تتصدر بين الفينة والأخرى قضايا تشغل الساحة المحلية، ومن ضمن القضايا التي تصدرتها الصحف توجّه الدولة في الخصخصة لبعض المرافق التي باتت تشعر الدول أانها تشكل عبئا عليها من ناحية تكبّد خسائرها من جهة، ومن جانب آخر هو اقتناع الحكومة بضرورة نزع ثوب السلطة عن بعض المرافق لما له من اثر في تحسين بيئة العمل خلالها، فبعض المرافق لا يصح ان تدار بعقلية القانون الإداري، بل لابد ان تكون بعقلية المرفق الخاص حتى وإن كان الهدف هو تحقيق النفع العام أو إشباع حاجات عامة.
فيعتقد البعض أن اقتصار تحقيق النفع العام ليس من الضروري ان يجر معه تحقيق المنافع الخاصة بحيث حتى لو تملكت الأصول التي تنوي الدولة خصخصتها بأن يتملكها الافراد وتدر عليهم الأرباح ولا تدخل هذه الأموال في خزينة الدولة فإنها من جانب ستحقق نفعا عاما من حيث إنها ستكون رافدا لدعم الاقتصاد المحلي من خلال ملاءة البنوك بالسيولة من جانب هذا، فضلا عن توفير فرص عمل، فالقطاع الخاص والحكومي لابد أن يسيرا بخطين متوزايين ويجتمعا عند الحاجة للنهوض بالاقتصاد القومي للدولة.
إلا أن خصخصة بعض المرافق وترك إدارتها وتشغيلها للقطاع الخاص لا يمنع ان نطالب الدولة بأن تحافظ على سهمها الذهبي بحيث تكون لها الكلمة العليا متى ما استلزم الأمر لحماية هذه الأصول التي هي في الأساس مملوكة للدولة.
فعلى سبيل المثال، لدينا توجه لخصخصة الكهرباء والماء والبريد والنقل وكلها في مجملها تحقق خدمات عامة للجمهور وهي مرافق حيوية وتشكل عصب الحياة، وهذا لو فرضنا جدلا بأنه لو قامت الدولة بخصخصتها بشكل كلي وتركتها للقطاع الخاص بشكل كامل هنا بالتأكيد الدول قد تضع نفسها في مأزق مع الجمهور نظرا لأن القطاع الخاص سيفكر أولا بتحقيق الربح ولن يعتني بالضرورة باحتياجات المواطن الذي قد تباع له هذه الخدمات بأسعار لا يستطيع تحملها وتكبد تلك النفقات التي ستظهر عليه.
وبعيدا عن ذلك فإن مثل هذه الأزمات التي قد تفتعل من جراء الخصخصة ستعمل بدورها على تأجيج الشارع على الحكومة وسنعود للخندق الأول الذي لا نكاد خرجنا منه من بداية استجوابات ثم تجمعات في ساحة الإرادة وما شابه ذلك نتيجة الغضب الذي قد يسببه القطاع الخاص متى ما تملك مثل هذه الخدمات وفكر بعقلية الاقتصادي البحت ألا وهو تحقيق الربح الذي قد يكون من جيوب المواطن كما هو الحال مع تجار العقار لدينا، فأزمة الإيجارات أساس كل التشنجات ومعاناة المواطنين، فغلاء الإيجار تسبب في إضعاف الدخل الشهري للمواطنين بشكل كبير فمعظم الأزواج اليوم لديهم العديد من الأزمات الاقتصادية بسبب الإيجار، فتجار العقار نظرا لتفكيرهم بالربح الصرف تسببوا بأزمة للحكومة مع المواطن ولم تحل حتى الآن ولن تحل بهذه السهولة.
وهذا ما يجعلنا نقيس عليه الأزمات التي قد تطفو على الساحة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من جراء الخصخصة دون ان يكون للدولة السهم الذهبي حتى تتمكن الحكومة من ضبط الأسعار ولا تتخلى عن أصولها المملوكة للدولة التي تشكل عصب الحياة.
فالكل يبحث عن التطوير والارتقاء بالخدمات وتعزيز الاقتصاد لكننا غالبا ما نعول على ضرورة ان تكون الإجراءات سليمة والتشريعات تلائم احتياجات المرحلة الحالية والمستقبلية لذلك نتوقع من المرحلة الحالية ومنذ البدء في تخصيص العديد من المرافق أن تكون هنالك تشريعات تحفظ حق المواطن أولا، لأن المواطن هو الأهم بالنسبة للدولة كون الحكومة مسؤولة عن المواطنين الذين يعتمدون عليها وتدير بالتالي شؤونهم، فلا نريد لأجل البدء بخصخصة المرافق أن ترافقها بالتالي أزمات سياسية تجعل المجتمع في حالة من الاحتقان بل كل ما نرجوه ان يتم تعزيز الاقتصاد بما يتلاءم مع ظروف المجتمع بشكل عام.