حجرف الذويبي من قبيلة حرب القبيلة المشهورة في جزيرة العرب.. كان حجرف مشهورا بالكرم.. فقد كان ينفق كل ما يملك ولا يهتم إكراما لضيفه أو لشخص يطلب منه العون.. وإذا لم يجد شيئا يذبح شاة أولاده التي يشربون حليبها أو يذبح مطاياه التي يرتحل عليها.. وفي كل مرة كان بنو قومه يجمعون له من إبل ويعطونه إياها عوضا لما أتلفه بالكرم.. وكلما جمعوا له من إبل أو غنم أتلفه بين ذبيح لصاحب حق من الضيفان وعطية لطالب المعروف من العربان ولايزال هذا من فعله حتى يخرج من جميع ماله.. وهكذا.. وفي أحد الأيام كان حجرف وقبيلته نازلين بالقرب من الماء بالصيف وقد أتلف حجرف حلاله كله بالكرم.. وأرادت القبيلة أن تجمع له كالعادة فقال بعضهم.. لم لا نعطي حجرف درسا قبل أن نعطيه الإبل لعله أن يمسك على الأقل مطاياه التي يتنقل عليها؟.. واتفقت القبيلة كلها على هذا الرأي.. فقد قرروا أن يرحلوا ويتركوه.. حتى يعرف مدى حاجته إلى الرواحل التي تحمله.. فإذا مرت مدة صالحة للاعتبار.. أرسلوا له من الإبل ما يحمله وأهله.. حتى إذا ما أحس بحاجته إلى الإبل وبعد مرور أيام يرسلون له الإبل التي يتنقل عليها.
وبالفعل رحلوا وتركوه وهو ينظر لهم فلم يلتفت إليه أحد حتى بقي في مكانه عند الماء وحيدا.. وبالمساء أخذت زوجته تكثر عليه الكلام واللوم.. وتحاول أن تنصحه بأنه لو كانت لديه مطاياه لعانق قبيلته ولحق بها.
وهكذا لم ينم حجرف ليلته تلك فهم يريدون منه أن يتخلى عن طبع اشتهر به وعرف نفسه من خلاله وهو لا يستطيع وفي الصباح الباكر خرج حجرف من بيته يملأ قلبه الحزن والهم.. وقصد إلى مكان مرتفع كعادة البدو في ضيقهم يبحثون عن المكان العالي ويبثون حزنهم من خلاله حتى تذهب الهموم فيعود.
وبعد أن وقف في هذا المكان وتلفت فإذا ثعبان أعمى يقف أمام باب جحره فاتحا فمه ولا يتحرك وإذا بعصفور يقع على فم الثعبان ظنا منه أنه غصن شجرة فيلتهمه الثعبان ويدخل جحره.. وحجرف يراقبه ولم يبرح المكان حتى جاء وقت العصر.. فإذا بالثعبان يخرج ثانية ويفتح فمه كالمرة السابقة ويأتي طير آخر ويقع في فمه فيلتهمه ويعود لجحره.. أدرك حجرف أن الذي يرزق هذا الثعبان لن يتركه أبدا..
فأنشد يقول
يقول ابن عياد وإن بات ليله
ماني بمسكين همومه تشايله
أنا اليا ضاقت عليه تفرجت
يرزقني اللي ما تعدد فضايله
يرزقني رزاق الحيايا بحجرها
لا خايلت برقن ولا هي بحايله
ترى رزق غيري يا ملا ما ينولني
ورزقي يجي لو كل حي يحايله
جميع ما حشنا ندور به الثنا
وما راح منا عارضنا الله بدايله
وبالمساء بعد أن فرغ حجرف من قصيدته عاد لبيته وإذا هو محاط برعية إبل كاملة فظن أنهم ضيوف واحتار من أين يأتي سبحانه له.. عقلها في الصباح ورحل عليها وتبع قبيلته التي تعجبت من حال الذويبي فأين كان وأين أصبح ولما عرفوا القصة لم يعودوا ثانية لمعاتبته على كرمه.