الزباء مثال العناد
يجهل كثيرون ان الزباء حكمت مصر يوما ما، والواقع ان ممتلكاتها كانت تمتد من نهر الفرات الى البحر الابيض المتوسط، فكانت تدخل فيها القدس وانطاكية ودمشق والقطر المصري، وكانت قاعدة ملكها (تدمر).
وقد غاظ الرومان ان تنجح زنوبيا في ولاية الملك ولا تكتفي بأملاك زوجها بل تضم إليها ايضا بلدا غنيا كمصر، فأرسل اليها الامبراطور جيوشه مرة بعد اخرى، فكان لزنوبيا النصر في كل مرة. فلما اصبح اورليان المفترس امبراطورا على روما، ارسل جيوشه لتأديب هذه المرأة التي بلغت بها الجرأة الى تحدي الرومان وتسمية نفسها اوغستا وجعلت ابناءها يرتدون ملابس ملوك الرومان الارجوانية، ولما اقتربت جيوشه استعدت الزباء للقائها ووقفت تقول لرسل الامبراطور: «... قولوا له (للامبراطور) ان الامبراطورية التي رفعتني الى ذروة المجد قد صاغها زوجي معي. انها ليست منحة ولكنها ميراث وغزو وتملك، ولو تخلى مرسلكم عن ممتلكاته او بعضها بمجرد السؤال لتخليت عن مصر وعن شواطئ البحر الابيض المتوسط، حدثوه اني كما عشت ملكة فإن شاء الله سأموت ملكة، وإذا كان طموحا فإني اشد طموحا منه - وإني أتطلع الى امبراطورية اكبر وإلى شهرة غير ملوثة وإلى حب رعيتي...».
بهذه الروح الأبية القوية صرفت الزباء رسل الامبراطور وسارعت بجيوشها تقابل جيوشه، فهزمته اول الأمر حتى لقد كتب عنها: «... إن الذين يتحدثون باحتقار عن الحرب التي خضتها ضد امرأة يجهلون طبيعة زنوبيا وقوتها...».
وحاصر الامبراطور ابواب تدمر ثم ارسل يطلب الى الزباء التسليم، فرفضت في عناد وإباء، فمنع عن جيوشها المؤونة، فهربت تطلب المساعدة من جيرانها، ولكن الامبراطور اقتفى اثرها وأحضرها اسيرة فقالت له: «...إني اخضع لأورليان كغالب وكملكة!».
وسار الامبراطور ومعه الزباء اسيرة، فلما بلغ روما حيته الجماهير على انتصاره، واختلف الرواة فيما كان من امرها بعد ذلك، فقال بعضهم انها قتلت نفسها جوعا، وقال آخرون ان الامبراطور اهدى اليها قصرا عاشت فيه مكرمة وزوجت بناتها من اشراف روما وأصبح اصغر ابنائها ملكا على ارمينيا.
من كتاب: عظيمات غيّرن وجه التاريخ ـ إعداد: ابراهيم شرف الدين وعلي شرف الدين