منذ بزوغ عصر الإسلام وقد قعّد الرسول صلى الله عليه وسلم القواعد الثابتة للدين، وجاء ذلك في اكثر من دليل ومنها ما جاء في آية (اليوم أكملت لكم دينكم) (المائدة:3) أي أن الدين قد اكتمل قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالقرآن والسنة النبوية الشريفة قواعد للمرء المسلم ونبراس لكل ما يشغل باله من أحكام تتعلق بحياته اليومية.
ومنذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تتغير الحياة، فما الذي تغير في الدنيا، فالدنيا لا تتغير، إلا ان الناس هم الذين يتغيرون وهم يتغيرون بين حالتين وحيدتين، إما ان يزيد الإيمان في قلوبهم وإما ان يقل، فنجد انه متى ما زاد الإيمان في قلوب البشر عمرت الكون وتحسنت العلاقات البشرية وقلت الجريمة وزادت المودة والرحمة بين الناس، ومتى ما قل الإيمان زادت معها الفرقة والجرائم، فنقص الدين هو الذي يتغير مع الزمان وليس له مقياس ثابت.
أما على خلاف ذلك فقواعد الدين لا تتغير، فلا يصبح الحلال حراما مع الزمن، ولا يصبح الحرام حلالا، وبالأخص أن الأصل في الإسلام الإباحة وليس التحريم كما يعتقد البعض، فما جاء الإسلام إلا ليخفف عن البشر ولا يزيد عليهم المشقة فكل فرض في الدين أتى ومعه فائدة للمسلم.
وعليه، فمن يعتبر أن الدين فيه غموض مع تعقد الزمان وأنه لابد أن تكون هناك فتاوى جديدة وأحكام جديدة هذا أمر مخالف للعقيده لأن الدنيا والبشر لم يتغيروا، فهل ظهرت مخلوقات جديدة أم تغيرت ملامح جسد الإنسان، فكل ما حدث هو ظهور التكنولوجيا وتطور الطب وهذا أمر لا علاقة له بقواعد الدين الثابتة، فما هو حلال بدون التكنولوجيا يصبح حلالا معها وما هو حرام بدون التكنولوجيا يصبح حراما قطعيا معها، فالأحاكم ثابتة لا تتغير مع تغير العلوم التطبيقية.
فالرسول عليه الصلاة والسلم كان يعلم بحال المسلم ما الذي سيؤول إليه وقد أطلعه الله سبحانه وتعالى على غيبيات اليوم الآخر ورأى أصنافا من البشر كيف يعذبها الله سبحانه بعد موتها وأعطاه علامات الساعة وعليه يمكننا التأكيد أنه لا شيء من الأمور التي تشغل بال المسلم اليوم قد غابت عن ذهن الرسول صلى الله عليه وسلم فهي ثابته راسخة حتى ان العلم الذي يشغلنا ويفتن البعض منا هذا علم يعتمد بالدرجة الأولى على الحديد وألم ينزل الله في كتابه سورة الحديد ومنافعها حتى التطبب وسواها الكثير منها قواعدها راسخة في الأحاديث النبوية.
بيد أن الكثير لايزال يشغله هذا حلال وهذا حرام على الرغم من المحرمات الثابتة في الكتاب والسنة فتبرز للفقهاء قضايا لم تكن تخطر على بال أناس تفتعل أفعالا حتى تحل حراما أو تحرم حلالا، ولنا على سبيل المثال ظاهرة بين النساء ممن يذهبن ليحقنّ أنفسهن بإبر حتى تدر حليبها وتكون أما بالرضاع لطفل قد تكون تبنته أو احتضنته، المهم أن البعض منهن يشغلن الفقهاء في قضية تخالف القاعدة التي اكتسبت صفة الأم بالرضاع، ألا وهو حليب الفحل الذي يدر للمرأة عقب ولادتها فترضع من تريد ويشترط بإذن الزوج حتى يصبح طفلها بالرضاع، أما ما يحدث في تقدم الطب في أحيان قد لا تنفع البشرية فالأصل من إدرار الحليب هو وجود ولادة، ولكن متى ما ذهبت المرأة بدون أن تلد وتقول للأطباء ادروا حليبي حتى أفتعل حلالا ويكون لدي ابن بالرضاع هذه أشبه بمن تريد إنجاب ولد بلا أب ومازال الفقهاء يختلفون في مثل هذه القضايا التي يفتعلها المسلمون وهي تفتح باب الفتن في حقيقتها، فعلى سبيل المثال من تأخذ مدرّا لكي تحيض في رمضان هل يصبح إفطارها في شهر رمضان صحيح وبناء على مثل هذه القضايا بات الفقهاء يتحيرون في ظاهرة خلق الحلال.