قال ابن اسحاق: وحدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال: حدثت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، فسألته عمن بيني وبينه من الناس، فقال: هلكوا».
قال ابن اسحاق: وحدثني محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي ان أبا صالح السمان حدثه انه سمع أبا هريرة – قال ابن هشام: واسم أبي هريرة عبدالله بن عامر، ويقال اسمه عبدالرحمن بن صخر يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي: «يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا بك منه» فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ قال: «لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين اسماعيل، فنصب الأوثان، وبحر البحيرة، وسيب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمي الحامي».
أما جلب الأصنام من الشام الى مكة فيقول ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم:
ان عمرو بن لحي خرج من مكة الى الشام في بعض أموره، فلما قدم مآب من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق – وهم ولد عملاق. ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن لاوذ بن سام بن نوح – رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها، فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطونني منها صنما، فأسير به الى أرض العرب، فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له هبل، فقدم به مكة، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه.
قال ابن اسحاق: ويزعمون ان أول ما كانت عبادة الحجارة في بني اسماعيل، انه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم، حين ضاقت عليهم، والتمسوا الفسح في البلاد، إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم، فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك بهم الى ان كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة، وأعجبهم، حتى خلف الخلوف، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين ابراهيم واسماعيل غيره فعبدوا الأوثان، وصاروا الى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات، وفيهم على ذلك بقايا من عهد ابراهيم يتمسكن بها، من تعظيم البيت، والطواف به، والحج والعمرة، والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهدي البدن، والإهلال بالحج والعمرة، مع ادخالهم فيه ما ليس منه.
فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك». فيوحدونه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم، ويجعلون ملكها بيده.
يقول الله تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (يوسف: 106). أي: ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي. والله تعالى أعلم وأحكم.