تعنى الاتفاقيات الدولية بشكل كبير بتنظيم العلاقات بين الدول بما يضمن الاستقرار العالمي ودرء الحروب التي قد تنشأ نتيجة الاختلافات، فتكون هذه الاتفاقيات السبيل لحفظ الحقوق والاتفاق ودرء الخلافات التي قد تنشأ، فيتم وضع القواعد التي تحكم العلاقة بين الدول لتكون بمنزلة قاعدة ثابتة تسير الدول عليها، ويتم الالتزام ببنود الاتفاقية فهي تكون ملزمة لجميع الأطراف التي وقعت على الاتفاقية.
وتتبدل الاتفاقيات وبنودها بشكل مستمر لتغير الأحوال والظروف حول العالم إلا أن هذه الاتفاقيات التي قد تلغى أو تتبدل لابد من حفظها وتدريسها للاستفادة منها للمراحل الدولية المقبلة، فعلى سبيل المثال قد يتم توقيع اتفاقية تجارية بين مجموعة من الدول، ثم بعد ذلك تتغير الظروف نظير تغير طرق الملاحة والاتصالات والنقل، ثم يتم التعديل عليها أو الغاؤها، ولكن القاعدة التي كانت تحكم العلاقة السابقة التي بنيت عليها الاتفاقية الأولى هذه من الضرورة أن يتم حفظها وتاريخها بما يضمن الاستفادة منها في المستقبل.
من جانب آخر، فإن التاريخ لابد أن يحوي كل الظروف والقصص التي حدثت بين الدول والتي نتجت عنها اتفاقيات مختلفة للاستفادة منها للأجيال القادمة وهو الذي لابد أن يدرسه طلبة تخصص التاريخ بالدرجة الأولى.
فتخصص التاريخ تمت الإشارة مرارا وتكرارا الى ضرورة تحديث المقررات التي يتم تدريسها بهذا التخصص حتى يكون لهذا التخصص قيمة عملية، فاليوم طلبة التاريخ مجال عملهم إما في التدريس أو في غير تخصصهم، ولكن خلق تخصصات فنية لهذا التخصص سيساعد بشكل كبير في تقدم الدولة وتطورها.
فمن الضروري ان يتم تأليف العديد من المقررات عن تاريخ الاتفاقيات والأحداث التاريخية التي أنتجت مثل هذه الاتفاقيات، لأن الباحث التاريخي بالتأكيد سيكون مساعدا لعديد من الفنيين في تخصصات أخرى، وهو سيساعد الديبلوماسيين والقانونيين في عملهم، وسيمثل حجة مقنعة للعاملين في قسم التجارة الدولية بوزارة التجارة متى ما أرادت الدولة توقيع اتفاقيات دولية تجارية، فتستطيع أن تكون هذه الاتفاقيات السابقة حجة للدولة لدى وضعها لبنود الاتفاقية.
فالفنيون كل في موقعه لن يتمكنوا من أداء هذا الدور دون أن يكون هناك متخصصون في التاريخ ليساهموا بشكل كبير ويشكلوا بدورهم دعامة علمية لمن يحتاج اليهم في هذا الجانب.
إن الأزمة الحقيقية التي تتطلب أن نتعدى مرحلتها هي مرحلة نسخ المناهج العالمية وترجمتها دون ان تكون هناك بصمات واضحة للدولة خلالها تسهم في التطوير.
هذا فضلا عن ان تأليف مقررات تاريخ الاتفاقيات هذه من الممكن ان يتم افتتاح تخصص فرعي خلالها لطلبة الماجستير لنيل الدرجة العلمية من خلال تخصص تاريخ الاتفاقيات الدولية، حيث من الضروري ان يتم تحديث التاريخ، فهناك تاريخ ما قبل الميلاد وهناك تاريخ ما قبل الهجرة النبوية الشريفة، وهناك تاريخ الخلافة الاسلامية، وتاريخ نشأة الدولة، وكلها أحداث تاريخية عمد المؤرخون الى تدوينها ونقلها للأجيال القادمة فاستفدنا كثيرا منها، وأعتقد ان العلم الحديث يجعلنا نفصل التاريخ ونضعه في قوالب مختلفة لتتمكن الأجيال الحالية والمقبلة من الاستفادة منه، خاصة أن العالم اليوم مليء بالأحداث البعض منها شكّل نقطة تحول في شكل العلاقات سواء الداخلية او الدولية وكلها خلقت اتفاقيات جديدة وأعرافا دولية جديدة من الضروري ان يتم تدريسها وإعلام المجتمعات بها.
فكما كانت هناك اعراف دولية ما قبل حقبة زمنية معينة فلنحددها بظهور البترول مثلا وظهور الكهرباء، هناك اعراف دولية جديدة ظهرت في حقبة التكنولوجيا والانترنت وكلها ساهمت بشكل كبير في تغيير الاتفاقيات والأعراف وحتى عادات المجتمعات، وساهمت بشكل كبير في انصهار الكثير من عادات الشعوب وتقاربها بشكل مطرد، وهذا كله يجعلنا نقسم التاريخ الحديث الى ما قبل ظهور التكنولوجيا وما بعدها والتحول الذي شهده العالم بعد هذا التغيير.