لم أكن أعرف بالقضية المثارة على الساحة السياسية الحالية والتي تشهد شدا ومدا، وهي أحقية غير المسلمين في التجنيس، إلا من مقالة كتبها احد الكتاب الأفاضل والذي حقيقة بالرغم من اختلافي معه في كل ما يكتب إلا أنني من أشد متابعيه، وذلك لأن إيماني بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، حيث أشار الكاتب الفاضل الى ان اقتصار التجنيس على المسلمين دون سواهم فيه أمر معيب لنا كمسلمين، فهو وصفنا بالعنصرية والتحزب الديني بعبارة غير مباشرة وهذه حقيقة أطروحته المستمرة، حيث انني أتابعه منذ سنوات وأرغب في التعرف على مفهوم الإسلام لديه، إلا أنني لم أصل إلى نتيجة حتى الآن.
إلا انه وبالرغم من كل الآراء المتداولة تبقى قضية التجنيس القضية الشائكة التي ترمي بظلالها علينا بين الفينة والأخرى، وحقيقه لا أعرف حلا جذريا لمثل هذه القضية، فالبعض يطمع في الحصول على الجنسية الكويتية لأسباب قد يكون أحدها وطنية لانتمائه لهذه الأرض الطيبة ورغبته في شرف الحصول على المواطنة، والبعض يطمع في الجنسية لأسباب مادية على اعتقاد خاطئ ان الجنسية الكويتية ستفتح له صنبور المال، وهذه كارثة متى ما فكر شخص في الحصول على هوية وطن لأجل المميزات المادية فقط، والبعض الآخر يشعر بأحقيته كون أنه من جذور كويتية إلا أنها غير معترف بها، وهم من يطلق عليهم «بدون الكويت».
بالنسبة لي، لا أجد هناك حاجة ماسة للانفتاح على التجنيس لا للمسلمين ولا لغير المسلمين إلا بناء على الضوابط التي كفلها الدستور سلفا، وذلك لأسباب متعددة أهمها الحفاظ على الهوية الوطنية، فالكويتيون قبل أربعمائة عام حين تأسست الدولة لم يكن أحد يرغب في العيش على هذه الأرض الصحراوية التي لا تحمل مقومات الحياة السعيدة، ومن قطنها وتحمل لسنوات مرارة الحياة في هذه البيئة الصحراوية الطاردة أحفاده وسلالته أحق بالجنسية من سواهم؛ لأن هناك من قدموا إلى الكويت بعد ظهور النفط ولأجل المميزات المادية التي تمنحها الحكومة لمواطنيها باتوا يرغبون بالعيش في الكويت، وبالتالي لا نستطيع ان نساويهم بالمواطنين الأصليين الذين تحمل اجدادهم مرارة الحياة وكونوا هوية خاصة بهم من مختلف العرقيات والانتماءات؛ لذلك فالتوجه اليوم على الانفتاح على التجنيس أمر غير مرحب به على الصعيد الشعبي، وبالأخص الرغبة بإدخال طائفة غير المسلمين، وهي طائفة اليوم لا ضير منها كونها محدودة ولكن بعد سنوات قد نجد من يطالب بتمثيل لهم في البرلمان، وبالتالي المطالبة بدولة علمانية وانتشار مظاهر العلمانية، وهذا الذي لا نرغب به كون أن الكويت كما أشرنا مرارا أنها تقع بالقرب من الكعبة المشرفة وهذه أبدا لا نقبل بأن تكون جوارها دولة علمانية.
الأمر الآخر، إذا كانت الحكومة تريد زيادة في عدد مواطنيها فبدون الكويت أولى من سواهم، فعوضا عن التفكير في تشريع قانون يجيز تجنيس غير المسلمين فمن الأولى أن نقوم بتجنيس البدون الذين ينحدرون من أصول عربية مسلمة، ويتميزون بالطبائع الكويتية وأجدادهم كانوا متواجدين في الكويت منذ ما يقارب أكثر من ثمانين عاما، فهؤلاء أولى بأن يتم تجنيسهم عن سواهم لأنهم لن يغيروا من الهوية الكويتية كون أنهم كويتيون قالبا وجوهرا، إلا ان الحكومة لا تعترف بهم لأسباب سياسية أو لأسباب أمنية، وأيا كانت الأسباب أعتقد أن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية لابد ان يضع الحد الفيصل ويقلع هذه القضية من جذورها، ويجنس من يستحق، ويعود لجنسيته الأصلية من تعرف الدولة سلفا بأنه يحمل جنسية بلد آخر، إذ إن قضية تجنيس البدون قضية تعنى بحقوق الإنسان، وذلك لأن المواطنة حق للإنسانية، ولا يملك أحد أن ينزع حق المواطنة من أي كان دون مبررات أو جرم مرتكب.