- البرلمان العربي يضطلع بدور توعوي إلى كل الحكام العرب في المشرق والمغرب حتى يمنحوا مسألة التنمية الاجتماعية أهميتها
- الدرس المستفاد من الثورة التونسية وثورات الربيع العربي هو دحض منظومة الفساد والاستبداد
- تونس اليوم استكملت بناء الهيكل المؤسساتي لتنطلق إلى العمل واستكمال المسيرة التنموية
- قضية التنمية في الدول العربية مرتبطة بقضية التوزيع العادل للثروات
- تونس استطاعت أن تطوي صفحة الاستبداد وتنجح في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة
منى الدغيمي
قال رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي مصطفى بن جعفر ان أي رسالة تنبثق من البرلمان العربي تكون قوية ومؤثرة في الحكام العرب والرأي العام الدولي، مشيرا إلى أن مسألة التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي مطلب أساسي ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالحرية.
وأكد خلال مؤتمر صحافي عقده في السفارة التونسية بمناسبة مشاركته في أعمال المؤتمر الـ 18 للاتحاد البرلماني العربي الذي بدأ أعماله أمس ويتواصل اليوم على أن قضية التنمية في الدول العربية مرتبطة بقضية التوزيع العادل للثروات «لا تنمية دون عدالة اجتماعية»، موضحا ان القضية ليست ايديولوجية بقدر ما هي مرتبطة بواقع الشعوب لأن أي خلل اجتماعي يقود إلى انتفاضات وغضب جماهيري.
ورأى أن البرلمان العربي يضطلع بدور توعوي إلى كل الحكام العرب في المشرق والمغرب حتى يمنحوا مسألة التنمية الاجتماعية أهميتها.
وأشار إلى أن الدرس المستفاد من الثورة التونسية وثورات الربيع العربي هو دحض منظومة الفساد والاستبداد، مؤكدا على أن التخلص من هذه المنظومة يحتاج إلى الكثير من الصبر والإرادة.
وأضاف أن الثورة التونسية تعتبر انجازا وأن المؤرخين سيعتبرونها معجزة نظرا الى أن الشعب التونسي يصنف من الشعوب المسالمة والوسطية ومع ذلك استطاع في مدة وجيزة (من 17 ديسمبر 2010 إلى غاية 14يناير 2011) أن يتخلص من طاغية كان يعتبر لدى الرأي العام الدولي لا يمكن التخلص منه، مشيرا إلى أن خصوصية الشعب التونسي تكمن في قدرته على التخلص من الاستبداد بأقل التكاليف وفي وقت وجيز.
وقال ان تونس استطاعت أن تطوي صفحة الاستبداد في أقل من سنة (من 14 يناير إلى 23 أكتوبر) وذلك بنجاحها في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وهو انجاز وهذا يعود فيه الفضل إلى الضغط واليقظة من الشباب والشعب التونسي الواعي وطبقتها السياسية وكذلك بفضل الاستعداد وقبول الرأي المخالف.
وأكد بن جعفر أن أساس الديموقراطية هو المشاركة لا الإقصاء ونبذ كل الحساسيات، مشيرا إلى أنه بالحوار تتطور الأفكار لا بالتعصب للرأي الواحد.
وأوضح أن الإسلاميين لا يمكن وضعهم في نفس السلة، معتبرا أن هذا هو الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة التونسية لأكثر من 20 سنة.
ورأى أن التوفيق بين الديموقراطية والشريعة الإسلامية أمر ليس مستحيلا، مستدلا عن ذلك بنتيجة الانتخابات التونسية التي كانت شفافة ونزيهة.
ورأى أن الشعب التونسي منح صوته لا لحزب معين انطلاقا من فكر سياسي معين بل منح ثقته في قوى تصدت للاستبداد قبل انطلاق الثورة ورفضت بعد الثورة أن تنساق في عملية توافقية مع بقايا النظام السابق وهذه هي الأحزاب التي فازت بثقة الشعب في النهاية.
عجز الميزانية
وفي معرض حديثه عن الوضع الاقتصادي قال بن جعفر ان سنة 2011 تعتبر من السنوات الصعبة على كل المستويات، لاسيما الاقتصادي حيث شهدت ارتفاعا في نسبة البطالة مع عجز الميزانية العامة إلى نحو نقطتين بالسالب، آملا أن تخرج تونس من هذه الدوامة الصعبة وتنطلق نحو النمو بتحقيق نسبة نمو مستهدفة بنحو 3.5% أو أكثر.
ورأى أن تونس اليوم استكملت بناء الهيكل المؤسساتي لتنطلق إلى العمل واستكمال المسيرة التنموية وإيجاد حلول لمجموعة التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
وأعرب عن تفاؤله بمواصلة تونس البناء وتجاوز الصعوبات الاقتصادية في ظل تحقيقها للأمن والاستقرار الذي يعتبر العامل المحفز لأي استثمار أجنبي أو محلي.
وقال: ان تونس في ظل أزمتها الاقتصادية بحاجة إلى الدعم الداخلي من خلال تفعيل الطاقات الشبابية والى الدعم الخارجي من خلال علاقاتها الطيبة مع مختلف بلدان المغرب العربي، وأفاد بأن بناء المغرب العربي سيكون له مردود على المستوى الاقتصاد التونسي بنسبة نمو نقطة أو نقطتين بما يوفر 30 ألف فرصة عمل.
دولة القانون
رأى بن جعفر ان الحكومة الرشيدة التي تفرض دولة القانون ودولة القانون هي أساس نجاح كل مستثمر يريد أن يستثمر في تونس، مشيرا إلى أن الاقتصاد له قانونه والقرار هو قرار وطني حسب قواعد مضبوطة ولا يمكن أن ينمو أي اقتصاد دون استثمار والدولة لها دور في دفع الحركية الاقتصادية ولا يمكن لأي دولة أن تقوم بهذه المهمة وحدها فلابد أن يكون هناك استثمار محلي وخارجي.
وقال: «تبقى القضية التي يثار حولها الجدل هي مسألة المديونية فلا يجوز الاقتراض لهدف الاستهلاك بل بهدف الإنتاجية لكي لا نقامر بمستقبل استقرار وحرية الوطن».
وأكد بن جعفر أن تونس تجاوزت الارتباك ورسخت مبدأ الحوار بين الحكومة والشعب.
الشريعة والدستور
وحول الجدل المثار مؤخرا داخل المجلس الوطني التأسيسي حول موضوع إدراج الشريعة في الدستور التونسي المقبل أوضح بن جعفر أن المجلس التأسيسي يبحث عن التوافق في كنف الحوار والاحترام المتبادل.
وقال: «أنا متفائل جدا كرئيس للمجلس الوطني التأسيسي لأني لمست إرادة شاملة للبحث عن توافق لكل الأطراف السياسية، مشيرا إلى أن 90% من التصور العام للدستور التونسي المستقبلي يستند إلى التوافق».
وأشار إلى أن الجدل المطروح داخل المجلس ولدى مختلف الفعاليات في تونس حول ماهية الدستور المستقبلي لتونس هل ستكون مرجعيته الأساسية الشريعة الإسلامية أو أن تكون من ضمن المرجعيات الأخرى أم أن تترك الشريعة الإسلامية بعيدا عن النص الدستوري ويستمر النص كما كان عليه طوال نصف قرن في تونس دون أن يحدث ذلك أي شرخ داخل المجتمع التونسي ودون أن تمس هوية تونس العربية والإسلامية التي نص عليها الفصل الأول من الدستور تونس جمهورية دينها الإسلام ولغتها العربية.
وأضاف: «اليوم نؤكد على أن تونس دولة مدنية وحتى حزب النهضة الذي يعد الأغلبية يؤكد على ذلك».
عودة بن علي
واعتبر بن جعفر ان عودة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي إلى أرض تونس يعتبر مطلبا شعبيا قبل أن يكون سياسيا وذلك لإجراء المحاكمة العادلة وتقديم الاعتذار للشعب التونسي، مؤكدا ان رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي في آخر زيارة له إلى المملكة العربية السعودية ذكر بهذا المطلب وكان من ضمن المواضيع المطروحة.
وأكد بن جعفر ان العلاقات السعودية التونسية لم ولن تتغير تحت أي ظرف، لافتا إلى أن تونس تحترم التقاليد السعودية وفي ذات الوقت قضية تسليم بن علي إلى الحكومة التونسية لها مسالك قانونية ودولية كفيلة بحلها.
هيئة إعلامية مستقلة
رأى بن جعفر أن الإعلام التونسي بحاجة إلى هيئة مستقلة تشرف عليه وتحافظ على شرف المهنة الصحافية وتكفل للصحافة حريتها، مؤكدا ضرورة القطع مع الصحافة الموجهة التي كانت سائدة في زمن الطاغية بن علي.
واعتبر أن النقد هو الذي يفرض اليقظة لدى المسؤولين حتى يحسنوا من تسيير شؤون المواطن ولا يترك المجال للفساد بل للشفافية والحكومة الرشيدة التي تتعطش لها المؤسسات التونسية.
تونس الجديدة
قال بن جعفر: «إذا أردنا أن نعتبر تونس قد نجحت في ثورتها فهي نجحت على مستوى المنهجية»، مشيرا إلى انه منذ انطلاق الثورة كانت لها خصوصية في الوقت نفسه كانت تبحث على طي صفحة الماضي والقطع مع منظومة الاستبداد كما كانت تفكر في المرحلة الثانية مرحلة المصالحة والبناء.
واعتبر أن المنهج الذي اعتمدته تونس سمح لها دون السقوط في الارتباك أو الفوضى بتحقيق انتخابات عادلة في وقت وجيز في اقل من سنة.
الثورة السورية
وبخصوص الثورة السورية قال بن جعفر نأمل أن يتوقف نزيف الدماء البريئة وأن يتوصل الشعب السوري إلى حل دون تدخل أجنبي، مشيرا إلى أن الملتقى الأخير المنعقد في تونس «أصدقاء سورية» أكد على البحث عن حل دون تدخل أجنبي أو عسكري.
وأكد انه لن يحل المشكلة السورية إلا السوريون وهو أمر مرتبط بإرادة الشعب السوري، مشيرا إلى انه إذا فتح الباب للتدخل الأجنبي فلا احد يمكنه التكهن بماذا ستؤول له الأمور.
واعتبر أن السلبية الوحيدة التي تواجه الثورة السورية اليوم هو عدم توحيد قوى المعارضة، آملا في أن تجد المعارضة السورية طريقها في توحيد جهودها.