ببراءة وادعة اتفقت الفتيات الثلاث معا ذات يوم للذهاب للعب الكرة.. تدفعهن حماسة الصبا وحيوية الأيام والآمال والطموح بلا حدود، وارتسمت بهدوء أحلام المستقبل «الكرة والكأس» ووثقتها الصور التي تفصح عن الكثير أحيانا وتنبئ بالمستقبل.. وبعد طول اجتهاد وعناء وجدن مكانا ملائما للعب، فمضى يوم جميل لا يزلن يذكرنه بحبور وفرح، كبرت الفكرة فتحولت إلى مشروع كبير في عقول يحدها صغر العمر وتعوقها عراقيل مصطنعة.. وانطلقت الشرارة «شرايچن نكون فريق»!
سعادة غامرة عاشتها فتيات كثر ممن طرحت عليهن الفكرة وبدأن التجمع على ملعب عبدالرحمن البكر بالاتحاد حينا وعلى ملاعب أخرى أحيانا كثيرة، لكن الوقت السعيد لا يلبث أن يمر سريعا كأنه لحظات بين رأسية هنا وتسديدة هناك وهدف مباغت قبل انتهاء الوقت، وانقضت اللحظات حتى أطلت المرارة بوجهها فجأة: «سالفة فريق بنات يلعب كرة شيلوها من راسكم»! تفرق جمع هؤلاء الفتيات محبطا «كل إلى غايته» يرددن شطرا من ملحمة إبراهيم ناجي الخالدة الأطلال «لا تقل شئنا وقل لي الحظ شاء».. ليس من سماتهن التمرد على الثابت، لكنهن بالوقت نفسه لا يرتضين الأجوبة المبتورة.. غير أن الحياة تمضي والعقبات جبال، ونافذو البصيرة وحدهم يرون أن المشكلة الآنية حلها لن يطول كثيرا.
فاطمة حيات شاركت في أول بطولة صيف 1997 خلال دراستها الثانوية في الولايات المتحدة، وقامت بالتنظيم والمشاركة في أول بطولة للاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الولايات المتحدة ديسمبر 2003 بمشاركة نورة الصباح ودلال الرويشد كانت الأعلى تسجيلا حينها، والهدف الأسمى تكوين اللبنة الأولى للأزرق لكن الأحلام تتأخر أحيانا لما يزيد على 21 عاما.. كم هي مؤلمة الأحلام المعلقة!
نورة الصباح اتجهت لمزاولة هوايتها المفضلة في مدرستها الأمريكية، وتزينت بالفضة والمركز الثاني في بطولة الوحدة الطلابية الأولى 2002، وزاملتها فاطمة حيات في تلك البطولة، وبعيدا هناك في بلاد الضباب انتظمت مع فريق جامعتها الانجليزية لتشبع شغفها الكروي فشاركت في دوري الجامعات ولعبت المباريات ذهابا وإيابا وعاشت حلمها.. لكن هناك غصة في القلب طاغية.
وثالثتهن فرح بودي التي كانت حاضرة وكبرت لديها الفكرة فأقامت أول دوري «سباعيات» نسائي ـ غير رسمي ـ على الملاعب العشبية 2008 وبمشاركة 12 فريقا، واستمرت بريادتها حتى أصبح يقام على ستاد جابر الدولي وبمشاركة 16 فريقا، ولم تتوقف مناضلة حتى أعلن عن أول دوري نسائي كويتي للصالات.. «الحلم لن يموت».
مرت السنين سراعا، وكلما تعثرت إحداهن في المحاولة وجدت الأخرى تمد يدا.. لم تفت من عضدهن قسوة فشل المحاولة وقلة الناصر ونظرات المتجهمين، بل صقلت تجربتهن الشاقة وزادتهن عزما وإصرارا على تحقيق الهدف.. وما أدراك بطاقة المرأة الكامنة!
أخيرا.. فاطمة حيات ونورة الصباح وفرح بودي وعائشة الخالدي ودلال الرويشد وغيرهن كثيرات.. حققن حلمهن الجميل وأمنية الكثيرات، بهدوء ودونما شعارات، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة كل فتاة تعشق «الكرة»، ويكفيهن من جميل الشرف ما يشاهدنه من فرحة ترتسم على محيا الفتيات بعد كل مباراة في الدوري النسائي الأول لكرة الصالات أو عقب انتهاء تدريبات الأزرق الصغير للناشئات لكرة القدم.. ويستمر الحلم.. وغدا واقع ينتظرهن.. لكنه حتما أكثر إشراقا وأجمل.