يقول الله عزّ وجلّ: (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) ألا تعلم أيها الإنسان أن الله سبحانه وتعالى قد أحكم دائرة الزمن وتعاقب الليل والنهار، فجعل هناك مواسم، وجعل هناك زيادات في الليل ونقصانا في النهار، وجعل هناك زيادات في النهار ونقصانا في الليل كطول ليل الشتاء وقصره في الصيف، وطول نهار الصيف وقصره في الشتاء، من يقلب الليل والنهار؟ هذه المنظومة البديعة أليس وراءها خالق، سبحانه، يأخذ من هذا ويعطي ذاك، ويدخل هذا في ذاك، كما قال سبحانه وتعالى: (والصبح إذا تنفس) هذه الآية تجعلني كل فجر إذا رأيتها اقول سبحان الله، والصبح إذا تنفس، هذه الكلمة حق هذا الوصف، كأن النور يتنفس في الظلمة، يعني ترونه ينتشر كأنه فعلا نفس من أنفاس هذا الكون الذي خلقه الله عزّ وجلّ، من الذي أولج النهار في الليل وأولج الليل في النهار؟ هو الله عزّ وجلّ، كما اخبرنا صلى الله عليه وسلم عند دعائه في المغرب، «اللهم هذا إدبار نهارك وإقبال ليلك وصوت دعاتك فاغفر لي ولأمة محمد أجمعين».
منظومة عجيبة
يقول الله سبحانه وتعالى: (وسخر الشمس والقمر) لم نعلم حقيقة هذه الآية إلا في القرن العشرين، يقول العلماء ان القمر الذي قدره الله سبحانه وتعالى منازل لو تحرك من مداره واقترب قليلا من الارض لغرقت الارض، لكن وجوده في هذا المدار الدقيق والذي تتحرك به حركة المياه المد والجزر حركة عظيمة، منظومة دقيقة.
من الذي سخر القمر؟ الشمس هذه التي تخرج لكم بنورها وبدفئها، لكي ننير هذا المصباح في الليل كم كهرباء نحتاج؟ الكثير، كم نحتاج نصرف، كم هناك من الآلات وراء هذا المصباح، الله سبحانه وتعالى جعل لنا سراجا وهاجا، نورا ودفئا سبحان الله! لو قربت الشمس من الارض بأي مسافة لاحترقت الأرض، منظومة عجيبة.
لكل شيء نهاية
يقول سبحانه وتعالى: (كل يجري إلى أجل مسمى) هذا الكون الذي ترونه، وهذه الحياة التي تعيشها ايها الإنسان لابد أنها صائرة إلى نهاية، حتى عظيم الأجرام التي في هذا الكون لها نهاية، الله سبحانه وتعالى يطوي السماوات والأرض كطي السجل، يضرب الله لنا المثل ولله المثل الأعلى، طي السجل للكتاب فيه من السهولة فالله عز وجل يطوي السماوات والأرض، ويبدل الأرض غير الأرض سبحانه، إذا كانت هذه الأفلاك العظيمة لها اجل مسمى، فأنت ايها الإنسان الجرم الصغير في هذا الكون من باب اولى ان يكون لك اجل مسمى، ومن باب أولى انك سأنتهي وتنتهي حياتك في هذه الدنيا.
(وأن الله بما تعملون خبير)، الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه اعمال الخلق من خير ولا من شر، خبير بكل ما تفعل وبكل ما تهمس وبكل ما يخطر على بالك.
لما انزل الآية: (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء إن الله على كل شيء قدير)، هل نسخت هذه الآية؟ لا لم تنسخ ، هذه الآية حكمها قائم، ومرجعها إلى إرادة الله ومشيئته، ولكن من رحمته علمنا كيف نستغفره ونسترحمه، فنقول ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
هذه الآية عظيمة، كأن الله سبحانه وتعالى يحذرنا فيها من خلجات نفوسنا وخواطر قلوبنا، واللمات التي في صدورنا، احذر فليكن امرك كله خيرا، ان جاءك وخاطرك شر فادفعه، إن لم تدفعه ووقر في قلبك وسكن في نفسك وبنيت عليه نيتك لعل الله سبحانه وتعالى ان يؤاخذك بذلك.
سؤال: لماذا لم يقل الله عزّ وجلّ بصير وقال خبير؟ لأن البصير هو للظاهر، أما الخبير فهو خبرة بالباطن والظاهر، فالله سبحانه وتعالى يخبرنا بصفته الخبير أنه يعلم ما نعلن وما نسر، ولذلك اشرنا الى الآية (ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) الله سبحانه وتعالى عليم خبير بها.
الله الحق
يقول سبحانه وتعالى: (ذلك بأن الله هو الحق)، كل ذلك من عظيم قدرة الله، وأنه سبحانه وتعالى، كما تؤكد هذه الآيات هو حق في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله وفي أمره ونهيه.
يبين الله يبين لك آياته في هذا الكون، وفي نفسك حتى تستدل وتعرف انه سبحانه وتعالى الحق، انه الموجود الحق، انه الإله الحق، وأن كل ما سواه باطل، (وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير)، العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي لا أكبر منه شيء، فكل شيء خاضع حقير بالنسبة الى الله عزّ وجلّ، فإنه سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى هو العلي الكبير، مازال الله عزّ وجلّ يذكرنا بآلائه وبنعمائه، حتى إذا تذكرنا هذه النعم خجل الإنسان من ربه، وعاد يشكر المنعم فيعبده كما اراد الله عزّ وجلّ ان يعبده فيتبع نبيه ويأتمر بما في كتبه، الله سبحانه وتعالى مازال يأخذ بأيدينا الى بيان بديع حكمته في خلقه وفي شرعه وفي رسله وفي قلب المؤمن، حتى تعلم انت أيها الإنسان أينما نظرت فثمة حكمة الله، وثمة علم الله، وثمة قدرة الله عز وجل، وهذا ادعى ان يجعل قلب الإنسان دائما متصلا بالله مستمسكا بالعروة الوثقى.
ألقيت المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بالشهداء