إن المطالبات الشعبية بتعديل التركيبة السكانية حتى تكون النسبة البالغة للمواطنين أكثر من الوافدين أمرها غير ممكن في الفترة الحالية في ظل وجود قوانين غير فاعلة، هذا فضلا عن احتياج القطاع الخاص للعمالة الوافدة مع عزوف الكويتيين عن العمل في القطاع الخاص.
وقد يعزي البعض إلى ان عزوف المواطنين عائد إلى أن الكويتي لا يفضل تحمل تبعات العمل في القطاع الخاص إلا ان هذا الأمر غير صحيح، حيث ان أول أسباب عزوف المواطنين هو عدم احترام العمالة الوطنية في القطاع الخاص.
نعم، فلا يوجد أي احترام وتقدير لأبناء الوطن متى ما قرروا العمل في القطاع الخاص، وقد تكون أول مظاهر عدم الاحترام هو قرارات الفصل وإنهاء الخدمات بلا مسوغ قانوني، وقد تكون أبرز عبارة يكتبها أصحاب الأعمال لدى إصدار قرار الفصل عن العمل هو عدم التقيد بما جاء في متطلبات العمل.
ولأنه لا يوجد قانون يحمي العمالة الوطنية من الفصل التعسفي بالتأكيد سيزداد عزوف المواطنين عن العمل في القطاع الخاص، وسيستمر الإقبال على القطاعات الحكومية نظرا لأن العمل الحكومي أعلى أجرا وأكثر أمانا وظيفيا وفيه احترام للمواطنين.
إلا ان اليوم الحكومة لن تعود قادرة على تحمل كل الخريجين الباحثين عن العمل والتوجه، كما تم التصريح الأخير به من قبل مجلس الوزراء ألا وهو توفير اكثر من مائة ألف وظيفة للعمالة الوطنية في القطاع الخاص، لن يتشجع احد على الانخراط في ظل قانون العمل الحالي.
فالقانون الذي ينظم عمل العاملين في القطاع الخاص حصن أصحاب الأعمال وجعل السلطة والقرار بيد صاحب العمل، وهذا بالتأكيد أحد مظاهر الاضطهاد الذي تعمد البرلمان تشريع مثل هذا القانون الذي لا يحمي حقوق الكويتيين ويجعلهم في موقف الضعف أمام أصحاب الأعمال.
فالقانون حدد أن مدة عقد العمل لابد ألا تتجاوز السنة مع قابليته للتمديد، أي أن العامل في القطاع الخاص لا يستطيع ان يوقع عقد عمل لعشر سنوات على سبيل المثال بل هو محدد بسنة واحدة قابلة للتجديد وفق أهواء صاحب العمل إما يجدد وإما لا.
هذا فضلا عن ان اغلب التعيينات التي تتم في القطاع الخاص لا تتم وفق التعاقد بل بقرار يصدر من الموارد البشرية بالتعيين، وعليه يكون الكويتي طرفا ضعيفا بالعقد، ولا يستطيع ان يحدد شروطه أو أن يحدد في العقد أي مطلب له، وعليه فإن أغلب التعيينات لا تعتبر عقدا بمفهومه القانوني الصحيح بل قرار تعيين من صاحب العمل، ولا يملك الكويتيون أن يحددوا متطلباتهم أو أن يتم تحديد اختصاصهم الوظيفي أو آلية العلاوات والترقيات.
هذا جانب والجانب الآخر الذي يدعو للعزوف هو عدم الاستقرار الوظيفي، فالمزاجية تحكم علاقات العاملين في القطاع الخاص إما أن أحبك وإما ان أكرهك ولا ينظر للكفاءة وهذا أمره إذا ما استمر بالتأكيد فلا مستقبل للقطاع الخاص لدينا لينمو، وسيؤدي لمشكلة اقتصادية كبيرة مستقبلا.
الأمر الآخر الذي يدعو للعزوف هو تدني اجر العاملين الكويتيين، فهم يعتمدون بالدرجة الأولى على دعم العمالة، أما الأعمال التي يقومون بها لدى الشركات والمؤسسات الخاصة فهي تدفع أدنى الأجور مع ساعات عمل طويلة وأعباء شاقة.
وعليه، فإن الاستمرار على هذا النهج فبالتأكيد يجعل العزوف عن القطاع الخاص مستمرا، هذا فضلا عن بناء مؤسسات اقتصادية ضخمة وقطاع خاص قوي يكون رافدا للدولة لن يكون وسيستمر الاعتماد فقط على موارد الدولة الرسمية.