- على الدول مراعاة النظام الانتخابي الذي يتلاءم مع ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
نال د.إبراهيم بهبهاني شهادة الماجستير بامتياز من كلية القانون الدولية في الدوحة، وذلك بعد مناقشتها من قبل 4 محكمين.
والرسالة التي حملت عنوان «التوازن بين الدوائر الانتخابية وتجزئة الصوت ورقابة القضاء» خلصت لعدد من التوصيات أبرزها مراعاة نسبة التفاوت في تقسيم الدوائر والمساواة الحسابية في عدد السكان، باعتباره القاعدة الاكثر قبولا بالترسيم، والاعتقاد بأن نظام الصوت الواحد من أكثر الأنظمة التي تناسب الكويت، في ظل عدم وجود أحزاب سياسية، نظرا الى ان الفقهاء الدستوريين يعتبرون ان الصوت الواحد من أفضل النظم تمثيلا للأقليات.
كما خرج بنتائج مهمة، عدّدها بـ 6 نقاط، أهمها: ضرورة وجود لجنة محايدة تضم سياسيين وجغرافيين وقضاة، وقانون ينظم عملها ويضع المعايير المناسبة لها، داعيا الى تفعيل الرقابة القضائية على العملية الانتخابية من منطلق ان طبيعة الرقابة القضائية يجب ان تكون في إطار الدستور، كما ان «الرقابة هي رقابة مشروعية وليست رقابة ملائمة».
وبشأن التوازن بالدوائر الانتخابية، فمن وجهة نظر الباحث فهي لا تعني المساواة المطلقة، وإنما المساواة النسبية، ومفاد ذلك ان المساواة المتطلبة في تحديد الدوائر ليست المساواة الحسابية التامة، التي يستحيل تحقيقها عمليا، وإنما هي المساواة التقريبية، بشرط ألا يكون التفاوت في تحديد الدوائر شديدا، ويصل الى حد إهدار مساواة النقل النسبي لصوت الناخب.
وتشكلــت الرســـالة مــن مباحث عدة حول مفهوم توازن الدوائر الانتخابية وتجزئة الصوت وتطبيقاتهما، ومفهوم توازن الدوائر الانتخابية وتطبيقاته والاعتبارات التي يتم بناء عليها تقسيم الدوائر الانتخابية مع مراعاة معيار المساواة الحسابية ومعيار التمثيل العادل والفعال للمواطنين مع مقارنة بين المبالغة التي أقرتها المحكمة العليا في أميركا والمحكمة الدستورية في مصر، وكذلك المقارنة بين الأنظمة في مجال تقسيم الدوائر الانتخابية.
كما عرضت الرسالة لمفهوم تجزئة الصوت وتطبيقاته من الاقتراع الأكثري مرورا بنظام التمثيل النسبي وصولا للأنظمة المختلطة، كما شرح د.بهبهاني الأساس الدستوري والقانوني لتجزئة الصوت، مبينا انه من المبادئ المستقرة دستوريا مبدأ المساواة بين الأفراد ذوي المراكز القانونية المتماثلة او الأوضاع المتشابهة، وبتطبيق هذا الفهم الديموقراطي في مجال الاقتراع العام ينتج ان جميع المواطنين على تباين جنسهم، او اختلاف انتماءاتهم او تفاوت نصيب كل منهم من الثروة او التعليم يكون لهم حق المشاركة في التصويت بصدد الانتخابات او الاستفتاءات العامة، طالما انه لم يقم بشأن اي منهم سبب من الأسباب القانونية التي تؤدي الى الحرمان او الوقف او الإعفاء من المشاركة السياسية.
الاقتراع غير المتساوي: حين يملك كل واحد من طائفة معينة من الناخبين ـ قل عددهم أم كثر ـ عددا من الأصوات ولا يملك كل واحد من الناخبين الآخرين ـ في بلد ما ـ إلا صوتا واحدا، حينذاك يقال ان الاقتراع غير متساو، وأخذ الاقتراع غير المتساوي أشكالا متعددة.
وبينت الرسالة أن أي عملية انتخابية تحتاج إلى تضافر جهود السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بما يضمن عدالة التمثيل وعدم الإخلال بالوزن النسبي لصوت الناخب، كما ان الرقابة القضائية عنصر هام لتأكيد نزاهة الانتخابات لذلك أوصى د.بهبهاني في ملخص دراسته على:
1 - أن القاعدة الأكثر قبولا لعملية الترسيم هي المساواة الحسابية في عدد السكان. وذلك لأن التمثيل بحسب عدد السكان هو إحدى الركائز الأساسية للديموقراطية، لذلك نجد أن أغلب الدول حرصت على وضع نسبة معينة للانحراف عن المساواة الحسابية الدقيقة في تقسيم الدوائر الانتخابية وتختلف هذه النسبة من دولة إلى أخرى ويظهر من خلال القضايا التي نظرتها المحكمة العليا في الولايات المتحدة الاميركية اختلاف حول تحديد نسبة الانحراف في المساواة السكانية بين الدوائر ووصلت في بعض الاوقات بالحكم بدستورية التقسيم التفضيلي للدوائر الانتخابية.. اما المجلس الدستوري الفرنسي قد حدد نسبة التفاوت في تقسيم الدوائر الانتخابية بـ (1.83:1). وفي جمهورية مصر العربية لم تحدد المحكمة الدستورية في آخر أحكامها في 2014 نسبة الانحراف المسموح بها في المساواة السكانية بين الدوائر الانتخابية.. لذلك نرى انه يجب مراعاة نسبة التفاوت في تقسيم الدوائر الانتخابية، لتحقيق مبدأ المساواة الحسابية لتحقيق المساواة السكانية بين الدوائر الانتخابية، مع العلم ان هناك دولا تأخذ بنظام الدائرة الواحدة نظرا لما ينتج عن عملية التقسيم من تفتيت لإقليم الدولة (ذات المساحة الجغرافية الصغيرة) مثل إسرائيل.
2 - على الدول مراعاة النظام الانتخابي الذي يتلاءم مع ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإذا أخذنا نظام الصوت الواحد غير المتحول (SNTV) كمثال لنظام تصويت يجمع الفقهاء على أنه من أفضل النظم الانتخابية تمثيلا للأقليات، لكن هذا النظام لا يأتي بالثمار المرجوة منه إلا في ظل وجود احزاب سياسية قوية لها رؤية مستقبلية وخطة تنمية معروفة، حينها عندما يتوجه الناخب الى صندوق الاقتراع يصوت لهذا المرشح على أساس البرنامج الانتخابي للحزب وليس على أساس قبلي أو مذهبي وحينها يستطيع الناخب ان يحكم على ما تم انجازه من البرنامج الانتخابي لهذا الحزب في نهاية الدورة البرلمانية.
وإذا كانت هناك بعض الدول التي تتعارض ظروفها الداخلية مع إشهار الأحزاب السياسية، فيجب على تلك الدولة اختيار النظام المناسب لها، مع التأكيد على «قاعدة ناخب واحد صوت واحد» وإن كنت ارى ان «نظام الصوت الواحد القابل للتحويل (STV)» من اكثر الأنظمة التي تناسب في ظل عدم وجود الاحزاب السياسية.
3 - إسناد مهمة تقسيم الدوائر الانتخابية إلى لجنة خاصة محايدة تضم سياسيين وجغرافيين وأيضا قضاة، على أن يكون هناك قانون خاص ينظم عمل تلك اللجنة ويضع معايير محددة يجب الأخذ بها أثناء عملية تقسيم الدوائر الانتخابية.
4 - تفعيل دور الرقابة القضائية على العملية الانتخابية، على ان تكون تلك الرقابة داخل اطار الدستور لا خارجة، على أن تكون هذه الرقابة رقابة مشروعية وليست رقابة ملائمة.
مبادئ أقرتها المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأميركية في مجال تجزئة الصوت
في قضية جري ضد ساندرز (1963) U.S. 368372 Gray V. Sanders وموضوع الدعوى في هذه القضية كان النظام المعمول به في ولاية جورجيا لحساب الأصوات في الانتخابات الاولية للحزب الديموقراطي لاختيار حاكم الولاية ونوابها في مجلسها التشريعي، وقد قضت المحكمة العليا بأن استعمال نظام كتل الاصوات الانتخابية لاختيار شاغل منصب واحد في دائرة واحدة يتناقض مع مبدأ المساواة على اساس ان الزيادة الطفيفة في الاصوات التي يحصل عليها الفائز تسمح له بالحصول على جميع كتل الاصوات المخصصة للدائرة الانتخابية، ومن وجهة نظر المحكمة فإن مبدأ المساواة الدستوري يضمن الحق لكل شخص في ان يكون لصوته الانتخابي الوزن الحسابي نفسه الذي يعطى لصوت غيره من الاشخاص في الدائرة الانتخابية نفسها، وبناء عليه فإنه حينما يمنح نظام تقسيم الدوائر كل كتل الاصوات الانتخابية في المقاطعة للمرشح الذي يحصل على الاغلبية البسيطة للاصوات، فهذا يعني ببساطة اهدار اصوات الناخبين الذين لم يعط اي وزن لصوتهم الانتخابي.
في قضية ويسبيري مقابل ساندرز U.S.I (1964) Wesberry V. Sanders حيث فحصت المحكمة نظام الدائرة التشريعية لمدينة اتلانتا بولاية جورجيا، ووجدت ان الدائرة (اتالانتا) يسكنها حوالي 20% من عدد سكان الولاية بأكملها، ومع ذلك لم يسمح لهم باختيار سوى نسبة 10% فقط من عدد ممثلي الولاية في الكونغرس الاتحادي، وقد ابطلت المحكمة العليا القانون الذي انشأ هذا النظام استنادا الى ان المادة الاولى من الفصل الثاني من الدستور الاتحادي التي تعالج اختيار النواب في الكونغرس الاتحادي تقرر «يتكون مجلس النواب من الاعضاء الذين يتم اختيارهم كل سنتين بواسطة شعب الولايات المختلفة»، وقد فسرت المحكمة عبارة «بواسطة الشعب».
في قضية ويتسومب مقابل تشافيس U.S 124 (1971) Whitcomb V. Chavis 403 تم الطعن في التشريع الذي انشأ دائرة واحدة ذات عضوية متعددة على مستوى مقاطعة ماريون بولاية انديانا، وقد طلب الطاعنون من المحكمة بالقانون رقم 188 لسنة 1986 فيما تضمنته من النص على ان يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردي ويكون انتخاب باقي الاعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية.
قضية رقم 32 لسنة 33 قضائية المحكمة الدستورية العليا بجلسة 14/6/2012 اصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها بحل مجلس الشعب، وجاء في اسباب حكم حل مجلس الشعب ان المادة 38 من الاعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 المعدل بالاعلان الدستوري الصادر في 25/9/2011 تنص على ان «ينظم القانون حق الترشيح لمجلسي الشعب والشورى وفقا لنظام انتخابي يجمع بين القوائم الحزبية المغلقة والنظام الفردي بنسبة الثلثين للاولى والثلث الباقي للثاني».
وقالت المحكمة ان مؤدى عبارات هذا النص في ضوء مبدأي المساواة وتكافؤ الفرس وقواعد العدالة ان حصر التقدم للترشيح لعضوية مجلس الشعب فيما يتعلق بنسبة الثلثين المخصصة للانتخاب بنظام القوائم الحزبية المغلقة في المنتمين للاحزاب السياسية، يقابله قصر الحق في التقدم للترشح لنسبة الثلث الباقي المحدد للانتخاب بالنظام الفردي على المستقلين غير المنتمين للاحزاب السياسية.
المبادئ التي أقرتها المحكمة الدستورية في الكويت في مجال تجزئة الصوت
الطعن رقم 15 لسنة 2012: اكدت المحكمة الدستورية على ان رقابتها تمتد الى كل التشريعات بما فيها المراسيم بقوانين.
منهج المحكمة: تعامل الحكم في موضوع الدستورية باعتباره مركز الطعن الانتخابي، علما ان المحكمة في حيثيات حكمها قد اوضحت انها بصدد الدفع بعدم الدستورية، وقد صدر الحكم على اساس ان هناك طعنا بعدم دستورية المرسوم بقانون 20 لسنة 2012 بتعديل القانون 42 لسنة 2006، لذلك ورد في منطوق الحكم برفض الطعن بعدم دستورية المرسوم بقانون.
ينبئ منهج المحكمة في هذا الحكم انها اصبحت تتعامل مع الدفع بعدم الدستورية، المبدى امامها اثناء فحص الطعون الانتخابية بحسبانه طعنا بعدم الدستورية تقبله او ترفضه، وهذا المنهج يلزم ان يقترن به وجوب ادخال الحكومة في الخصومة، تطبيقا لحكم المادة 25 من لائحة المحكمة الدستورية التي تقرر ان الحكومة تعتبر من ذوي الشأن اذا كان الطلب متعلقا بالفصل في دستورية قانون او مرسوم بقانون او لائحة.