الأم نعمة، أسأل الله أن يحفظ الأمهات جميعا، تلك الأمهات التي تعرف معنى الأمومة وواجباتها وما يترتب عليها من مسؤوليات جسيمة حين تشرف وتحمل لقب الأم، فليست الأمومة نزهة وليست برستيجا، بل هي مسؤولية وامتحان من الله عز وجل ليرى كيف سيتم التعامل مع هذه النعمة التي يرزق بها أناس ويحرم منها آخرون، وهذه لحكمة من الله عز وجل نحن نجهلها.
أحمد الله على أمي وهي السيدة الفاضلة/ ندى إبراهيم عبداللطيف الحوطي، إحدى سيدات الكويت الفضليات التي قامت الدولة على أكتافهن وصبرهن، فمنذ أيام الغوص والتعب والجد كان للمرأة الكويتية نصيب كبير في تحمل مشقة الحياة مع الرجل والصبر على غيابه وتحمل مسؤولية الأبناء وتربيتهم في غياب والدهم إلى أن يعود.
فأمي حفظها الله من هذا الجيل الطيب جيل الصبر، جيل العزيمة، جيل المسؤولية التي تتحمل كل الضغوطات لأجل رعاية أسرتها وتوفير حياة كريمة لهم، فأمي ـ حفظها الله ـ ربتنا بسواعدها، لم تعتمد على مربية، ولم تعتمد على أي مساعدة من أحد، فمنذ أن ولدتنا ولم نجد في حياتنا سواها، فكانت الأم والأب والأخ والصديق لنا جميعا أنا وإخوتي، وعلى الرغم من المسؤولية الكبيرة التي ألقيت على كاهلها، إلا أن شعارها كشعار جداتها من قبلها ألا وهو الصبر والتحمل والتوكل على الله دون سواه.
فلم تشغلها حياتها المهنية عن تربيتنا ومراعاة شؤوننا، فكانت نعم الموظفة المثالية التي توصل أبناءها بنفسها للمدارس ثم بعدها تتجه لعملها فكان الكل يقول لها في خلال مسيرتها العملية أنت لديك مفتاح الوزارة، حيث كانت تداوم قبل الكل وتخرج بعد أن يخرج الكل من العمل، وهذا الاجتهاد كان سببه رغبة منها في خدمة وطنها الغالي الكويت، حيث كانت تخدم وطنها بصمت ودون بهرجة.
هذا، واستمرت مسيرتها المهنية على قدر من النشاط والعطاء والتفاني للوطن إلى أن ترجلت عن جوادها بعد أن أصابتها إعاقة بسبب الجلوس لساعات طويلة على مقعد العمل، فأمي حين كانت تمرض أو تصيبها الحمى كانت تذهب لعملها ولم تتغيب عن عملها إلا في أقسى وأشد الظروف، وهذا كله نابع من الحرص والمسؤولية وحس الالتزام الذي لديها.
فأنا أستطيع أن أؤكد من خلال نموذج والدتي أن هناك كويتيات رائعات مهنيا وأفضل حتى بكثير من الأجنبيات اللواتي يعملن في دول أجنبية متقدمة، وهناك الكثير من الموظفات مثل والدتي إلا أن الإعلام لا يسلط الضوء عليهن، والحكومة بالتالي لا تنشر أسماءهن ليكنّ نموذجا يحتذى على مر الأجيال، فقد يعتقد البعض أن القياديين هم وحدهم عماد الدولة ونهضتها لذلك غالبا ما تكرم الحكومة قيادييها فقط دون أن تكرم الجنود المجهولين في مقار العمل، الذين يجب على ديوان الخدمة المدنية أن يرفع أسماءهم إلى سمو رئيس مجلس الوزراء ليتم تكريمهم على مستوى الدولة.
فنحن من الضروري أن نحرص على تكريم الموظفين المثاليين في الدولة حتى يكونوا حافزا للخدمة والعطاء من الأجيال الحالية التي بات عطاؤها أقل مستوى بكثير من الأجيال السابقة، وذلك لخيبات الأمل الكبيرة التي تسببت فيها الحكومة من عدم تكريم موظفيها العاديين الذين يعملون بصمت.