غالبا ما يتم اللبس بين مفهوم الحرية ومفهوم الجرائم المنصوص عليها في قانون الجزاء والتي هي بعيدة كل البعد عن الحرية، فالحرية لا تعطي الفرد الحق في السب والقذف والتشهير ونشر مستندات الدولة الرسمية، فهذه كلها منصوص عليها عقوبات منذ أن تم وضع القانون الوضعي في الكويت وهي أيضا موجودة منذ بزوغ الإسلام حتى ان بعض العقوبات المنصوص عليها في قانون الجزاء الكويتي أرحم بكثير مما نص عليها الله سبحانه في كتابه الكريم، ولنا ابرز مثال في حد القذف الذي سنّ الله له عقوبة بدلالة قطعية واضحة في كتابه الكريم بالجلد ثمانين جلدة وعدم قبول شهادة القاذف أبدا حتى وإن تاب.
ولو رجعنا إلى العقوبة المقررة في قانون الجزاء الكويتي للقذف وهو الذي يندرج تحته اتهام الآخر بالسرقة والزنا وغيرها فهذه كلها تندرج تحت القذف، فنجد أن عقوبة الله فيها أشد إلا ان شرع الله في مثل هذه الجريمة غير مطبق على الرغم من ان حق الله فيه غالب عن حق العباد لما في هذه العقوبة من حفظ الأعراض من لوك الألسن فلو كان مثل هذه الجرائم مباحة في الإسلام لكنا عذرنا من يطالب بتغيير قانون الجرائم الإلكترونية ولكنها حدود الله غير المطبقة.
وعلى الرغم من ان مثل هذه الجرائم لا تمتّ للحرية بصلة إلا ان البعض يجد الكويت تقيد الحريات لأنها تطبق قانون الجزاء المعتمد عالميا، فمن يظن خطأ أن الكويت تمارس عقوبات على المغردين في تويتر أو مستخدمي بقية وسائل التواصل الاجتماعي أنها منفردة عن بقية انحاء العالم فهذا لأن البعض مغيب تماما عن الأخبار العالمية وما يدور حول العالم، فهناك أناس في بلدان كبرى طبقت عليهم عقوبات أشد من الكويت لجرائم لا تصل إلى ما يقوم به بعض منتهكي القانون لدينا.
فمن يعطي الحق للآخر ان يقذفه أو يشتمه أو يهدده أو يسرب مستندات الدولة وفي المقابل نقول هذه حرية وهي جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات منذ زمن ولم يكن أحدا يشعر بها لأن عدد من ينتهكها كان أقل بكثير مما نشهده اليوم.
هذا فضلا عن أن الشاكي الذي شتم واتهم بما ليس فيه وتم التشهير به لن يسكت عن حقه، فبالتالي لجأ للقضاء لأنه لا يحق لأحد أن يقتص لنفسه ولو تم إلغاء قانون الجرائم الإلكترونية سنتحول لغابة كل من شتم أو قذف أو تم التشهير به يحق له في المقابل ان يستأجر عصابة ويعتدي على من قذفه فتعم الفوضى ويختل الأمن في المجتمع.
وفي المقابل فإن مرتكبي الجرائم الإلكترونية تارة مشكو في حقهم وتارة أخرى هم شاكون لأنه لا أحد في المقابل يقبل أن يشهر به أي كان وهذه هي العدالة.
لذا فقانون الجرائم الإلكترونية لن يلغى لأنه مشتق من قانون الجزاء ومن سيلغي قانون الجزاء؟ فهذا مستحيل فهذا قانون دولي مطبق في جميع أنحاء العالم.
لذا فمن يمارس عملية تضليل المواطنين بأن قانون الجرائم الإلكترونية سيلغى فهو يمارس دورا خادعا فهو ابدا لن يلغى لأنه كما ذكرنا جزء من قانون الجزاء فكيف له ان يلغى؟
ففي السابق لم يكن قانون الجرائم الإلكترونية موجودا لأنه لم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي ولأن القاعدة الشرعية هي لا عقوبة إلا بقانون فلم يكن من الممكن نص العقوبات المنصوصة بقانون الجزاء فأضيف إليه نمط جديد من الجرائم حتى يتم تحديد العقوبات بشكل واضح لأنه من يشتم أحدا في محيط عشرة أشخاص بالتأكيد ليس كمن يشتمه أمام عشرة آلاف متابع في وسائل التواصل لذا كان لابد من تكييف العقوبة على قدر الجرم.