تتجه قلوب ملايين المسلمين هذه الأيام نحو الكعبة، وحول البيت العتيق تلتف حشود الملايين في صحن الحرم في الساحات والطوابق الثلاثية وفي جميع الطرق المؤدية للحرم، بل على امتداد قد يصل لعدة كيلومترات، جاءوا من بلاد بعيدة قاصدين وجه الله، والبيت العتيق اول بيت على البطحاء امر الله الملائكة ببنائه ليعبدوه في الأرض كما يعبدونه في السماء ويطوفون حول البيت المعمور، فكانوا اول من بنى البيت الحرام بنوه في «بكة» تلك البقعة التي عليها حاليا الكعبة لا تتعدى عدة امتار من كل جانب.
وكان بناء الملائكة للكعبة داخلا في حجر اسماعيل وكان هكذا عندما رفع الخليل ابراهيم القواعد وأعاد البناء، وظل الحال على ذلك حتى كانت اعادة قريش لبناء الكعبة، فأخرجوا هذه المساحة التي هي حجر اسماعيل حاليا وهي جزء من الكعبة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما طلبت منه ان تصلي في الكعبة فوافق وطلب ان تذهب الى بني طلحة حملة مفاتيح الكعبة الأمناء عليها الى يوم القيامة والذين نزلت فيهم الآية الكريمة (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) يوم فتح مكة عندما اراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسلمها الى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأعطاهم إياها، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم قوله المشهور لبني طلحة هي لكم الى يوم القيامة وعندما ذهبت عائشة وطلبت من بني طلحة مفتاح الكعبة وكان الوقت ليلا ابلغوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم لم يعتادوا فتح الكعبة ليلا فقال الرسول لعائشة ما معناه «اذهبي وصلي في الحجر فإنه جزء من الكعبة»، واتسع واتسع الحرم الشريف ليضم اليوم بكة كلها ومعها وحولها الحرم المكي بجماله وبركاته ونفحاته وأصبح يضم ويدخل فيه «مقام إبراهيم» وما ادراك ما المقام! انه آيات بينات، فالمقام ليس الحجر الذي رسخت عليه قدما الخليل بل هو عظات وبركات ونفحات، انه اسرار وليس مجرد قطعة من صخرة.
ان الركن والحجر الأسود قطعتان من الجنة وإن المقام كان يرتفع عليه سيدنا ابراهيم حتى تم البناء وكان ينخفض بعد ذلك وأن موقعه كان بين باب الكعبة والحجر الاسعد كما تركه الخليل ابراهيم ثم نقله الرسول الحبيب الى مكانه الحالي، وعند تحديث ساحات الحرم اشتمل على نقل المقام، مقام ابراهيم إلى مكان ابعد لإتاحة الفرصة للطائفين، وليلة التنفيذ تدخل الراحل الإمام الداعية محمد متولي الشعراوي وأبرق للسلطات السعودية طالبا عدم نقل المقام واقتنعوا برأيه وبقي في مكانه.
وباب البيت العتيق باب الكعبة ليس الملتزم، فالملتزم كما يقول العارفون يقع بين باب الكعبة والركن أي الحجر الأسعد وهذا المكان التزم عنده الرسول صلى الله عليه وسلم داعيا الله ثم اتجه الى المقام وصلى عنده ركعتين وكان هذا في حجة الوداع.
ان البيت العتيق له بركات وأسرار وما ادق اسرار زمزم التي تعمرت بمائها الجزيرة العربية وكانت الحياة بالاتفاقية التي ابرمتها قبيلة جرهم مع امنا هاجر عليها السلام وكانوا اول من التفوا بها بعد فيض زمزم، كما قال الرسول عنه شراب له طعام طعم وشفاء سقم، وهي ثلاث عيون تعلو مع قدوم الحجاج وتعود لطبيعتها بعد موسم الحج، وأثبتت التحاليل التي قام بها عدد من العلماء اخيرا احتواء ماء زمزم على كل المعادن والأكاسيد والعناصر اللازمة لجسم الإنسان.