حتشبسوت من ملكات مصر ـ المرأة الحكيمة
وليت حتشبسوت حكم مصر في القرن السادس عشر قبل الميلاد. وقوبل زواجها بأخيها في أول الأمر بالغبطة والابتهاج.
ولكن مات تحتمس الأول بعد ذلك بزمن قصير. ولحق به بعد عامين ابنه تحتمس الثاني شريك حتشبسوت في الملك.
خلا الجو عندئذ لحتشبسوت، فراحت تقوم بإصلاحات داخلية لتنشيط الزراعة والصناعة والتجارة بالبلاد، ثم عكفت على الاهتمام ببناء معبدها «أعجب العجائب» الذي يسمى الآن الدير البحري نظرا لأنه كان قد أقيم فوقه دير قبطي ثم هدم.
وأخيرا ظهرت حركة التمرد في المستعمرات الخارجية من جديد، وكان تحتمس الثالث - الذي أنجبه تحتمس الثاني من إحدى حظاياه - قد بلغ أشده وجاهر بأن من حقه الجلوس على العرش على الأقل من طريق تزويجه بابنة الملكة.
وانضم الكهنة إليه وعضده حزب المعارضين الذين قالوا ان المرأة لا تصلح للعرش.
وهنا يتجلى حذق حتشبسوت ودهاؤها وحكمتها، فقد فطنت إلى ان مخاصمته لن تعود بالخير عليها نظرا للظروف المحيطة بها.
فأظهرت عطفها على مطالبه ومنته بالمستقبل الزاهر، فإذا به يقبلها وتقبله كالعاشقين.
وعاد تحتمس الى جموحه. فوعدته الملكة بأن تزوجه من ابنتها التي كان يعشقها، والتي يصير بزواجه منها أميرا شرعيا.
ولكن الاصطدام وقع ثانية بينهما، فهي تريد الاستقلال بالعرش، وهو يريد ان يكون شريكا.
وحدث في الوقت ذاته ان انتفضت المستعمرات على حكم مصر وأعلنت العصيان وقتلت رسل الملكة.
عندئذ لم يكن هناك سوى أحد أمرين إما قتل تحتمس الذي يتكاثر أنصاره، وإما النزول عن المستعمرات وهذا قد يجر إلى ثورة داخلية.
وأبت حكمة الملكة ووطنيتها الصادقة إلا أن تكون التضحية من جانبها، فطلبت منها تحتمس قيادة الجيش والخروج إلى بلاد النهرين ثم إلى بلاد الكوش لإخضاع الثائرين، ولكنه عارضها بكل جرأة قائلا انه تحتمس الثالث ملك مصر، وأنه يريد ان يسير أولا إلى الكوش ثم يعود الى آسيا. ولما أرادت الملكة معارضته قاطعها رجال الجيش هاتفين لتحتمس. فلم تزد على أن قالت:
- إني أنزل لك الآن عن عرشي. فتربع عليه!
وانصرفت في هدوء. وقضت نحبها سنة 1500 ق.م.
من كتاب: عظيمات غيَّرن وجه التاريخ ـ إعداد: ابراهيم شرف الدين وعلي شرف الدين