قاعدة التعامل في الإسلام
مازلنا بين يدي سورة كريمة، هي سورة الاحزاب التي أرسى فيها الله عز وجل قواعد وأسسا، وأبطل فيها عدة أمور منها ابطال عادة التبني، وابطال عادة الظهار، وأخبرنا عز وجل انه ارسل نبيه صلى الله عليه وسلم شاهدا ومبشرا وداعيا. ثم التفتت الآية بالخطاب للمؤمنات فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ) والآية تبين القاعدة في التعامل في المجتمع الاسلامي، اذا عملت المعروف مع أحد فإنك تعامل الله عز وجل، فيا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إذا عقدتم على النساء ولم تدخلوا بهن ثم طلقتموهن من قبل أن تجامعوهن فما لكم عليهن من عدة تحصونها عليهن فأعطوهن من أموالكم متعة يتمتعن بها بحسب الوسع جبرا لخواطرهن وخلوا سبيلهن مع الستر الجميل دون أذى أو ضرر.
تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) يخاطب الله عز وجل نبيه خطابا خاصا تشريفا له، إنا أحللنا أزواجك اللاتي اعطيتهن مهورهن من الزوجات، وكذلك احللنا لك (ما ملكت يمينك) من الإماء اللاتي ملكت ومما انعم الله به عليك، وأحللنا لك الزواج من بنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وابحنا لك امرأة مؤمنة منحت نفسها لك من غير مهر، إن كانت تريد الزواج منها خالصة لك وليس لغيرك ان يتزوج امرأة بالهبة. وقد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين في أزواجهم وإمائهم بألا يتزوجوا إلا أربع نسوة، وما شاؤوا من الإماء واشتراط الولي والمهر والشهود عليهم، ولكن رخصنا لك في ذلك ووسعنا عليك ما لم يوسع على غيرك، (لكيلا يكون عليك حرج) وهذا في زيادة الاعتناء من الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم، وكان الله غفورا لذنوب عباده متصفا بالمغفرة والرحمة وينزل على عباده من مغفرته ورحمته وجوده وإحسانه.
رخصة للرسول صلى الله عليه وسلم
(تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَوْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً ) انزل الله تعالى رخصته للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اختار العدل وعدل بين نسائه حتى في مرضه ارسل يستأذنهن ان يمرض في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها فقال تعالى للنبي لك أن تؤخر من تشاء من نسائك في القسم في المبيت وتضم اليك من تشاء منهن ومن طلبت ممن أخرت قسمها فلا اثم عليك في ذلك (حتى تقر أعينهن) النساء لما علمن انه غير ملزوم بالقسمة وان الله تعالى قد وضع الحرج في القسم، مع هذا انت تقسم لهن اختيارا منك لا انك على سبيل الوجوب فرض بذلك، وكان الله عليما بما في القلوب حكيما لا يعجل العقوبة على من عصاه.
كرامة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم
(لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) لما اختارت زوجات الرسول النبي صلى الله عليه وسلم جاءت لهم الكرامة من الله، فلا يباح لك النساء من بعد نسائك اللاتي في عصمتك، واللاتي أبحناهنّ لك ومن كانت في عصمتك من النساء المذكورات لا يحل لك ا ن تطلقها مستقبلا وتأتي بغيرها بدلا منها ولو أعجبك جمالها، واما الزيادة على زوجاتك من غير تطليق احداهن فلا حرج عليك وأما ما ملكت يمينك من الاماء فحلال لك منهن من شئت وكان الله على كل شيء رقيبا لا يغيب عن علمه شيء.
أخلاق الإسلام
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ... الآية). يأمرنا الله تعالى بالاستئذان بأي طريقة تنبه على قدومك، فلا تدخلوا بيوت النبي يا من آمن وصدق الله ورسوله وأطاعوه لا تدخلوا بيوت النبي الا بإذنه لتناول طعام غير منتظرين نضجه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا أكلتم فانصرفوا غير مستأنسين لحديث بينكم، فإن انتظاركم واستئناسكم يؤذي النبي، فيستحي من إخراجكم من البيوت مع ان ذلك حقا له، والله لا يستحيي من بيان الحق واظهاره. وقد نص الفقهاء انه يجب عدم الدخول الى مأدبة الا بالدعوة من صاحبها.
أبعد عن الريبة
(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) وإذا سألتم نساء رسول الله حاجة من أواني البيت ونحوها فاسألوهن من وراء ستر، ذلك اطهر لقلوبكم وقلوبهن من الخواطر التي تعرض للرجال من أمر النساء وللنساء في أمر الرجال.
(لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ...الآية) لا إثم على النساء في عدم الاحتجاب من ابائهن وابنائهن واخواتهن وأبناء اخوانهن وابناء اخواتهن والنساء المؤمنات والعبيد المملوكين لهن لشدة الحاجة اليهم في الخدمة.
( وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) وخفن الله ايتها النساء ـ ان تتعدين ما حدّ لكن، فتبدين من زينتكن ما ليس لكن ان تبدينه او تتركن الحجاب أمام من يجب عليكن الاحتجاب منه. ان الله كان على كل شيء شهيدا يشهد اعمال العباد ظاهرها وباطنها وسيجزيهم عليها.
موافقات عمر رضي الله عنه للقرآن
«كان عمر رضي الله عنه يرى الرأى فينزل به القرآن»، اخبر البخاري وغيره عن انس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى، فنزلت (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى)، وقلت: يا رسول الله ان نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو امرتهن ان يحتجبن، فنزلت آية الحـــجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نســــاؤه في الغيرة، فقلت لهن (عســـى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجــــا خــيرا منكن)، فنزلت كذلك.
الإمام أحمد بن حنبل والخباز
كان الإمام بن حنبل يرغب في قضاء ليلته بالمسجد، ولكن منعه عن المبيت فيه حارس المسجد، اذ حاول معه الإمام كثيرا ولكن دون جدوى، فقال له الإمام: سأنام في موضع قدمي، ونام بالمكان الذي به موضع قدمه، فقام حارس المسجد بجر الإمام بعيدا عن مكان المسجد، وكان الإمام شيخا وقورا تبدو عليه ملامح الكبر، فلما رآه الخباز يجر بهذه الطريقة عرض عليه المبيت في بيته، فذهب الإمام مع الخباز الى داره فأكرمه واحسن ضيافته، وذهب الخباز لتحضير عجينة يصنع منها الخبز، وبينما هو يعمل سمعه الامام يستغفر مرات كثيرة، وفي الصباح سأله الإمام عن سر استغفاره في الليل، فقال الخباز انه يستغفر طوال صنع العجين، فسأله الامام: وهل وجدت لاستغفارك ثمرة؟ وكان الامام عالما ويعرف ثمرات الاستغفار وفوائده الكثيرة، فرد الخباز: نعم، والله ما دعوت دعوة الا اجابها الله، الا دعوة واحدة طلبتها ولم تأت، فقال له الامام احمد بن حنبل: فما هي؟ فقال الخباز: رؤية الإمام احمد بن حنبل، فقال الإمام احمد: انني انا احمد بن حنبل، والله إني جررت إليك جرا.
ألقيت المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بالشهداء