سورة الشعراء تلك السورة التي منّ الله عز وجل فيها على عباده بنعمة كبرى وهي القرآن الفاصل بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان، والهدى والضلال، والنور والظلام.
كما مر بنا بعد ان بين الله عز وجل صفات الكافرين، بين لنا صفات عباد الرحمن ووصفهم الله بأنهم عباد له، فهؤلاء حققوا مراد الله
في أنفسهم، وبين الله تعالى ان علاقتهم مع خلقه انعكاس لعلاقتهم مع ربهم.
سورة الشعراء «مكية» عدد آياتها 227 آية تدور السورة حول أهمية توصيل الرسالة الى الناس بأحسن الوسائل المؤثرة، ففي عهد موسى عليه السلام كانت الوسيلة هي السحر، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت الشعر والشعراء ومن هنا اسم السورة.
وقد نزلت سورة الشعراء والمسلمون في أكثر وقت محتاجين إلى تعلم فن الإعلام وتوصيل الأفكار في نشر الدعوة.
الحروف المقطعة
بدأت السورة بالحروف المقطعة فافتتحت سورتا الشعراء والقصص بـ (ط س م) وسورة النمل بـ (ط س)، واسم السور توقيفي من الله سبحانه وهذه الاحرف المقطعة سر من أسرار القرآن ذكر فيها السيوطي (14) رأيا ورجح المفسرون فيها ان ما تبدأ به السورة بهذه الحروف المقطعة الا ان يكون فيها الانتصار لكتاب الله تعالى كأن الله سبحانه يقول ان هذه الحروف التي تتكون منها لغتكم وكأنها تبكيت للكافرين واعجاز للقرآن الكريم. وقال المفسرون هو نص حكيم قاطع له سر والله أعلم.
التكرار وبلاغة القرآن
يعد العرب التكرار من أساليب البلاغة، وقد تأتي السورة بالتكرار في الجملة وقد تأتي بالكلمة، ويأتي التكرار في القرآن الكريم بتأكيد معان بلاغية عظيمة، والتكرار أسلوب تعليمي يدخل الى النفوس من أبواب متعددة تفتحها بطرق مختلفة قوية حينا وبسيطة حينا آخر، مخيفة كالتهويل في (إذا دكت الأرض دكا) والتعظيم يوم القيامة (صفا صفا) وهكذا وتتكرر الآية (ان في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين) على مدار السورة وفي كل موضع وجه جديد ومعنى مختلف وهذا من بلاغة القرآن.
تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم
(تلك آيات الكتاب المبين) هذه آيات القرآن الواضح البين في نفسه المبين للحق، فهو حق ويبين الحق وهذه عظمة الله.
وهذا النبي العظيم رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله له: هل تقتل نفسك، إنهم لا يؤمنون بآيات الله الواضحة، حزنا وأسفا عليهم (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإن الهداية بيد الله وقد أديت ما عليك من التبليغ وليس فوق هذا القرآن المبين الواضح آية حتى تنزلها ليؤمنوا بها فإنه كان شافيا لمن يريد الهداية.
(إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) الله تعالى يسلي نبيه صلى الله عليه وسلم لو أراد الله لأرغمهم إرغاما على الإيمان، والله لا يريد من أحد الإيمان القسري لكن أن يكون إيمانهم باختيارهم.
تهديد من الله
(وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين) كلما جاءهم كتاب من السماء لا يقابلونه بانقياد وتسليم وانما بالاعراض والكفر، وهذا سوء الأدب مع الله تعالى، تتجدد لهم الآيات البينات ويتجدد منهم الصدود والاعراض، فإن كان اعراضهم عن الذكر المحدث، فكيف بإعراضهم عن غيره، وهذا لأنهم لا خير فيهم ولا تنفع معهم المواعظ، فقد كذبوا فسيأتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون.
كذبوا بالحق وصار التكذيب لديهم صفة لا تتغير ولا تتبدل. وهذا تهديد من الله بأداة التسويف (السين) بالدلالة على القليل (فقد كذبوا) قرب الوعد والوعيد، وهذا غاية في التهديد لما كذبوا واستهزأوا فهذه صفة اهل الباطل لأنهم لا يملكون الحق بالحجة والدليل، ولذلك المؤمن لا يسخر من أحد لأن هذا ليس من صفات المؤمنين.
آيات الله
(أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم) يبين الله تعالى في بداية السورة، القرآن العظيم الذي يتنزل على قريش والرسول بين أظهرهم فيلفتهم الله إلى هذا الكون، فهذه الحركة المعجزة الربانية وهي الإنبات لجميع اصناف النباتات حسنة المظهر النافعة.
وكم للدلالة على الكثرة من أعداد لا تعد ولا تحصى من النباتات الكونية، فهي آية توجب الانقياد والتسليم لله وقدرته، وما كان اكثرهم مؤمنين.
(وإن ربك لهو العزيز الرحيم) الذي يقهر كل مخلوق فهو عزيز عزة قوة وعزيز عزة امتناع، وهو الغني بذاته لا يحتاج الى أحد، عزيز عزة القهر والغلبة بكل الكائنات.