فردريك نيتشه ـ عبقرية الجنون!
رغم شهرته وذيوع صيته كفيلسوف وكاتب، فقد كان نموذجا غريبا من البشر، وكما كانت شخصيته غريبة كانت حياته ايضا غريبة، اما الطريقة التي انتهت بها حياته فأغرب.
من اغرب ما يمكن ان تلحظه في شخصية نيتشه انه كان يحب المرأة بجنون ويكرهها ايضا بجنون وفي آن واحد، وربما بسبب هذه الازدواجية العجيبة قرر في النهاية ان يتلخص من حياته.
ومما يعرف ايضا عن هذا الفيلسوف الالماني الاشهر صاحب مبدأ «البقاء للأصلح» انه كان انطوائيا حيث عاش منعزلا عن المجتمع وكان لا يتحدث الا مع الحصان الذي يملكه، وعاش آخر 12 عاما من عمره في مستشفى المجانين.
«لست من اولئك الذين يعيشون ويموتون دون ان يتركوا شهادة او اثرا على مرورهم فوق هذه الارض، هناك تفاوت هائل بين عظمة مهمتي والامكانيات العقلية المحدودة للصغار المعاصرين لي، انا اعيش فقط على الرصيد الذي اوليه لنفسي، على ايماني الكبير بذاتي».
هذه العبارات كتبها نيتشه عن نفسه الذي يعد احد اهم الفلاسفة في تاريخ الفكر الانساني وهي عبارات تعكس «بارانويا جنون العظمة» المرض الذي فتك في النهاية بهذا الفيلسوف.
تطرف نيتشه وغرق في العدمية والتشاؤم والراديكالية، فصار وحيدا بلا اصدقاء ولم يتزوج.
وفي كل مرة كان يتقرب فيها الى امرأة كانت ترفضه، ووصل الى مرحلة اعلن فيها حربا شعواء على كل الناس، وكل الافكار، فاقدا الحد الادنى للتكيف مع البشر، ونسي كيف يصبح انسانا فصار يأكل في وحدته وعزلته نفسه بنفسه، وعبر عن ذلك في رسائله الى اخته قبل جنونه «اني اشتاق الى الكائنات البشرية، وابحث عنهم، ولكني دائما لا اجد غير نفسي، الآن لم يعد احد يحبني، فكيف احب الحياة؟!».
لقد ذهب نيتشه بعيدا بعيدا في تضخيم ذاته، فها هو يقول: ان من يعرف كيف ينعم بأنفاس كتابي يشعر انها انسام السمو ونفحات القوة.
وكتب عن نفسه ايضا: ان في اسلوبي رقصا ورماحا وطعنا ولغتي سخية كريمة وعصبية عنيفة.
وقد اثر مرضه وضعف بصره الذي اوشك ان يقترب به من العمى على انهيار عقله، واخذت تطارده اوهام العظمة والاضطهاد، وملأ كتابه الاخير بالاطراء والثناء على نفسه، وقال «ان المستقبل سيقسم الماضي الى ما قبل نيتشه وما بعده».
وكانت الضربة الكبيرة التي حلت بنيتشه هي التي وقعت له في العام 1889، لقد كانت ضربة الجنون وراح يتعثر في عماه في غرفته واخذ يكتب رسائل بدا فيها الجنون واضحا، فأرسلوه الى مستشفى الامراض العقلية لكن سرعان ما جاءت امه العجوز لتأخذه معها ليعيش تحت عنايتها.
من كتاب: أغرب شخصيات التاريخ ـ رمزي المنياوي