في شهر رمضان جميعنا نلتمس الطاعات للتقرب من الله سبحانه علنا نكفّر فيها خطايانا طوال العام وقد يكون هذا الشهر الفضيل فرصة فيه لتكفير الخطايا والسيئات وقد تكون أقلها إرهاقا علينا وأسهلها هو الإحسان.
ففضيلة الإحسان أوصانا الله بها في كتابه الكريم في مواضع متعددة وكذلك رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، ففضل الإحسان يلتمسه المرء منا في حياته قبل آخرته.
ولكن للإحسان أوجه متعددة وقد تكون أكثرها أهمية هو أن تقي الآخرين من شرك ومن فتنك، فهذه أعلاها مرتبة، فيخطئ البعض حين يعتقد أنه إذا ما قام بمساعدة أقربائه وأصدقائه والمقربين إليه وقام بإيذاء الآخرين غير المقربين منه انه بلغ الإحسان الذي يرجوه.
ولكن هذا الإحسان مرفوض فما فائدة أن تكون محسنا لأقربائك وتثير الفتن والزوابع في مجتمعك وأمتك الإسلامية فتلقي الرعب في قلوب الناس وتقلق منامهم وتسبب الشقاق في المجتمع الذي تعيش فيه، فأي إحسان يعتقد البعض أنهم يقومون به وهم يفسدون بلدانهم الآمنة بما يقومون به من أعمال تهدد أمن أوطانهم. قد يعتقد البعض مخطئا أن ما يقوم به هو لأجل الصالح العام ولكن أي مصلحة عامة ترجوها أوطاننا ونحن نشق الصف الوطني ونزرع البغض والضغينة في قلوب المجتمع ثم نقول بعدها نحن محسنون ونأمل أن يجعلها الله في ميزان حسناتنا.
فأي حسنة يرجوها ممن يهددون استقرار أوطانهم وقد نهانا رسولنا الكريم في مواضع عديدة عن إثارة الفتنة والقلاقل في المجتمعات الآمنة، فدم المسلم وماله وعرضه حرام على المسلم وحين يشحن البعض البعض الآخر وتكثر البغيضة فنحن بذلك نهدد أمن هذه البلدان الآمنة ثم بعد ذلك يسأل البعض الأجر ويعتبر نفسه يقوم بالحسنات لمجتمعه وللآخرين.
إن المشكلة الحقيقية التي يعاني منها البعض هو انه يغلب مصلحته الآنية على مصالح مجتمع بأكمله، فالمجتمع كما يحتاج للغذاء والدواء فهو أولا بحاجة للأمن والاستقرار والسكينة وهذه متى ما فقدت فنحن نعرض مجتمعات بأكملها للدمار والشقاق والقتال ولنا في كثير من المجتمعات أسوة بما حل بها نتيجة إثارة الفتنة فانهارت تلك البلدان وقتل العديد من أبنائها وتشقق المجتمع بين مؤيد ومعارض، فهل اكتسب من أثار الفتنة في تلك المجتمعات حسنات من جثث قتلى الشقاق السياسي؟ بالتأكيد لا لأنه تسبب بدمار شعوب بأكملها وانهيار بلدان، فحسنة الإصلاح تأتي بالحوار العقلاني وبالمودة والرحمة وليس بزعزعة الاستقرار وإثارة القلاقل وشحن الشعوب للتمرد والقتال.
فدائما الإحسان الحقيقي يأتي بالإحسان، والحوار العقلاني والراقي يأتي بالخير على الجميع، فمن يرغب بالحسنات من الإصلاح فليسلك الطريق الماثل لبلوغ مبتغاه وليس بأسلوب الفتنة والشحن.
ودائما طرق الخير والحب والصلاح لا تأتي إلا بالخير على الجميع فتنعم المجتمعات بالخير الوفير من جراء لغة العقل والمنطق ولكن أسلوب الفتنة والشقاق والفضيحة لا يأتي إلا باللعنة السماوية وغضب الرب على من أيقظ الفتنة في بلده الآمن.
فكثيرا نردد مقولة إذا ما دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، فالله سبحانه دائما بالمرصاد وهو الذي يقتص ممن يثير الفتنة والقلاقل في مجتمعه ويشق صفوف المسلمين.
لأن من يفضح أخاه المسلم ويسعد بالفضيحة هو يتناسى أولا أنه فضح أخاه في الإسلام ففرح إعداء الإسلام به حين يجدون أن المسلمين المتآخين بالإسلام قد شبت الفتنة بين صفوفهم وبدأت القطيعة في مجتمعاتهم وضعفت دولهم فنكون أرضا خصبة لمن يريد أن يتصيد علينا الأخطاء ويستغل شقاق المسلمين.
حقيقة هناك جماعات كثيرة صنفتها بلداننا بأنها جماعات إرهابية، ولماذا صنفت كذلك لأنها ترتدي زيفا ثوب الإسلام وهي تخدم في باطنها مصالح أعداء الإسلام فتدعي الإحسان في أعمالها وباطنها يضمر الشر لأمة لا إله إلا الله.