يبدأ الشباب حياتهم في الكويت بعد التخرج بالانخراط بالوظيفة الحكومية، ويمضون خلالها سنوات طويلة بين الكد والجد والعمل الدؤوب لنيل الرزق والأمل للارتقاء بالسلم الإداري والوظيفي، البعض قد يحقق مآله والبعض الآخر ينتهي من حيث ابتدأ، وهذا بالتأكيد فيه ظلم لشريحة كبيرة من موظفي الدولة الذين لم ينالهم نصيب من حلوى الترقيات وتقلد المناصب.
البعض قد يعول السبب في أن تبوؤ المناصب في الكويت يحتاج إلى واسطة ومحسوبية لبلوغ المنال والترقي الوظيفي، والبعض يعتبرها مسؤولية الموظف ذاته الذي لم يفلح في إثبات وجوده في عمله، والبعض الآخر قد يعتبر أن الأسباب عائدة إلى إمكانيات ومهارات قد لا تتوافر في الشخص ليتمكن من تبوؤ المناصب القيادية.
وأيا كانت الأسباب السالفة الذكر يبقى مواطنو الدولة مسؤولة عنهم الحكومة، فنحن نرفض أن تتخلى الدولة عن أبنائها في كل حالاتهم سواء في الشدة أو الرخاء أو شبابهم أو شيخوختهم، المهم أن يكون المواطن الكويتي يتمتع بقدر كاف من الراحة والطمأنينة في وطنه، وأن يحيا حياة رغدة لا ينقصه شيء ولا يشعر بمشقة الحياة، وهذا بالتأكيد أثره سينعكس على المجتمع بأكمله، فمتى ما كان المواطنون سعداء ويحيون حياة رغدة في أوطانهم نكون بهذه الطريقة قد أمنا المجتمع من إفرازات وسلبيات مشاعر الغبن والقهر التي قد تجتاح البعض والتي قد ينتج عنها سوء أو عنف في السلوك قد تدفع الأسر والمجتمع بأكمله ثمنه.
فقد يعتقد البعض أن العمل مجرد وسيلة لكسب الرزق وحسب، وهذا بالتأكيد تفكير يخالف المنطق الذي تنتهجه معظم الدول المتقدمة اليوم، فهناك تصنيفات جديدة للأعمار فلم يعد الأفراد في سن الأربعين أو الخمسين يعتبرون في سن الكهولة كما كان سابقا بل بداية حياتهم التي يتمتعون بها بقدر كبير من العطاء والنضج على كل الأصعدة، إلا أننا ولأننا نعتبر دولا في طور التقدم والنمو فمازال البعض يطالب بإنهاء حياة الموظفين الكويتيين في سن مبكرة وهو التقاعد المبكر الذي يطالب به الأغلبية.
فعلى الرغم من المناشدات المتعددة لكثير من الإعلاميين والكتاب بضرورة إيجاد حل لأزمة التقاعد المبكر، نجد أن البعض وللأسف يشن التشريعات لتتواءم مع طبيعة فئة قليلة من أبناء الشعب ممن لا يرغبون في العطاء بعد سن الأربعين على اعتبار أن العمل لديهم وسيلة لكسب الرزق وانتهى، هذا فضلا عن المحاولات المتعددة التي تقوم بها بعض مؤسسات الدولة في تطفيش موظفيها من ذوي الخبرة بحجة توفير فرص عمل جديدة للشباب على اعتبار أن مقعد الوظيفة الحكومية يتم التناوب عليه دون محاولة إيجاد حلول بديلة من قبل الحكومة لاستيعاب الشباب المقبل على العمل دون المساس بمكتسبات أو أماكن أصحاب ذوي الخبرة.
وهذا ما دفع بكثير ممن تعرضوا لضغوطات في مقار عملهم إلى التقاعد والاكتفاء إما بالسفر أو النوم أو انتظار الموت، على اعتبار أن التقاعد هو نهاية حياة دون أن يكون هناك تخطيط من قبل الدولة في فتح الآفاق أمام المتقاعدين، وتقديم برامج تساعدهم على تحسين دخولهم وإملاء وقت الفراغ بما يعود بالنفع عليهم.
وهذا بالتأكيد بحاجة إلى وقفة جادة من قبل المجلس الأعلى للتخطيط لتكييف سياسات الدولة بما يتوافق مع الطاقات الموجودة لدينا، فهناك شباب أي نعم بحاجة إلى فرص عمل وظيفية، ولكن في المقابل هناك فئات ناضجة ولديها خبرات من الضروري أن تتم الاستفادة منهم بما يخدم مصالح الدولة وبما يمكن هذه الشريحة من عدم إصابتها بالكسل والعجز سواء في سن الخمسين أو الستين.
ويكون ذلك بالتأكيد من خلال تطويع التشريعات بما يخدم مصالح هذه الفئة، ويكون ذلك على سبيل المثال بتمويل مشاريعهم ليتمكنوا من البدء في حياة جديدة واكتساب الرزق وملء أوقات الفراغ لديهم.