تصف جملة “الشعب المصري بلا كتالوغ” دأب المصريين على تحطيم المألوف، ليس في الاختراعات أو التكنولوجيا الحديثة، بل في تنفيذ فقط ما يدور في رؤوسهم دون حسابات أو مراعاة للمخاطر، لذلك نقلوا الشماريخ أو الألعاب والصواريخ النارية من المدرجات إلى الأفراح الشعبية، ولأن التقليد سمة غالبة اخترقت الشماريخ قرى تمتلك هوية وتقاليدا متجذرة في أعراسها.
ووجد تجار هذه الألعاب في وقت غابت فيه الجماهير عن مدرّجات الملاعب المصرية بسبب الألعاب النارية، البيئة البديلة لترويج بضاعتهم، إذ بدأت في موسم الأعياد ثم تجاوزتها وانتقلت إلى الأفراح الشعبية في غالبية المدن والقرى المصرية.
ودفع المنع البعض من التجار إلى ترويج الشماريخ عبر صفحات متخصصة على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي.
ووقف محمد خالد الشهير بـ“ماندو”، على مدخل أحد الأفراح بالقاهرة، يبيع الألعاب النارية على حامل خشبي صغير، وتضم بضاعته الشماريخ بأنواعها وأحجامها المختلفة، ويعتمد ماندو في بيع بضاعته غير المصرّح بها على الأفراح.
وقال لـ“العرب”، إنه يتجوّل من عرس إلى آخر في المنطقة الشعبية التي يقطنها، ويتسابق المدعوون من الشباب لشراء الشماريخ أو الصواريخ خصوصا كبيرة الحجم، ويعتبرون إشعالها والرقص بها نوعا من المجاملة لأصحاب الفرح، ويبيع منها العشرات كل ليلة عرس وربما تنفد بضاعته قبل انتهاء العرس.
ومن المعروف أن الأفراح الشعبية في المدن لها قوانين خاصة، وشهدت العديد من التطورات، حتى حفلت شوارع مصر الآن بما يطلق عليها أفراح المهرجانات، وفيها لا يكف مسؤول الـ“دي جي”، عن تشغيل أغاني المهرجانات الشعبية الشهيرة، بينما يتراقص الشباب والفتيات على هذه الأنغام، بحركات غريبة، ويحملون في أيديهم الألعاب النارية، وفي ذلك تتنافس العائلات ويتباهى كل منهم عن فرح ابنه أو ابنته بتماه شديد قائلا “ولّعنا المنطقة”.
ويقف والدا ووالدتا العروسين في خيلاء شديدة داعين المولى أن يحرس أبناءهم من كل حاسد، بعد أن ملأوا المنطقة فرحا وضجيجا ودخانا، فهم يعتبرون أن ما يجري فتوة يحسدون عليها.
ومن يعتاد رؤية هذه المشاهد في المدن، فمن غير الطبيعي أن يشاهد ذلك في قرى الدلتا أو الصعيد، لأن لكل منطقة طقوسا خاصة في الأعراس، بسماع المداحين في ليلة الحناء ويتوسطهم العريس بالجلباب الأبيض، بينما تتواجد العروس في بيتها بين السيدات اللائي يحتفلن بالطبل والزغاريد.
لكن ظاهرة الألعاب النارية تفشّت كالنار في الهشيم، لتتواجد ضيفا رئيسيا على غالبية الأعراس في مصر، ويتراقص العروسان قبل المدعوين والمجاملين، ورغم أن أفراح أهل النوبة في جنوب مصر لها طابع خاص، في نوعية الأغاني والرقصات وطقوس العرس نفسه، غير أن موضة الشماريخ أغرت شباب النوبة.
ولم تعد العروس المصرية في أعراس الشوارع تجلس بخجل وسط الحاضرين، تعلو وجهها ابتسامة، بينما تجول عيناها بحثا عن شريك عمرها وسط الرجال. وصارت الآن تشاركه بجرأة رقصة الشماريخ الاستعراضية، وتنافسه في أداء حركات صبيانية.
وتكشف تفاصيل الحفل طريقة تفكير تتشابه فيها الغالبية التي تسعى فقط إلى التقليد، وبالتالي صار تواجد الألعاب النارية في الأعراس لا يقل أهمية عن العروسين، دون مراعاة لأن تمرّ ليلة العرس بسلام.