الكل ينادي وعلى مر الأزمنة الماضية بضرورة تعزيز الحريات وهذا كما كفلته الدساتير في كل أرجاء العالم فأهم الركائز الأساسية التي قامت عليها الدساتير هي تعزيز الحريات لضمان تمتع المواطنين والأفراد بحرية سواء في العمل أو الدراسة أو التعبير عن الرأي والمشاركة السياسية وإزالة الفوارق بين الطبقات فلم يعد بعد ظهور الدساتير طبقة النبلاء والنخبة والصفوة كما كان الوضع في القرون المنصرمة.
بل في ظل ما كفلتة الدساتير اليوم الكل سواء والكل متساو في الحقوق والحريات مع اختلاف المستوى المادي من فرد إلى آخر بحيث من يملك المال ولو بصورة مؤقته يستطيع الدخول في أي مكان ويعامل كأنه من كبار الشخصيات ثم بعد أن تنتهي الأموال ويخرج المرء من المكان الذي فيه يعود لسابق عهده ويمارس حياته طبيعية إذن الوهم اليوم بات يشترى بالمال ففي السابق كانت الفوارق بين الطبقات بشكل واضح وحقيقي، أما اليوم فلغة العصر هي المال ومتى ما توافرت الأموال ولو بشكل مؤقت تتساوى فيها الرؤوس وتزول فيها الطبقات.
فالحريات نعم موجودة وصياغة القوانين سواء أكانت قوانين جزاء أو تجارية أو مدنية كلها كفلت الحقوق ذاتها للأفراد فالقانون يطبق على الجميع وهذه من أوجه الحرية فالحرية تتساوى بها الرؤوس فلا فرق بين كبير وصغير وغني وفقير مادام هناك قانون يطبق فالرؤوس تساوت، وهذا ما كان يسعى إليه المطالبون بالحرية والذين قد دفع البعض منهم بحياته من اجل ذلك.
ولكن في المقابل وفي كثير من الأحيان يتم اللبس بين الحرية والجريمة سواء أكان على مستوى الأفراد بينهم وبين بعضهم أو بين علاقتهم بالجهات الرسمية بالدولة فهناك فرق كبير بين أن تكون حرا وأن تنتهك حرية الآخرين أو أن تحجر عليهم باسم الحرية وهذه كثيرا ما تحدث وبالأخص بين من لديهم نزعات إجرامية فيسيطر القوي أو (البلطجي) بمعنى آخر وإن صح التعبير على من يحيطون به فإما عن طريق التهديد أو الضرب أو بالحيلة فتتم السيطرة على من يحيطون به وتجد ان مثل هؤلاء يكون بداية نفوذهم في بداية حياتهم بمن يحيطون بهم بالعائلة أولا ثم يشاع تمردهم الى المدرسة ثم العمل ثم المجتمع وهؤلاء بالتأكيد يهددون الأمن القومي على كل الأصعدة ومن الضروري أن يتم أخذ الحيطة والحذر منهم ووضعهم تحت الرقابة الأمنية.
فاليوم نحن بحاجة ماسة إلى يقظة الأجهزة الأمنية بحيث كل من تقدم فيه شكوى يوضع تحت الملاحظة
لفترة للتأكد من تقويم سلوكه وليس تركه للاستمرار في إيذاء الآخرين باسم الحرية فالبعض يعتبر أن وضع
الأفراد المقدم بحقهم دعاوى وشكاوى تحت الرقابة الأمنية فيه انتهاك لخصوصيتهم ولكن هذه الخصوصية في
المقابل من الضروري أن تنتهك تجاه أفراد
ينتهكون خصوصية الآخرين ويعتدون على الآخرين، وغالبا ما تسفر القضايا إما بالحفظ أو مع وقف
التنفيذ أو بغرامة بسيطة وذلك بسبب تفشي الكثير من القضايا في المجتمع بشكل مطرد، وبالتالي فلن يتم حبس العدد المهول من الأفراد الذين يتم رفع قضايا ضدهم وبالتالي فلأجل الحفاظ على حرية هؤلاء بات المجتمع يتضرر منهم.
فاليوم بات من الضروري وفي ظل تفشي بعض الظواهر السلبية كالطلاق مثلا بشكل كبير دون التمكن من وضع ضوابط لهذه الظاهرة تحت مسمى الحرية بات من الضروري في المقابل أن تنتقص حرية بعض الأفراد قليلا للحفاظ على كيان المجتمع في ظل ظاهرة الطلاق المتفشية في المجتمع، فالقانون على سبيل المثال يجرم الاطلاع على الملف الأمني وسجل الزوج للزوجة والعكس صحيح بحجة الحرية، ولكن هذه الحرية بات يتضرر منها الكثير من العائلات بحجة الخصوصية والحرية لذلك فمن الضروري أن تتغير قليلا بعض المفاهيم عن الحرية للتمكن من صون المجتمع وحماية الأسر من التفكك.