحدث الكوني دون حسن تدبر وجميل تفكر وشدة عزم، وحدة نظر، نستكشف مواطن الخلل في انفسنا وأسرنا، وفي مجتمعنا ومؤسساتنا وفي علاقاتنا وأخلاقنا، حكاما ومحكومين، أفرادا ومسؤولين.
احتياطات وقائية
وشدد الشيخ العقيلي على أهمية التوخي والحذر واتخاذ الاحتياطات الوقائية والطبية، ولا ينبغي التراخي او التهاون في المخالطة للأماكن المزدحمة والمساجد دون اخذ الاحتياطات اللازمة، حتى تتعافى البلاد تماما من هذا البلاء وتسلم من هذا الوباء، فإن شريعتنا الغراء تنص على أنه لا ضرر ولا ضرار، فلا يتسبب المرء في ضرر نفسه ولا غيره.
وزاد: فلنحمد الله تعالى الذي ابتلى فعافى وقدر فلطف، نعم الله علينا كانت سابغة، في بيوتنا آمنين وبين اهلينا مطمئنين، استبدلنا التباعد الاجتماعي المفروض بتقارب اسري محمود، وبتكاتف اجتماعي جميل، وتراحم مجتمعي اصيل، وبتكافل خيري نبيل فلله الحمد من قبل ومن بعد. وقال: عليكم بتقوى الله وشكره والتوبة والاستغفار قال تعالى (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون).
الظلم
وعن أهم الدروس من هذه الجائحة قال الشيخ العقيلي: اجتناب الظلم والبغي بشتى صوره وأشكاله من اهم دروس جائحة كورونا الكونية فهي من أشنع الذنوب وأعظم الجرم الذي يستنزل عقوبة الله وغضبه ونحن نستلهم العظات والدروس والعبر فكان البلاء عاما للبشر مؤمنهم وكافرهم، أما المؤمنون فهم الأولى بالاتعاظ والاعتبار (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون - القصص: 59)، فالواجب ان نتطهر من الظلم بكل صوره وأشكاله وأن نرسخ العدالة على كل المستويات، الفردية والأسرية، والمجتمعية والمؤسساتية، قال تعالى (يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون - المائدة: 8) لنتجنب الظلم في الحقوق والأموال والأعراض فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، كما يجب علينا ان نرسخ الاصلاح منهجا وسلوكا ونظاما (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)، فليكن الاصلاح قاعدة الحياة ومنهجها وليس شعارا يردد.
قاعدة الإصلاح
وانتقل الشيخ العقيلي إلى مجالات الإصلاح، اولها اصلاح علاقة العبد بربه وليراجع كل منا صلته بالله، كيف اداؤه للفرائض وبعده عن المحرمات؟ كيف التزامه بأحكام الشرع وخضوعه للحق، كيف هو تجاه الشهوات المحرمة والشبهات المضلة؟ فكما لجأنا الى الله في الشدة فهل ننساه في الرخاء؟ فبئس الحال تلك ثم الاصلاح الاسري، فكما اجتمعت الاسرة خلال الحظر فلتترسخ اواصر المودة والتراحم بين افرادها، وليعد كل فرد وأسرة تنظيم رسالتهم في الحياة.
ثم انتقل الشيخ العقيلي إلى بيان الاصلاح المجتمعي، بأن تبرز القدوات المؤهلة للقيادة المجتمعية، القدوات الجادة والمسؤولة والصادقة في وطنيتها (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)، وليؤخر الفاسدون والمفسدون، ولينحى التوافه من المشاهير ومثيري الشقاق والنفاق ان اردنا مجتمعا صالحا تسود فيه قيم الاصلاح ومبادئ الفضيلة والأمن الاجتماعي.
وأضاف، ثم اصلاح المؤسسات بسد مواطن الخلل التي تكشفت والثغرات التي انكشفت والمفاسد التي ظهرت فهذا اصلاح واجب يدرأ سخط الله وغضبه، فبه تتحقق العدالة ويسود الأمن وتتنزل البركات والخيرات، لافتا الى ترسيخ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع فهو صمام الامان الاجتماعي من شيوع المنكرات واعلان المفاسد والموبقات وهو عنوان خيرية الامة (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
معدن الكويت الأصيل
وأكد العقيلي ان التلاحم والتعاون هما عُدة اي مجتمع لمواجهة المحن بالتعاون على البر والتقوى وليس على الاثم والعدوان، وقد كشف الوباء عن معدن اهل الكويت الاصيل في الوحدة والتعاون وتحقيق اواصر المودة والتآزر، وقال هذا ما نرجوه بألا يكون في الشدائد والمحن فقط، بل في كل حين، مشيرا الى ان البذل والعطاء والتطوع اصبحت معالم للمجتمع الكويتي وأظهر الوباء اصالة عمل الخير لشعب الكويت وإيمانه بأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، مبينا ان ازمة الوباء أبرزت الاوفياء لوطنهم الأتقياء لربهم، ممن تقدموا الصفوف وتحملوا المسؤولية من جهات حكومية وأهلية.