بقلم: أ.د.وليد محمد عبدالله العلي استاذ الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة الكويت وإمام وخطيب المسجد الكبير بدولة الكويت [email protected]
ان اعظم الجهاد: هو جهاد العبد نفسه؛ واجتهاده في اصلاح قلبه وجوارحه، وهذا انما يتحقق له بعون الله تعالى بمراتب.
ومراتب جهاد النفس أربع، فمن بلغ هذه المراتب: فقد استقام له قلبه، وانقادت له جوارحه، وبيان هذه المراتب على النحو الآتي:
المرتبة الأولى: ان يجاهد العبد نفسه على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها الا به، فيعلم العبد انه متى فات النفس هذا العلم: شقيت في الدارين.
المرتبة الثانية: ان يجاهدها على العمل به بعد علمه، والا فمجرد العلم بلا عمل: ان لم يضر نفسه، لم ينفعها.
المرتبة الثالثة: ان يجاهدها على الدعوة اليه وتعليمه من لا يعلمه، والا كان من الذين يكتمون ما انزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
المرتبة الرابعة: ان يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة الى الله واذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله.
فإذا استكمل هذه المراتب الاربع: صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على: ان العالم لا يستحق ان يسمى ربانيا، حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم: فذاك يدعى عظيما في ملكوت السموات.
وان بركة النفس انما تكون في تعلمها الخير وتعليمها، فمن كان متعلما ومعلما للخير حيث حل وارتحل؛ مستنصحا وناصحا لكل من اجتمع به فهو المبارك. قال الله تعالى اخبارا عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام (وجعلني مباركا اينما كنت).
أي: معلما للخير؛ داعيا الى الله مذكرا به؛ مرغبا في طاعته، فهذا من بركة الرجل.
ومن خلا من هذا، فلم يتصف بالتعلم ولا التعليم: فقد خلت نفسه من البركة، ومحقت بركة لقائه والاجتماع به، بل تمحق بركة من لقيه واجتمع به، لانه يضيع الوقت.
فكل آفة تدخل على النفس: انما هي بسبب ضياع الوقت، وعن ضباع الوقت يتولد فساد القلب؛ وفساد الجوارح، فمبتدأ انفراط عقد امور العبد كلها: ضياع وقته، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا).
وحفظ الوقت بمصابرة النفس مع الذاكرين الله تعالى كثيرا يتضمن اصلاح القلب بالذكر؛ واصلاح الجوارح بالاستقامة، وضياع الوقت بهجر مجالستهم: يتولد منه غفلة القلب عن ذكر الله تعالى، وتبع لهذه الغفلة اتباع الجوارح هواها، فبسبب هذه الامور الثلاثة - ضياع الوقت؛ وغفلة القلب؛ واتباع الجوارح هواها: تنفرط امورالعبد كلها.