- لا بد من التصدي لهذه الوافدات الفكرية لحماية عقول وقلوب الأمة والذود عن جناب التوحيد
كثر في الآونة الاخيرة الحديث حول العلاج بالطاقة، ولهث وراءه الجاهلون الذين نسوا معجزة القرآن ونسوا ان القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، وهذا ما اعتبره علماء الشرع قائما على الدجل والشعوذة وأكل اموال الناس بالباطل، وانه علاج ذو اصول بوذية قائم على الخرافة، وهو فلسفات إلحادية.
حول هذه القضية المهمة والتي تصدت لها د.فوز الكردي، نتعرف على ما قدمته مشكورة للتحذير من هذه الأوهام.
تقول د.الكردي: انتشر في السنوات الأخيرة في العالم ومنه عالمنا الإسلامي مصطلح «الطاقة» بمدلـولات جديدة غير التي كنا نعرفها، فليس المقصود منها الطاقة الحرارية، ولا الكهربائية وتحولاتها الفيزيائية والكيميائية المختلفة سواء الكامنة منها أو الحركيــة أو الموجية.
إن الطاقة المرادة هي «الطاقة الكونية» حسب المفاهيم الفلسفية والعقائد الشرقية، وهي طاقة عجيبة يدعون أنها مبثوثة في الكون، وهي عند مكتشفيها ومعتقديها من أصحاب ديانات الشرق متولدة منبثقة عن «الكلي الواحد» الذي منه تكون الكون وإليه يعود، ولها نفس قوته وتأثيره، لأنها بقيت على صفاته بعد الانبثاق (لا مرئي، ولا شكل له، وليسـت له بدايـة، وليست له نهاية) بخلاف القسم الآخر الذي تجسدت منه الكائنات والأجرام، وهذه هي عقيدة وحدة الوجود بتلوناتها المختلفة (العقل الكلي، الوعي الكامل، الين واليانج).
أما المروجون لها من أصحاب الديانات السماوية ومنهم المسلمون فيفسرونها بما يظهر عدم تعارضها مع عقيدتهم في الإله، فيدعون أنها طاقة عظيمة خلقها الله في الكون، وجعل لها تأثيرا عظيما على حياتنا وصحتنا وروحانياتنا وعواطفنا وأخلاقياتنا، ومنهجنا في الحياة.
وأضافت: هذه الطاقة غير قابلة للقياس بأجهزة قياس الطاقة المعروفة، وإنما يدعى قياسها بواسطة أجهزة خاصة مثل «البندول»، فبحسب اتجاه دورانه تعرف الطاقة السلبية من الطاقة الإيجابية، وبعضهم يستخدم «كاميرا كيرليان» التي تصور التفريغ الكهربائي أو التصويـر «الثيرمونـي»، أو تصوير شرارة «الكورونا»، أو جهاز الكشف عن الأعصاب ويزعمون أن النتائج الظاهرة هي قياسات «الطاقة الكونية» في الجسد في محاولة منهم لجعــل «الطاقة الكونية» شيئا يقاس كالطاقة الفيزيائية، لتلبس لباس العلم، ولتوحي ببعدها عن المعاني الدينية والفلسفات الوثنية، مستغلين جهـل أغلب الناس بهذه الأجهزة وحقيقة ما تقيس.
أسماء عدة
وتابعت د.الكردي: تسمى هذه الطاقة بأسماء مختلفة بحسب اللغة، وتمرين الاستمداد فهي طاقة «التشي»، وطاقة «الكي»، وتسمى «البرانا» و«مانا».
ويزعم مروجوها من المسلمين جهلا أو تلبيسا «أنها المقصودة بمصطلح «البركة» عند المسلمين، فهي التي تسير الأمور بسلاسة، ويستشعرها المسلم في وقتــه وصحتــه وروحانيته) وتعجب عندما ترى هؤلاء المروجين يؤكدون أنها «بركة» ليست خاصة بدين معين، ولا تختص بالمسلمين دون غيرهم، بــل ان حــظ «المستنيرين» من أهل ديـانـات الشرق منها أكبر بكثير من أكثــر المسلمين اليوم لغفلة المسلمين عن «جهاز الطاقة» في «الجسم الأثيري»، وعــدم اهتمامهم بـ «شكراته ومساراته».
وتنقسم «الطاقة الكونية» إلى طاقة إيجابيــة وهي الموجودة في الحــب والســـلام والطمأنينـة ونحوها، وطاقة سلبية وهي الموجودة في الكره والخوف والحروب ونحوها.
لذا، يطالب معتنقوها بمن فيهم من المسلمين بتصفية النفوس والعالم من «الطاقات السلبية» أي لا بد من القضاء على الكره والخوف من قلوب العالمين، والقضاء على مسبباتها من النقد والجدال والحروب، والأمر لدى المسلم في غاية الوضوح ـ بفضل الله الذي تكفل بحفظ الدين فتربت الأمة على نصوص الوحيين ـ فلا يمكن أن يقوم إيمان إذا انتهت هذه العواطف الإيمانية من قلوب المؤمنين، قال صلى الله عليه وسلم «وما الإيمان إلا الحب والبغض» وكيف تقوم العقيدة بلا ولاء وبراء، وكيف ترفع راية «لا إله إلا الله» بلا جهاد؟ وكيف تتحقق الخيرية في الأمة بلا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر؟ وقد سمى الشيخ محمد قطب هذه المشاعر في كتابه «منهج التربية الإسلامية»: الخطوط المتقابلة في النفس البشرية، وأكد بفكره النير، وفهمه لنصوص الوحيين أنه لا بد من تربية هذه «الخطوط المتقابلة» بصورة متوازنة بما أسماه التربية بتفريغ الطاقة، فلا بد أن يحافظ على الحب في النفس نابضا محركا ولا بد من تفريغه في حب الله ورسوله والمؤمنين، وحب الطاعات.
كما يجب أن يحافظ على الكره والبغض ويفرغ في اتجاه المعاصي وأعداء الله من المشركين، ولا بد من حرب على الذين يحادون الله ورسوله ـ وفق الأحكام المفصلة في مظانها ـ وإلا لما قام الإيمان ولا تم الإسلام.
ومن المؤسف أن ينخدع بفكر «الطاقة الكونية» فئات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ويتصدون لنشر تطبيقاته في المجتمع المسلم وهذه البلاد الطيبة.
مما ينذر بعودة الوثنية والقضاء على عقيدة الولاء والبراء تدريجيا.
ووجهت د.الكردي النداء في ختام حديثها الى عقلاء الأمة من العلماء في الطب والنفس والعلوم الطبيعية بالإضافة إلى علماء الشريعة والعقيدة لأخذ الموضوع بعين الاعتبار، وتوعية الناس والمؤسسات الإعلامية، والتعليمية والتربوية، والجهات الحكومية والهيئات الرقابية بحقيقة هذه الوافدات الفكرية وخطورتها على الدين والنفس والعقل والمجتمع، وضرورة التصدي لها كل بحسب تخصصه، وطريقته ومنبره فقد أخذت في الانتشار تحت مظلات متنوعة وبصور متلونة مما يتطلب توعية سريعة لحماية عقول وقلوب الأمة والذود عن جناب التوحيد.
أهل الضلال
صدق الإمام ابن تيمية عندما قال تعليقا على صنيع فلاسفة عصره في ترويجهم لهذه الفلسفات: «وهذه الاختيارات لأهل الضلال بدل الاستخارة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين، وأهل النجوم لهم اختياراتهم»، وقال مبينا حقيقة صنيع هؤلاء وما يجرونه على الأمة من خطر «كذلك كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك أو يأمرون به أو لا يوجبون التوحيد.
كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم إذ بنوه على ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع وإن صناعة الطلاسم والأصنام لها والتعبد لها يورث منافع ويدفع مضار فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له ومن لم يأمر بالشرك منهم فلم ينه عنه».
ولوج الشيطان
يقول الإمام الذهبي محذرا من طريقة هؤلاء مبينا الطريق الأمثل للصحة والسعادة والروحانية: الطريقة المثلى هي المحمدية، وهو الأخذ من الطيبات، وتناول الشهوات المباحة من غير إسراف..وقد حبب إلى نبينا صلى الله عليه وسلم النساء، وكذلك اللحم والحلواء والعسل والشراب الحلو البارد والمسك، وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى الله تعالى، ثم إن العابد العري من العلم متى زهد وتبتل وجاع، وخلا بنفسه، وترك اللحم والثمار، واقتصر على الدقة والكسرة، صفت حواسه ولطفت، ولازمته خطرات النفس، وسمع خطابا يتولد من الجوع والسهر، وولج الشيطان في باطنه وخرج، فيعتقد أنه قد وصل، وخوطب وارتقى، فيتمكن منه الشيطان ويوسوس له، وربما آل به الأمر أن يعتقد أنه ولي صاحب كرامات وتمكن!
أمر خطير
قال الشيخ سفر الحوالي: يجب علينا جميعا ان نعلم أن الأمر إذا تعلق بجناب التوحيد وبقضية لا اله الا الله وبتحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، فإننا لا بد ان نجتنب الشبهات ولا نكتفي فقط بدائرة الحرام، وهذه البرمجة العصبية وما يسمى بعلوم الطاقة تقوم على اعتقادات وعلى قضايا غيبية باطنية مثل الطاقة الكونية والشكرات والطاقة الانثوية والذكرية والايمان بالاثير وقضايا كثيرة جدا، وقد روج لها ـ مع الاسف ـ كثير من الناس، مع انه لا ينبغي ـ بحال ـ عمل دعاية لها.
اعجب كيف بعد كل هذه الحجج يتشبث المدربون بتدريبات اقل ما يقال عنها انها تافهة، فكيف وهي ذات جذور فلسفية عقدية ثيوصوفية خطيرة؟!