بمناسبة اقتراب عيد الأضحى المبارك أعاده الله على الجميع بالخير والبركات، خصّ سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ د.محمد رشيد قباني «الأنباء» بمقالة فيما يلي نصها:
يُقبل علينا عيد الاضحى هذا العام وقد احاط به كثير من الهموم والآلام والاحزان، هموم العرب والمسلمين وآلامهم في بلدانهم، فإذا اختصرنا هذه الهموم الى منطقتنا العربية تركزت هذه الهموم والاحزان فيما يجري على ارض فلسطين والعراق منذ سنوات طوال ولايزال، واذا اختصرنا اكثر وعدنا الى واقعنا في لبنان، هذا البلد الجميل الوادع الذي يحبه الجميع، صار تركيزنا على هذه الهموم ادق واكبر، فلبنان هذا البلد المتنوع المعتقدات والمتعدد الثقافات والعربي الهوية والانتماء يكاد اليوم يكون ضحية صراعات ابنائه السياسية.
فمنذ فجر الاستقلال كان اللبنانيون ومازالوا في المفاصل التاريخية وفي لحظات الخطر، لأن اللبنانين لا وجود لهم بلا لبنان وطنهم الذي ينبغي ان يحافظوا عليه، كي لا يصبح ضحية لخلافاتهم. ويبقى همّ دار الفتوى هو الهم الوطني الجامع حرصا على لبنان النموذج والمثال، من اجل حاضر ومستقبل افضل، وهي تعمل دوما، وبكل وسيلة ممكنة، لتعزيز دورها ورسالتها في هذا المجال.
ولكن للأسف لم ترتض بعض الاطراف اللبنانية ممارسة العمل السياسي من خلال المؤسسات الدستورية في المجلس النيابي ومجلس الوزراء، فعطلت الاول واتهمت الثاني بأنه غير شرعي، رغم ان الحكومة دستورية وشرعية ولا تسقط الا باستقالتها او باستقالة اكثر من ثلث اعضائها او سحب المجلس النيابي ثقته منها، وتدل هذه الممارسة على نيات مبيتة لدى المعارضة للإطاحة بالحكومة بطرق غير دستورية وغير شرعية، تنفيذا لسياسات خارجية تستهدف الحكومة اللبنانية وسياستها الوطنية لإيقاع موقع رئاسة الحكومة اللبنانية في الفراغ السياسي وتعطيل عملها ودورها في المحافظة على المؤسسات الدستورية وكيان الدولة وامن وسلامة واستقرار اللبنانيين.
ويأتي اليوم استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية واللبنانيون على خلافاتهم التي تزداد تعقيدا بحجج واهية وغير دستورية، وكأن هناك مخططا لاستبقاء الفراغ في رئاسة الجمهورية وعدم انتخاب رئيس للبلاد وذهاب لبنان الى الفوضى والفتنة والانهيار. وما يجري اليوم في لبنان في هذا المشهد السياسي لا يعطي فسحة للأمل اذا ما استمر الامر على ما هو عليه، وخاصة اذا طال الامد على هذا المشهد المروّع الذي لم يسبق له مثيل.
وتبقى الحكمة والتعقل وحدهما الضامنين لعودة الامور الى نصابها وممارسة العمل السياسي الطبيعي من خلال المؤسسات الدستورية والخروج نهائيا من الشارع اذا صدقت النيات وصح العزم من الجميع، اما اذا لم ترتض بعض الاطراف اللبنانية هذه العودة واصرت على وضع الشروط حواجز على طريق الحلول، فإن الامر يصبح اكبر ويخفي وراءه ما هو اخطر، وما دمنا اليوم في ايام فضيلة مع اقتراب عيد الأضحى المبارك فإننا نأمل من جميع المخلصين في لبنان ودنيا العرب ان تتشابك ايديهم ويبذلوا المستحيل لإنقاذ لبنان من اودية المهالك التي يتدحرج اليها، ليعود الى حياته وحياة ابنائه الطبيعية.
ولا ننسى هنا الدور العربي الذي بذل ولايزال جهودا مشكورة لإيجاد الحلول التي يتوافق عليها اللبنانيون للخروج بوطنهم نهائيا من معاناته، ولايزال هذا الدور معقد الآمال، والبديل هو الاخطر.
ولقد كانت الكويت بقيادة صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد ولاتزال تحمل نصيبا من هموم لبنان الذي ترى فيه نموذجا ومثالا للحياة الوطنية الوادعة التي تأمل الكويت ويأمل اللبنانيون العودة اليها من اجل خير لبنان والكويت والعرب جميعا.
الشيخ د.محمد رشيد قباني
مفتي الجمهورية اللبنانية
الصفحة الأولى في ملف ( pdf )