عبدالله العنزي
هناك في الانفيلد رود، كانت أرواحهم حاضرة أتوا إليه ليجددوا عهدا قديما فصاحوا بأصواتهم الصامتة! «لن تسير وحدك أبدا»، بكت عليهم الجماهير، وهم بكوا على فريق كان.. كان بطلا، شاهدوا ايان رايش فظنوا أن ليفربول يلعب اليوم، دققوا في الملعب فراحت ظنونهم هباء منثورا، وكأنهم استبدلوا «ابصروا» بـ «فقدوا» النور فلم تعد الدنيا بعدهم كما كانت! عندها فقط علموا أنه لا أحد يستطيع حمل أثقال بحجم شعار ليفربول و96 روحا الا اذا كان يقبع في المركز الـ 18.
الى الانفيلد جاءوا بحثا عن عدالة فقدت منذ 23 عاما، فاصطدموا بظلم آخر، فما أقسى شعور انهاء حياتك مظلوما بملعب كرة قدم لتعود روحك بعد كل هذا وتظلم مرة اخرى بملعب كرة قدم ايضا، وكأن القدر رفع بوجههم لافتة كتب بها «لا حظ للأموات هذا المساء»!
كانوا هناك، احياء لمدة 90 دقيقة فقط بعد أن ارتدوا على أرواحهم قمصانهم الحمراء، هم لم يؤمنوا بشيء أكثر من فريقهم ومقولة پاولو كويلو: «الحياة التي تنتهي بمجرد الموت هي حياة لا قيمة لها» جلسوا في مقاعدهم الـ 96 التي تركت لهم بالانفيلد والحماس يملؤهم بهتافاتهم وانفعالاتهم، وكأنهم يحضرون اليه للمرة الاولى!في ليفربول ثابروا بحثا طوال 23 عاما عن نصف الحقيقة، بحثوا فقط عن المتسبب بقتل 96 مشجعا، تاركين خلفهم النصف الآخر، والسؤال الأهم وهو: من دفن ليفربول مع موتى هيلسبره؟ فكل الاشياء كانت تدل على أن الانفيلد ليس ملعبا للفريق، بل هو قبر لبطل عريق، وردود السير بوبي تشارلتون كانت تدل على انه قبر، بالونات غيغز كانت تشير الى أنه قبر، حتى الحكم عندما احتسب ركلة الجزاء كان يعلم أنه قبر، فضربه ظلمه مادام الاموات لن يشعروا بالضربة ولن يشتكوا منها.
سأل أحد الفاشيين بيكاسو بعد أن شاهد لوحته «غرنيكا» والتي صور فيها الخراب الكبير لتلك المدينة على أيدي الفاشيين: «أأنت من فعل هذا؟»، وهو يقصد أنت من رسمتها، فرد عليه بيكاسو بجوابه الشهير: «لا.. بل أنتم!»، ولو سأل لاعبو ليفربول الحكم عن الخراب الذي تركه خلفه، لأجابهم بنفس جواب بيكاسو.
في ليفربول للموت طعم حلو، وانتصار تسعد به الجماهير المتعطشة لشيء من الفرح، لترقص به بجانب الجثث، وفي ليفربول أيضا للحياة مرارة، وهزائم تكفي ليعيش بها الناس في شمال انجلترا تعساء بجانب جيرانهم الفرحين.
هذه المرة لا تغنوا «لن تسير وحدك أبدا»، هذه المرة، غنوا «عندي حلم فيك.. عندي ولع فيك شو بدك أنو يعني موت فيك.. والله رّح موت فيك!».